الإسلاميون والانظمة. .قليل من التقارب. .كثير من الصراع

أحد, 02/17/2019 - 20:36

محمد سالم - بات الصراع والتنابز السياسي أبرز مفردات العلاقة بين نظام الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز وحزب تواصل أبرز ممثل سياسي للساحة الإسلامية في موريتانيا وإذا كانت العلاقة بين نظام ولد عبد العزيز والمعارضة لم تشهد تطبيعا خلال سنواته العشر الماضية، فإنها مع الإسلاميين بشكل خاص شهدت فترات شد وجذب وصلت حد الضربات المركزة ضد مصالح ومؤسسات الإسلاميين والتهديد بحل حزبهم أكثر من مرة.

لكن علاقة الإسلاميين مع نظام ولد عبد العزيز ليست إلا جزء من مسار طويل من الصراع والأزمات السياسية شابت علاقة الإخوان بمختلف الأنظمة السياسية المتعاقبة في موريتانيا

ولد هيدالة صديق الإسلاميين

ظهرت قوة الإسلاميين مع بداية الثمانينيات بعد أن بدأ ظهورهم الفكري قبل ذلك بسنوات قليلة، واستطاع عدد من رموز الإسلاميين أن يكونوا جزء من الأطر السياسية القريبة من الرئيس الأسبق محمد خونه ولد هيدالة الذي أولى التيار الناشئ حالة غير مسبوقة من الاهتمام، وقد كان من أبرز مظاهر تلك العلاقة

  • الرعاية الرسمية للجمعية الثقافية الإسلامية أبرز صوت ثقافي ودعوي للإسلاميين حيث عمل الولاة والمسؤولون بالتوصيات الرسمية الصادرة عن ولد هيدالة بفتح كل الأبواب وتسهيل أعمال الجمعية التي شهدت خلال سنوات ولد هيدالة انتشارا وتمددا غير مسبوق

  • ربط عدد من الشخصيات السياسية والدينية القريبة من الإسلاميين علاقات وطيدة مع ولد هيدالة ومن أبرز هؤلاء الوجه الشبابي يومها المختار ولد محمد موسى الذي عمل مديرا لديوان ولد هيداله إضافة إلى رجل الأعمال حاجي ولد سيدينا الذي كان من أبرز الوجوه المالية الداعمة للإسلاميين، ورئيس الجمعية الثقافية الإسلامية الشيخ محمد المختار كاكيه. وضمن هذا الفريق كان الإمام بداه ولد البوصيري – الذي يعتبره الإسلاميون أبا روحيا لهم – من أبرز الشخصيات الإسلامية التي تركت بصماتها على نظام ولد هيداله.

  • استطاع التيار الإسلامي الواسع الذي يضم مختلف الطوائف العلمية والصوفية إسقاط مشروع دستور ولد ابنيجاره، ورغم دور الأئمة والعلماء من مختلف الطوائف في إسقاط الدستور إلا أن الإسلاميين اعتبروه أول إنجازاتهم وقدرتهم على التعبئة والحشد.

احتفظ الإسلاميون لولد هيدالة بكثير من التقدير والود، حيث بادروا إلى ترشيحه في انتخابات 2003 لينافس معاوية ولد الطايع

ولد الطائع والإسلاميون ..التفكيك والصراع

مع وصول الرئيس معاوية ولد الطايع إلى السلطة، بدأت مرحلة أخرى من العلاقة مع الإسلاميين، حيث لم يرحب الإسلاميون بالرئيس الجديد الذي أطاح بحكم صديقهم محمد خونه ولد هيدالة، غير أن العلاقة بين الطرفين لم تتأزم بشكل كبير إلا مع نهاية الثمانينيات، ومع انطلاق المسلسل الديمقراطي، ومن أبرز محطات العلاقة بين الطرفين

  • التحالف الانتخابي : تحالف التيار الإسلامي مع النظام في الانتخابات البلدية حيث وجد الإسلاميون في الإداري الداه ولد الشيخ نقطة التقاء مع ولد الطايع في مواجهة القوى المعارضة التي رشحت الوزير المقال يومها مسعود ولد بلخير.

