بين الحضور والتقاعد السياسي .. ولد منصور .زعيم الإسلاميين في مواجهة نيران صديقة

سبت, 06/27/2020 - 11:33

محمد سالم - بات محمد جميل ولد منصور أحد الأسماء إثارة للجدل في حزب تواصل الذي غادر رئاسته منذ حوالي سنتين، كانتا كفيلتين بتحويله إلى خصم سياسي لأغلب القرارات والمواقف التي اتخذتها قيادة الحزب الجديدة برئاسة خليفته الدكتور محمد محمود ولد سيدي

 

ينتمي ولد منصور إلى جيل من القيادات الإسلامية رافقت الملف السياسي منذ بداية الثمانينيات إلى الآن ويعتبر نفسه كائنا سياسيا لا يجد نفسه خارج جدلها وصراعاتها، ونضالها، وهو ما جعله غير مستعد للتقاعد السياسي الذي يحاول رفاقه فرضه عليه.

 

في أجمة الزوايا

 

في حي بيله قرب نواكشوط ولد محمد جميل ولد منصور سنة 1967 لأب ينتمي إلى الطبقة الاجتماعية المحاربة تقليديا في البلد، ووالدة من إحدى أشهر الأسر الأدبية والفنية في البلاد، لا يعرف ولد منصور مجتمعا غير نواكشوط الذي ولد فيه وترترع ومارس السياسة واقتحم مدارج الفكر والمعرفة، كما لا يعرف أيضا مجتمعا خارج الحركة الإسلامية التي عاش في فضاءاتها المتعددة لأكثر من أربعين سنة، وقد ظل خصومه في تواصل يعتبرون ضعف معرفته بالمجتمعات القبلية وتوازناتها نقطة ضعف في أدائه السياسية

وسرعان ما سلك رفقة أخيه القيادي الناصري محمد عبده ولد منصور سبيل الدراسة العصرية، فيما قرر عدد كبيرمن أقاربهما دخول المؤسسة العسكرية في تلك الأثناء.

في ثانوية تيارت تعرف ولد منصور على التيارات الفكرية المتصارعة يومها، وسرعان ما اندمج في التيار الإسلامي الذي انتشر بداية الثماننينات في المؤسسات التعليمية، بعد فترة نشوء وتكون منذ منتصف السبعينيات.

 

لاحقا تخصص ولد منصور في الدراسات الإسلامية عندما تخرج من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، قبل أن يحصل على شهادة الدراسات المعمقة في الفقه الإسلامي، ويستعد للتسجيل للدكتوراه، التي لم يناقشها بعد رغم مرور أكثر من 25 سنة على تسجيل موضوعها الذي كان عن أوجه التلاقي والتلاغي بين الديمقراطية والشورى الإسلامية.

حفر ولد منصور موقعه في أجمة الزوايا، ودخل التخصصات التي كانت حكرا لزمن طويل على أبناء طبقة الزوايا، وبصعوبة اقتنع عدد من الشيوخ المسنين والمؤمنين حد الجمود بالمذهبية والتقليد الفقهي أن هذا الشاب يقدم رؤية مستنيرة في الفقه الإسلامية.

 

حفر في المحظور

 

ركز ولد منصور اهتماماته الفكرية والعلمية في حقول غير مبحوثة بشكل كبير، وخصوصا في البيئة العلمية المحلية، حيث كان من أوائل الإسلاميين الذين اهتموا بأزمة الرق وكتب عنها بحثا كبيرا عن الإسلام وإشكال الاسترقاق وعن أصول الرق في موريتانيا ومعاملات الرقيق.

وبسرعة نحا الرجل إلى تبرئة الإسلام من الرق، ورأى أنه وضع برنامجا ينتقل من المساواة إلى التكيف من أجل الإلغاء وينتهي عند التحرير الكامل.

ولعقود متعددة ظل الرجل يصدح برأيه ناصحا تارة ومناطحا أخرى، قبل أن ينفجر في الإسلاميين وعي برفض الرق ومخلفاته، ويتجاوزا مفكرهم في كثير من الآراء والمواقف والعلاقات مع القوى السياسية والفكرية الرافضة للرق، مما جعله في أحيان كثيرة يناديهم "ان اربعوا على أنفسكم"

كما اهتم ولد منصور بإشكالات السياسة وتموقعها في الفقه الإسلامي مقدما دراسته الموسعة عن الدولة الإسلامية وإشكال النموذج

ولم يكن شعار الإسلاميين الخالد"الإسلام هو الحل" بمنأى عن اهتمامات ولد منصور الذي قارب هذا الشعار من خلال إسئلة لماذا وكيف الإسلام هو الحل.

وضمن توجهاته واهتماماته الفكرية كان ولد منصور ضمن قيادة ما يعرف باليسار الإسلامي، المتأثر بأطروحات المفكر التونسي راشد الغنوشي والهندي وحيد الله خان والاقتصادي الإيراني علي شريعتي.

وقد استطاع ولد منصور النجاة من "أزمة اليسار الإسلامي" حينما استجاب لحوارات الشيوخ وعاد مع الشاردين إلى القطيع وفق تعبير الأمير الإسلامي السابق الحسن ولد مولاي اعل.

 

الزعيم السياسي للإسلاميين

دخل ولد منصور عمق الملف السياسي باكرا، حيث كان الأمين العام المساعد لحزب الأمة، وهو حزب جماهيري، لم يكن محل إجماع بين الحركة الإسلامية ورموزها الجماهيرية.

