ولد سيدي بادي : الرئيس المختار طلب مني البحث له عن وظيفة بعد الرئاسة

ثلاثاء, 07/10/2018 - 14:55

ضمن مذكراته  تحدث السياسي ورجل الأعمال المشهور بمب ولد سيدي بادي عن طلب الرئيس المختار ولد داداه البحث عن وظيفة له، حيث كان الرئيس الراحل يخطط لمغادرة السلطة والعيش بهدوء في وظيفة تكفل له ظروف حياة بسيطة 

وكتب ولد سيدي بادي في مذكراته:

ففي ليلة 27 نوفمبر 1977 استدعاني الوزير المرحوم عبد الله ولد داداه وهو أخ غير شقيق للرئيس المختار إلى عشاء في بيته، وأعلمني بأن المختار رحمه الله وحرمه سيكونان ضمن المدعوين، مع السيد حابه ولد محمد فال ووالي نواكشوط كان تيجاني.

لن أنسى هنا أيضا التأكيد على أن المختار رحمه الله لم يحضر أي اجتماع خاص بشريحة واحدة، كان يرفض الدعوات التي لا يحضرها زنوج أو التي يحضرها زنوج فقط.

بعد العشاء، قمنا من على المائدة فأخذ الرئيس المختار بيدي، وجلسنا في مقاعد بعيدة نسبيا عن بقية الحضور  فقال لي المختار رحمه الله : البطرون أريدك أن تبحث لي عن عمل معك، كانت ملامحه جادة جدا ولا يبدو عليه أي أثر للمزاح.

قلت له : السيد الرئيس هل أنت جاد ... إن كلامك يفزعني.

قال لي : نعم أنا جاد جدا

فجأة جاء حابه ولد محمد فال وجلس بيننا، وبدأ يمازحنا بنكته الطريفة، ففاتت علي معرفة هدف الرئيس من البحث عن وظيفة 

لقد شعرت طيلة تلك الليلة بالألم لأن المختار لم يفصح لي عما يريد، لكنني شعرت بألم أبلغ وأعمق بعد الإطاحة به، حين عومل بأقصى القسوة وسجن بعيدا في سجون مضنية قاسية.

أعتقد أن المختار رحمه الله لم يكن يتوقع أن يعامله الانقلابيون بهذا المستوى العالي من القسوة، وكان يتصور أنهم سيمحنونه حق المغادرة، ليواصل حياته ببساطة دون الحاجة إلى الخروج من الوطن.

ويعلم الله جل جلاله – وأنا أكتب بحروف تقتات من القلب والمشاعر والألم أكثر من أي حروف أخرى في هذه المذكرات – أنني كنت مستعدا لأن أمنحه ما أراد وما يكفيه دون عوض ودون تكاليف ولكنه كان رجلا بسيطا يبحث عن وظيفة له ولأسرته القليلة، لكن الله شاء غير ذلك ولا معقب لحكمه وإنا لله وإنا إليه راجعون.

في يوم 10 يونيو 1978 قرر العسكر وضع حد لنظام الرئيس المدني جدا النزيه جدا الصبور جدا المختار بن محمدن ولد داداه وبداية نظام جديد لم يملكوا القدر الكافي من التفكير ليجعلوا له ملامح واضحة المعالم، ورؤية مذهبية وسياسية واضحة، كانت الإطاحة بنظام المختار ولد داداه وربما إنهاء الحرب هي المتفق عليه أساسا بين القادة العسكريين.

لقد شعرت يوم الانقلاب بالألم والارتباك والحنق على الذين أسقطوا نظام صديقي المختار ولد داداه ولكن حزني كان أقل مما أتوقعه لو لم أكن قد جمعت تلك المؤشرات التي أسلفت وكنت أتوقع حدوث الكارثة وقد كانت.