  • استغلال الصراع الجهوي بين الإسلاميين : وخصوصا بين تيار الشرق والجنوب وتغذيته بمزيد من بوادر التفكك حيث يوجه كثير من الإسلاميين اللوم إلى الأجهزة الأمنية في تلك الفترة برعاية وتضخيم الخلاف رغم أن جوهره كان صراعا داخليا بين رموز علمية ودعوية تقرأ على الجماهير مفردات من قبيل عالمية الدعوة وضرورة الأخوة الشاملة، قبل أن تعود إلى الاستقطاب حول الشرق والجنوب

  • أزمة حزب الأمة : قررت مجموعة من الأئمة والدعاة إنشاء حزب سياسي أطلقوا عليه حزب الأمة، برئاسة الشيخ محمد ولد سيدي يحيى وكان الحزب مقاسمة بين تيار الإخوان والتيار الدعوي بمختلف تشكيلاته، كانت موضة أحزاب الأمة قد انتشرت مطلع التسعينيات في عدد من بلدان العالم العربي"  وأخذ الإسلاميون نصيبهم من "الأممية"

أبلغ مدير الأمن المرحوم اعل ولد محمد فال الأئمة بأن حزبهم مرفوض وأن أي تجمع لهم سوف تفرقه الشرطة بالأسلوب المناسب، وتكفلت وزارة الداخلية بإعلان الرفض الرسمي بحجة رفض الأحزاب الدينية في بلد إسلامي

  • التحالف والتفكك : في مرحلة لاحقة وقريبة من الأولى قرر الإسلاميون دخول الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي وكان من بين مؤسسيه وكتاب وثائقه الأساسية عدد من رموز الإسلاميين وشخصياتهم، غير أن قرار دخول الحزب لم يرق لقطاعات واسعة من شباب الإسلاميين الذين رأوا فيه دعما "للطاغوت" والديكتاتورية"، ليتفكك تيار الإخوان إلى قيادة معارضة انتقل أغلب عناصرها إلى صف "الأخ الرئيس معاوية ولد الطايع" وشباب معارض، توزعته طرق السياسة والفكر والدعوة

استطاع الإسلاميون الجمهوريون في تلك الفترة الوصول إلى وظائف متعددة داخل النظام الجديد من بينها تعيين عدد من رموزهم في مناصب وزارية، ومسؤوليات دون ذلك، قبل أن يندمج القادمون الجدد مع الظاهرة الإسلامية الرسمية ويشكل الجميع ما أطلق عليه لاحقا بالتيار الإسلامي الرسمي أو علماء السلطة.

اعتقالات 1994 المواجهة المفتوحة

في سنة 1994 أعلن النظام عن اكتشاف تنظيمات سرية للإسلاميين وبدأت الاعتقالات تتوسع لتطال العشرات من رموز وشباب الإسلاميين في موريتانيا بمختلف طوائفهم الإخوانية والسلفية وانتهى الاعتقال  بالإفراج عن الموقوفين بعد حل جميع المؤسسات الدعوية والثقافية المحسوبة على الإسلاميين، فعاد شباب نادي مصعب إلى مساجدهم وعادت نساء نادي عائشة إلى بيوتهن في فترة كمون وهدوء استمرت عدة سنوات.

 

الانقلاب وأذرع الإسلاميين

مع العام 1998 بدأت قوة الإسلاميين تظهر بشكل واضح في الشارع العام سواء عبر مظاهر الانتماء والجدال الفكري في المساجد، كما بدأ حضورهم السياسي ضمن حزب اتحاد القوى الديمقراطية/عهد جديد يظهر كذلك، ومع التطبيع بين نظام الرئيس معاوية ولد الطايع والكيان الصهيوني وجد الإسلاميون فرصة للبروز القوي نحو الساحة وعبر وجههم الفقهي البارز يومها الشيخ محمد الحسن ولد الددو الذي دفع به الإسلاميون بقوة إلى واجهة المشهد العلمي والسياسي عبر فتواه الشهيرة بضرورة قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني.

تلاحقت حالة الترقب والاحتقان بين الطرفين، ومع بروز جريدة الراية الجناح الإعلامي للإسلاميين يومها بدأت حالة أخرى من الصدام بين السلطة والإسلاميين أخذت قوتها مع المحاولة الانقلابية الفاشلة في 2003 والتي قادها ضباط شباب، وكانت مسبوقة باعتقالات واسعة جدا طالت مختلف الطيف الإسلامي وقضت على كل مؤسساته وأصواته الإعلامية ومراكزه وحاصرت المساجد المحسوبة عليه، فيما تكفل الإعلام الرسمي بتشويه "الإرهابيين" المفترضين.

وكان من بين المعتقلين عدد من إسلاميي الحزب الجمهوري الذي أعادتهم الاعتقالات إلى زملائهم المعارضين، قبل أن يعلنوا انسحابهم من الحزب الحاكم.

لم يتأخر الأمن الموريتاني في اتهام الإسلاميين بالتورط في الانقلاب، ولم يتأخر الإسلاميون أيضا عبر رموزهم المعتقلين في نفي العلاقة به وإعلان تشبثهم بالمدنية والتغيير السلمي، قبل أن تكشف الأيام لاحقا أن للإسلاميين دورا في بعض مراحل الانقلاب إن لم يكن كلها.

