قصص من الحياة.. زواج تحت سطوة السحر

اثنين, 07/16/2018 - 09:52

يكبتها المختار أحمدو

بعد أربعين سنة من الإقامة القسرية في إحدى القرى السنغالية عاد يعقوب إلى قرية أهله في بوادي الترارزة، عاد بعد أن أكلت الأيام قوة شبابه، وأصبحت شعر رأسه ولحيته خارطة مفتوحة للشيب والهرم والأيام.

عاد يعقوب ليكتشف أن العالم تغير خلال فترة التيه الأربعينية التي أقامها رفقة تلك السيدة السنغالية التي رحلت إلى الآخرة قبل فترة قليلة من عودته إلى أهله.

 

كأي عائد من خارج الزمن، اندهش يعقوب بأنه الأرض غير التي كان يعرف ولا الناس هم من كان يألف أيام كان شبابا يروح ويجيئ بين محاظر أهله ومسارح قومه.

في أربعينية التيه توفي والدا يعقوب وصله الخبر ولم يغادر سجن الزوجية في السنغال لأداء التعزية لأخوته، قال الذين أخبروه بخبر الوفاة أنه لم يبد أي اهتمام كثير.

في خروجه من سجن الزوجية بدأ يعقوب يحس شيئا فشيئا بصدمة الأيام، تهافت إليه الأقارب والأخوات العجوزات أبناء الأخوة والأخوات، سأل هو عن أشخاص كثيرين وكان الجواب بأن أغلبهم أصبح تحت الأرض ..وكان يردد متى وقع هذا بالضبط

 

قصة يعقوب إحدى قصص الحياة العجيبة في سطوة السحر على عقول البشر، غادر يعقوب مرابع أهله إلى السنغال بحثا عن عمل مثل المئات بل الآلاف من الموريتانيين.

تزود قبل السفر بما شاء الله من علوم محظرية، كان فتى حسب أقرانه طويلا وسيما، يتقن قرض الشعر الفصيح والشعبي وكان خبيرا بالفقه، في السنغال حمل على كتفه خنشة تحمل ما أمكن من شاي وسكر وحاجيات أخرى وظل يتجول بين القرى.

في إحدى قرى السنغال وجد يعقوب زبناء كثر، تعود أن يأتي إلى القرية كل أسبوع، وأن يبيع ويقرض النساء بعض حاجياته، مع الزمن توطدت علاقته بالقرية وتوطدت تجارته، استأجر دكانا صغيرا في منزل أرملة سنغالية وهنا بدأت القصة.

بعد فترة ليست طويلة تزوج يعقوب من الأرملة ذات البنات الأربع، قال أقاربه والمقربون منه إنها لم تشفغ فؤاده فحسب، ولكنها وجهت عقله وغيبت قلبه عن إدراك ما حوله وخصوصا أنه سجين تحت رحمة سحر أسود، هكذا قال أقاربه وقريباته خلف النهر على الضفة الأخرى.

بلغ الخبر أقاربه، وقع صادما على عدة فتيات كن يمنين أنفسهن بحظ سعيد وزواج مع يعقوب.

ودارت عجلات الزمن بسرعة، عقد إثر آخر ويعقوب في تلك القرية لا يغادرها إلا لفترة قليلة ليشتري بضاعة جديدة، ويلزم مكانه بين دكانه وبيت الأرملة.

مل أقارب يعقوب من زيارته، وتركوه لقدره وانتهى كل شيئ، كل شيئ انقطع غير أم يعقوب التي ظلت تمني نفسها بعودته وتزوره بين الحين والآخر، يفرح لها وفي النهاية يودعها بقليل من المال ثم يتركها تعود أدراجها إلى الربوع خلف النهر.

في آخر أيام الحياة، كانت أم يعقوب تحمل أضعاف حزن يعقوب عليه السلام تردد خلف كل صلاة "وأعلم من الله ما لا تعلمون" وابيضت عيناها هي الأخرى من الحزن فهي كظيم، وأخيرا التحفت الصمت الأبدي وغادرت قبل أن تكحل عينيها بيوم تحرير يعقوب من سجن الزوجية.

 

شاب يعقوب وشابت الأرملة التي تكبره بعقد ونصف، وشب بناتها وتزوجن، وأخيرا وهن عظم الأرملة ودقت ساعة صفرها، فأوصت بناتها إذا يتخلصن من قنينة كانت تحتفظ بها في غرفتها الخاصة طيلة تلك الأربعين العجاف.

توافد جيران يعقوب ليقدموا له التعزية في سوخنا التي غادرت عن أكثر من ثمانين سنة.

وبعد أيام قليلة من الوفاة نفذت البنات وصية أمهن، وبدأ سحابة ضبابية تنزاح من أمام عيون يعقوب..بدأ يحس بما كان محروما منه.

حزم أمتعته بسرعة وأبلغ البنات بأنه سيذهب إلى أهله في موريتانيا، ودعهن كأنه بناته، وغادر المنطقة، وصل إلى أهله ليفاجأ بأنه يعيش خارج الزمن لا شيئ مما كان يألفه هنالك.

لم يطل أيضا انتظاره فقد مر عليه أسبوع في الحزن والتذكر ولأنه قادم من خارج الزمن ..قرر أن يعود إلى محبسه، وبالفعل عاد إلى القرية، واهن العظم مكسور الخاطر، وعاد إلى الغرفة التي جمعته مع سوخنا طيلة أربعين التيه..