يجدر بي أن أتحدث عن بعض مشاهداتي في هذا اليوم، فقد قمت بزيارة منزل صديقي وزير الدولة للاقتصاد  سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وكان مسؤولا عن أربع قطاعات مهمة وهي (التجارة، الشؤون الاقتصادية، المالية، الصيد)، زرت المنزل ووجدت زوجته السيدة خت بنت البخاري تجلس مع أبنائها لا يملكون ثمن طعام غدائهم ذلكم اليوم، ومعالي الوزير معتقل يومها.

كما أن الأبناء لم يجدوا سيارة تقلهم إلى مدرستهم يومها، فجلسوا في البيت، أحسست بالحرج الشديد والأسى لهذا الوضع، لم يكن وضع صديقي الوزير سيدي محمد ووضعية بيته هو ما يقلقني أساسا لكنني قلق لأن موريتانيا فقدت وزراء بهذا الصدق والنزاهة والأمانة.

عدت إلى المنزل وأرسلت هدية مالية مع سيارة من نوع 204  بيجو إلى ربة البيت زوجة صديقي سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

لكن سيدي محمد لم يكن المثال الوحيد في هذه الحكومة، فوزير الدولة للداخلية الرجل القوي أحمد ولد محمد صالح وقد اعتقل يومها أيضا قبل أن تفرض عليه إقامة جبرية في شنقيط، إن أحمد ولد محمد صالح ظل وزيرا طيلة 18 سنة وغادر وهو لا يملك أي سيارة.

ولعلاقتي القوية وصداقتي مع هذا الرجل الشهم الذي لا ينبغي أن يهان، ولأننا مأمورون شرعا أن نعرف لأهل الفضل والقدر مكانهم وأن ننزل الناس منازلهم بادرت بأن أرسلت له سيارة من نوع لاندروفير مع برميل من الوقود وطلبت من سائقها أن يظل مرافقا للوزير السابق أحمد ولد محمد صالح بعد الإفراج عنه.

لقد اعتقل العسكريون الرئيس المختار ولد داداه وتم إبعاده إلى مناطق نائية من موريتانيا، حيث اعتقل في ولاتة في رحلة اعتقال دامت فترة طويلة، قبل أن يتم الإفراج عنه بضغط فرنسي

لكن نهاية نظام الوزراء الفقراء الأمناء، كانت أيضا بداية محطة أخرى بالنسبة لي مع السجن والاستجواب والاضطهاد السياسي وتفليس المؤسسات التجارية ولله الحمد والشكر على كل حال 

 

مؤشرات على الانقلاب

لقد جمعت مؤشرات عديدة على أن البلد يتجه إلى انقلاب عسكري وأن قادة الجيش وفريقا من المدنيين يعملون على الإطاحة بالرئيس المختار ولد داداه ونظام حكمه، وبلغني أيضا أن بعض المسؤولين أسر إلى المختار رحمه الله تعالى بأن كبار قادة الجيش يسعون إلى الإطاحة به.

وأمام تعقد الظروف بات الانقلاب أمرا منتظرا عند الجميع بما فيهم المختار رحمه الله تعالى ولدي شواهد ودلائل على ذلك

وأول هذه المؤشرات أنني في شهر أو اثنين قبل الانقلاب العسكري، حملت السياسي المعروف المرحوم حمود ولد أحمدو في سيارتي إلى منزل شيخنا ولد محمد الأغظف ذات ليلة في منزله منطقة المدائن medina3 ، وبعد وصولي إلى المنزل لاحظت أن قائد الأركان العقيد المصطفى ولد محمد السالك زار المنزل مستقلا سيارة صغيرة من نوع deux chevou، بيضاء، وكان يلبس دراعة من قماش الشكة، ويضع لثاما يغطي وجهه.

وبعد قليل جاء أيضا صديقه الشخصي عبد القادر ولد التراد كمرا  وهو أيضا صديق خاص ومساعد إداري لشيخنا ولد محمد الأغظف في شركته سوسيم، ويبدو أن التراد كان حلقة الوصل بين الطرفين

 لقد أخذ القوم في مجلس عادي يبدو أن وجودي بينهم أدى إلى تعديل جدول أعماله، وبعد الشاي خرجت من المنزل رفقة حمود ولد أحمدو  رحمه الله، وقلت له في الطريق : ثمة شيئ ما تخططون له، قل لي ماذا تنوون، هل من الطبيعي أن تجتمعوا بهذه الطريقة ويأتيكم قائد الأركان في هذه السيارة وفي هذا الزي الغريب.