استطاع ولد الطايع الانتصار أخيرا على فرسان التغيير ووضع كل رموزهم في السجن كما استطاع أيضا تسديد ضربات موجعة للإسلاميين الذين وجدوا أنفسهم بين إمام سجين أو سياسي فار من البلد، أو جماهير شبابية تندفع نحو الشارع في مظاهرات صاخبة تتكفل الشرطة بتفريقها بعنف.

 

مع الفترة الانتقالية ..التعايش الحذر

 

مع سقوط نظام الرئيس معاوية ولد الطايع بدأت مرحلة جديدة، حيث أفرج القادة الجدد عن "معتقلي الإخوان" المسلمين وأبقوا المعتقلين المحسوبين على التيار السلفي في السجن سنتين أخريين، وتكفل القائد الفعلي للانقلاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالدفاع عن المفرج عنهم ووصفهم في تصريحات إعلامية بأنهم تيار سياسي معتدل

وفي المقابل لم يخف رئيس المجلس العسكري اعل ولد محمد فال موقفا سلبيا تجاه التيار الجديد ورفضه لترخيص حزبهم الذي ظلوا يطالبون به منذ بداية المسلسل الديمقراطي، وفي مقابل ذلك سمحت السلطة للإسلاميين بالترشح المستقل ضمن مسار من التعايش الحذر بين الطرفين، حيث لم يكن من أولويات السلطة يومها الدخول في صراع سياسي مع أي طرف ولم يكن الإسلاميون أيضا في حالة تسمح لهم بمواصلة الصراع.

 

ولد الشيخ عبد الله..صداقة شهرين

 

خرج الإسلاميون من سجن ولد الطايع في حالة أشبه بحالة من الغرور السياسي بقدرتهم الجماهيرية، واستطاعوا رغم ما يعتبرونه ضعف الوسائل وحداثة النشأة السياسية الحصول على مقاعد قليلة في البرلمان وفي المجالس البلدية، فيما كان أشبه بإعلان دخول للمشهد السياسي

رشح الإسلاميون رفيقهم في سلاح المواجهة مع ولد الطايع صالح ولد حننا في الانتخابات الرئاسية وتوقفت حصيلة الأصوات التي حصل عليها عند 7% من أصوات الناخبين، ليتحولوا بسرعة إلى دعم المرشح المعارض وحليف سنوات الجمر أحمد ولد داداه وكان الفوز من نصيب الرئيس المدعوم من الجيش ورجال الأعمال وبعض قوى المعارضة سابقا سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

قابل ولد الشيخ عبد الله الإسلاميين بترخيص حزبهم السياسي معارضا بذلك موقف مستشاريه السياسيين والأمنيين، وفي آخر أيام ولد الشيخ عبد الله انفتحت بوابة علاقة بين الطرفين بمشاركة الإسلاميين بوزيرين في حكومة الوزير الأول يحيى ولد أحمد الوقف

قبل أن يتم إخراجهما بطريقة مذلة من الحكومة وقبل أن يلحق بهما الرئيس ووزيره الأول بعد الانقلاب الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز منهيا بذلك حكم ولد الشيخ عبد الله.

 

تواصل وعزيز ..من الترقب إلى المواجهة

 

نشط حزب تواصل ضمن الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، وشارك بعض عناصره في حوار دكار، كما نالوا نصيبهم من القمع الذي وزعه الأمن الموريتاني بشراسة على قادة الجبهة المعارضين، ومع إبرام اتفاق دكار كان الإسلاميون يبحثون عن نقاط التلاقي مع النظام الجديد الذي اختطف كثيرا من شعاراتهم المتعلقة بالهوية الإسلامية وأخذت حملته ضد "الفساد والمفسدين" جانبا من اهتمام قادة الحزب إن لم يكن بعض جماهيره، غير أن العلاقة سارت بعد ذلك إلى دائرة "التلاغي" والصدام، حيث وصف ولد عبد العزيز الإسلاميين أكثر من مرة بأنهم جبل جليد يخفى منه أكثر مما يظهر، ومع الزمن ارتفعت حدة السجال ليصف الإسلاميين ولد عبد العزيز بالنظام الفاسد، ويصفهم هو بالإرهابيين والمتطرفين.

في 2009رشح الإسلاميون رئيسهم محمد جميل ولد منصور منفردين عن المعارضة التي رشحت مسعود ولد بلخير،  ربما في رسالة ذات شقين يتعلق أولهما باختبار الإسلاميون لقوتهم وجاءت النتائج ضئيلة تفوق 4% بقليل، أما الثانية، فكانت إلى النظام وهي أن الترشح المنفرد يعني أن تواصل يقيم في جزيرة سياسية لا تتقاطع مع كثير من توجهات ورموز المعارضة.