ومع حظر الحزب، توجه ولد منصور ضمن تحالف الإسلاميين الداعم للمرشح المعارض أحمد ولد داداه.

ومع أزمة الإسلاميين سنة  1992 وانقسامهم إلى معسكرات متعددة، منها من آثر الانضمام إلى صف السلطة، وضم عددا كبيرا من الرموز والشخصيات القيادية وآخرون قرروا البقاء في المعارضة، وجد ولد منصور طريق القيادة السياسية سالكا، وواصل في حزب اتحاد القوى الديمقراطية/ عهد جديد.

في سنة 2001 انتخب ولد منصور عمدة لبلدية عرفات، ممثلا لحزب تكتل القوى الديمقراطية، ولم تطل فترته في البلدية، حتى تم القبض عليه في بداية أزمة سياسية واسعة بين النظام والتيار الإسلامي.

والتحق ولد منصور برفاقه من "علماء التيار الإسلامي" الذين وجدوا في السجن فرصة لا تعوض لرفع أسهمهم السياسية والجماهيرية، وتوجيه "سهام" الدعاء أيضا ضد نظام ولد الطايع.

 

ومع سقوط ولد الطايع، بدأ الإسلاميون مسارا جديدا احتل فيه جميل ولد منصور الواجهة السياسية بتمكن  وأسس مع إخوانه مبادرة التنسيق والمتابعة للإصلاحيين الوسطيين، وقادهم إلى تحقيق حضور جزئي في البرلمان والنواب.

وخلال رئاسته التي استمرت حوالي 13 سنة، اختبر الإسلاميون عدة موافق من التهدئة مع النظام العسكري إلى معارضة النظام المدني المنبثق عن انتخابات 2007 إلى المشاركة في الحكومة، ثم مواجهة النظام الانقلابي في 2008  قبل التحالف الجزئي معه، ثم العودة إلى الصراع القوي من جديد، وهو صراع استمر وطال حتى رحيل ولد عبد العزيز الذي سخر أكثر من مرة من شعارات الرحيل التي حملتها قوى سياسية من بينها الإسلاميون.

 

في مواجهة التواصليين

 

لم تمر أشهر كثيرة عن رحيل ولد منصور عن رئاسة حزبه، حتى بدأت رياح الخلاف تهب صادحة بينه وبين رفاقه السابقين، خصوصا أن التشكلة الجديدة في الحزب أصرت على إبعاد ولد منصور عن مختلف واجهاته السياسية، وأبقت له على منصب عضو في مجلس الشورى.

ولم يتردد أيضا ولد منصور في نقد مواقف قيادة حزبه، بشكل مرن تارة، قبل أن يبري قلم النقد الحاد، ضد بعض المواقف التواصلية سواء في دعم سيدي ولد محمد ولد ببكر أو عدم الاعتراف الصريح بفوز ولد الغزواني.

 

ويرى خصوم ولد منصور في تواصل أنه يمارس دورا لم يكن يسمح لأحد بممارسته أيام رئاسته للحزب، حيث كان حريصا على ضبط صلاحياته، واحتلال المساحة الإعلامية المتاحة له بشكل كبير وواضح، إضافة إلى كونه الناطق الرسمي الأوحد باسم تواصل أيام رئاسته، وقد سعى أكثر من مرة لإقالة عدد من نوابه بعد أن عجز عن احتوائهم أو إدراجهم في خطه الفكري والسياسي

 

بينما يذهب بعض أصدقائه إلى ما يعبر عنه ولد منصور من "تعزيز المشترك والتهدئة" ليس جديدا في مواقف الرجل، وقد عبر عنه أيام نظام ولد الطايع، حينما كان الإسلاميون في أشد حالات الصراع معه، وظل يعبر عنه أكثر من مرة.

ومما يجمع عليه قادة الحزب أن ولد منصور الذي وصفوه أكثر من مرة بأنه "القوي الأمين"
 كان بالفعل أمينا تجاه المال وخرج من الحزب فقيرا، لكنه كان قويا صارما أيضا في استغلاله لكل صلاحياته، ورفضه لمشاركتها أو تفويضها لأي كان.

 

صراع الإخوة

 

رغم أثواب القداسة التي يخلعها الإسلاميون بين الحين والآخر على مواقفهم المتعددة تعدد أمواج السياسية، فإن من الصعب اليوم إخفاء حالة التوتر والخلاف التي تسود في حزب تواصل، وهنالك من يرى أن الأمر هو تباين مدارس وأطروحات رأي، وآخرون يرون فيها صراع أشخاص وأجنحة، خصوصا أن الأطراف التي كانت مهمشة أو بعيدة من قمرة القيادة في عهد ولد المنصور أحاطت اليوم بخليفته محمد محمود ولد سيدي.

وخضتم كالذي خاضوا

وبين كل ذلك يبقى ما يعيشه حزب تواصل مجرد عرض من أمراض الأحزاب والقوى السياسية، التي عانت من صراعات عميقة، وقل منها من نجح في احتوائها، ذلك أن الحركات السياسية تأخذ لون أرضها غموضا واضطراب أمواج وتعدد تيارات، وتلك سنة مسنة في حياة السياسة، وتاريخ السياسيين يقرأ على مسامعهم
 وخضتم كالذي خاضوا