رد علي حمود : أنت كثير النقاش والبحث في المسائل، دعك مما لا يهم، وأنا لا أعرف

رددت على حمود : قلت له ثمة شيء تخطط له أنت وشيخنا، وإذا كانوا قد استكتموك على شيء فاعلم بأن سرهم قد ضاع فأنت لا تعرف الكتمان كما لا تعرف الكذب.

حاول حمود التملص من الإجابة لكان قال لي في النهاية : إن الرئيس المصطفى قطعا لم يأت في هذا الوقت إلا لأمر، وألمح إلى مسألة الانقلاب ضمنيا.

كان هذا مؤشرا واضحا جدا على نية الانقلابيين، ولم أبلغ عنهم حينها لأن الأمر ليس من مهمتي، لكنني كنت متوجسا على كل حال مما يجري التخطيط له، لكن ثمة مؤشرا آخر بالغ الوضوح أيضا سيؤكد لدي بأن المختار ولد داداه كان على علم بالانقلاب وأنه كان يؤثر الإطاحة به على المواجهة مع الانقلابيين

 

 

أما المؤشر الثالث فقد كان في يوم 28 يناير 1978 أثناء انعقاد دورة المجلس الوطني لحزب الشعب، برئاسة المختار رحمه الله، وقد كنت حينها أجلس مع أحمد ولد أبا ولد أمين  أصيل قرية التاكيلالت بمقاطعة المذرذرة.

وكان أعضاء المجلس الوطني ينتظرون التقرير النهائي لأعمال اللجنة الدائمة للحزب وتضم الوزراء الستة، وكان من أبرز مهامها التعديل الحكومي وبعض التعديلات السياسية الأخرى ولهذا كانت لجنة تعيين وتضم :

عبد الله ولد بيه وهو الأمين الوطني المكلف بالتوجيه – حمدي ولد مكناس وزير الخارجية – أحمد ولد محمد صالح وزير الدولة للسيادة – سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وزير الدولة للاقتصاد – بارو عبد الله وزير النقل، والأمين العام للحزب الأستاذ المختار ولد داداه رحمه الله

بعد ساعات طويلة من الانتظار، خرجت اللجنة وتحدث رئيسها المرحوم الرئيس المختار ولد داداه وخاطب الجماهير بالمثل الحساني " الغائب ما اسول كم اعطى يغير يسول اش جاب " لا يسأل الغائب عن مدة سفره ولكن يسأل عن حصيلة السفر.

وأضاف المختار : لقد ناقشنا كثيرا قضية التعديلات وكنا نسعى إلى إجراء بعض التعديلات في المناصب والهيئات واستبدال بعض المسؤولين بآخرين وتعيين آخرين جدد، لكن ظهر لنا أن نترك الأمور كما هي فإما أن نستمر جميعا أو نغادر جميعا".

طلبت السيدة المعروفة امباركة بنت الشح  الكلام وعلقت بما يفهم منه ضرورة بقاء المختار رحمه الله واستمراره فقال لها ممازحا " لا تفهموني فهم أهل العيون" .

قلت لرفيقي أحمد ولد أبا أمين : ماذا فهمت من كلام الرئيس المختار.

فرد علي : لم أفهم شيئا، لكن ثمة قطعا أمر غير متضح المعالم.

قلت له : أعتقد أنهم يحسون بعمق الأزمة التي يعيشها البلد والنظام على حد سواء، وهم إما على علم بانقلاب عسكري ضدهم أو يعدون لانقلاب يخرجون به من السلطة.

لكن الأكيد عندي بمختلف هذه الشواهد هو علم المختار رحمه الله بالانقلاب العسكري وأنه بات على الأبواب.