 

وطيلة السنتين المواليتين ظلت العلاقة بين الطرفين تتجه إلى مستوى من التعزز، ركز الإسلاميون على الهدوء والتعاطي الإيجابي مع النظام إلى حد التحالف معه في تجديد ثلث الشيوخ، وركز النظام بشكل خاص على ما يريد وهو الرموز العلمية التي تكسبه مزيدا من المقبولية لدى الشارع، وكان الشيخ محمد الحسن بن الددو الرمز الذي يسعى النظام إلى استمالته أو بالأجدر عزله عن بقية الإسلاميين،وهي المهمة التي باءت بالفشل وتحولت إلى صراع ذي أبعاد شخصية بين رأس النظام وشيخ الإسلاميين.

موجة الربيع

كانت وثيقة "إصلاح قبل فوات الأوان" التي أصدرها الإسلاميون إعلان قطيعة مع نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز أو رسالة بآن آمالهم قد خابت في التقارب معه، اختلفت وجهات قادة النظام حول الوثيقة واعتبرها بعضهم رسالة ينبغي التعاطي الإيجابي معها، فيما اعتبرها آخرون رسالة تحريض وتحذير، وسرعان ما أخذت رياح الربيع جانبا من النقاش، ورفع الإسلاميون مع قوى سياسية معارضة لافتة ترحيل النظام، ثم جاءت رياح الربيع بما لم تشته سفن الإسلاميين، وبدأت المراجعات بسرعة، حيث قرر تواصل الانتقال من ترحيل النظام إلى ترحيل "نوابه وعمده" وفق الرئيس السابق للحزب محمد جميل ولد منصور

وكان الركون إلى الواقعية الانتخابية بديلا من عن ثورية الربيع، ورقة متأخرة لم تفلح في إقناع النظام بأن الإسلاميين طووا صفحة الربيع، فقد ضرب صيف قاصف العلاقة بين الطرفين.

خلال السنوات الأربع الماضية، اختبر الطرفان عديد الأزمات السياسية، وتركزت ضربات النظام ضد الإسلاميين على النوعية والمباغتة، حيث تم حل جمعية المستقبل التي يرأسها الشيخ محمد الحسن ولد الددو، كما تم تسليط الإعلام الرسمي على حزب تواصل والشيخ محمد الحسن ولد الددو، فيما لم يدخر الإعلام المحسوب على تواصل جهدا في تعرية النظام والكشف عما يعتبره فوائق في الفساد المالي لدوائر مقربة من النظام.

والآن بعد عشر سنوات من حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، يمكن القول إن التوتر كانت الرسالة الأكثر ترددا بين الطرفين، وأن خسائر الإسلاميين كانت كثيرة على مستوى الرسائل والضربات التي وجهها إليهم النظام والتي قضت على كثير من مؤسساتهم، وأرهبت عددا كبيرا من رموزهم المالية وحتى  السياسية التي بادرت بإعلان الانتساب إلى صف السلطة، واستخدمت المال والعلاقات من أجل إلحاق الهزيمة السياسية "بأخوانهم السابقين" أما على المستوى السياسي والجماهيري فإن الرصيد الجماهيري للإسلاميين تعزز خلال فترة الرئيس محمد ولد عبد العزيز كما توسعت داوائرهم الانتخابية، حيث استطاعوا انتزاع مكاسب سياسية رغم المواجهة المركزة.

ويمكن القول إن أبرز محطات التقارب والصراع بين الإسلاميين ومختلف الأنظمة السابقة كانت محكومة بمعطيات أبرزها.

  • مستوى التقارب الفكري أو الروحي بين رموز النظام ورموز من الإسلاميين وقد أثرت الشخصية المتدينة للرئيسين محمد خونه ولد هيدالة،ـ ومحمد ولد عبد العزيز على مسار التقارب بين الطرفين.

  • كان للتوجس السياسي والأمني لدى دوائر السلطة بأطيافها المختلفة دور أساسي في إجهاض مشاريع التقارب بين الطرفين.

  • لم يستطع الإسلاميون حسم الموقف من التحالف أو الصراع مع السلطة، فظلوا دائما في منطقة رمادية يسعون إلى التحالف مع السلطة ويرون في ذلك الطريق الأسرع إلى تحقيق مشروعهم التغييري ويتشبثون بشعبية لا تزال قطاعات عريضة منها ترى في المعارضة المكان الأكثر مناسبة للأطروحات المثالية للإسلاميين.