مناسك الحرية

جمعة, 07/23/2021 - 20:04
البروفيسور د. فؤاد البنا

يندفع بعض البشر للسطو على حريات الآخرين وانتهاب حقوقهم، لاعتقادهم أنهم متميزون عنهم ومتفوقون عليهم، بعرق أو مال أو سلطة أو جاه أو طائفة أو مذهب أو جماعة، ومن ثم يسري الخلل إلى أساس الحرية وهو المساواة.

ومن مقاصد الحج إعادة الناس إلى مقصد المساواة، فإذا كانت الغاية من خلق الشعوب والقبائل هي التعارف، فإن هذا ما يسهم الحج في تحقيقه عمليا بعد تقريره نظريا، حتى أن ركن الحج الأعظم هو الوقوف بجبل سمي بـ"عرفات"، لأنه المحطة الرئيسية لاجتماع الخلق في صعيد واحد، وتعارفهم على قدم المساواة، بعيدا عن أوشاب العصبيات وأوهام التفوق.

وينطبق ذلك على سائر محطات الحج ومشاعره، فاللبس واحد، وجملة الواجبات والمحظورات واحدة بشكل صارم، فلا تميز لعرق ولا لقبيلة ولا لأسرة ولا للون، ومن هنا فإن الحج يعزز قيمة الحرية في أنفس المؤمنين.

السعي بين الحرية والعدالة:

في إطار استعادة الأمة لدورها الرسالي في الشهود الحضاري على مستوى الأمم، لا بد من تفعيل قيم النهوض الحضاري، وأهمها الحرية والعدالة الاجتماعية، حيث لا بد من السعي بين ثغور الحرية وثغور العدالة الاجتماعية، لانتشالها مما هي فيه من وهن، وسد ثغراتها، وتقوية لبناتها.

إن سعي هاجر بين الصفا والمروة بحثاً عن الماء والزاد لابنها اسماعيل، ينبغي أن يذكرنا بالسعي بين الحرية والعدالة لأمتنا!

ولأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، فلا بد أن يتوج هذا السعي بتفجر زمزم الحرية والعدالة، حتى يروي الناس ظمأهم للحرية وعطشهم للعدالة.

جمار الاستبداد:

قبل أن ترموا أيها الحجاج الجمرات التي تجسد شياطين الجن، ارموا بقذائف الحق شياطين الاستبداد والاستعباد الذين أفسدوا دينكم ودنياكم، وسلطوا عليكم كلابهم البوليسية، وسخروا ضدكم ثرواتكم وجيوشكم، وأعادوا أسلحتكم إلى صدوركم، وجلبوا عليكم خيل الأعداء ورجلهم، وجعلوكم أذلة صاغرين!

ذبح الأخطاء والخطايا:

عندما يرتكب الحاج بعض الأخطاء التي لا تخل بأركان الحج، فإنه يذبح الهدي تكفيرا عما اقترف، ولكن أهم من ذلك أن يذبح الشهوات المتغولة والغرائز المتوغلة والأهواء المنفلتة، ليعود نقيا بهيا كيوم ولدته أمه!

ولا شك أنه عندما ولدته أمه كان حرا أبيا، لم تأسره شهواته، ولم يستعبده سوى الله، سواءً كان كائناً أو كياناً.

التحرر من العوائد:

إن خروج الإنسان من بلده، وذهابه إلى مكة وأكنافها، رغم ما في ذلك من بعد جغرافي، واختلاف مناخي وثقافي، مع نظام صارم إلى حد بعيد، يمنعه من الرفث والفسوق والجدال، إنما يهدف إلى تخليصه من أغلال المألوفات، واستنقاذه من أسر النمطية الرتيبة والقوالب الجامدة، وتحريره من عبودية العوائد وقوالب التقاليد، التي تسلب الإنسان مع المدى الطويل إنسانيته وحريته وكرامته، وتجعله مجرد قطعة في آلة كبيرة، أو فرد في قطيع عريض!

فنن:

إن كل شعائر الإسلام وشرائعه، وسائر وقائع الأيام، تبين بجلاء كم للحرية من (فضائل)، وكم للعبودية من(فضائح)، وكم للاستبداد من (فظائع)!

بورك نضالكم.