ما مصير القوات الغربية في منطقة الساحل بعد انسحاب فرنسا من النيجر؟

اثنين, 11/06/2023 - 07:32

انسحبت القوات الفرنسية من النيجر بعد أسابيع من التوتر الشديد مع الجنود الانقلابيين. وإذ بدا أن القوات الأوروبية ستغادر أيضًا؛ فإن واشنطن وروما تبدوان أكثر استعدادًا للتصالح مع السلطات الجديدة.

 

كانت نهاية المواجهة التي استمرت قرابة شهرين بين فرنسا وقادة الانقلاب في النيجر؛ حيث أعلن إيمانويل ماكرون أخيرًا، الأحد 24 سبتمبر 2023م، عن عودة السفير الفرنسي إلى نيامي، بالإضافة إلى انسحاب القوات الفرنسية الموجودة في البلاد؛ وفقًا لرغبات السلطات الجديدة.

 

ورفض الرئيس الفرنسي في البداية هذا الطلب، معتبرًا أن الرئيس المخلوع محمد بازوم هو الوحيد الذي يحقّ له اتخاذ مثل هذا القرار. ولا يزال الأخير -الذي اعتقله الجيش منذ انقلاب 26 يوليو- يرفض الاستقالة. وأعلن إيمانويل ماكرون، أخيرًا رحيل الجنود الفرنسيين "بحلول نهاية العام".

 

إعادة التموضع القسري لفرنسا:

تنشر فرنسا ما بين 1000 و1500 جندي في النيجر، التي أصبحت، بعد رحيلها من مالي في عام 2022م، الجزء المركزي من نظامها الجديد المناهض للإرهابيين في المنطقة. وتتموضع القوات الفرنسية في ثلاثة مواقع: القاعدة الجوية 101 المخطط لها في نيامي، بالإضافة إلى قاعدتي ولام وأيورو.

 

كانت القوات الفرنسية في النيجر تهدف في السابق إلى توفير الدعم المسلح (النيران عبر ناقلات جوية، في أغلب الأحيان غير مباشرة، لدعم القوات البرية)، وتقديم المعلومات الاستخباراتية للجيش النيجيري، والتي تم جمعها بشكل خاصّ أثناء رحلات المراقبة.

 

لكن منذ الانقلاب، توترت العلاقات إلى حد كبير بين السلطات الجديدة وفرنسا، التي أدانت الانقلاب، ودعت إلى العودة الفورية لمحمد بازوم رئيسًا للبلاد. وسبق أن أكدت مصادر عسكرية في الأسابيع الأخيرة أن تقليص الموارد الفرنسية سيُصبح أمرًا حتميًّا، ولو لأسباب تتعلق بالصيانة فقط، سيتم إيقاف الطائرات المقاتلة والمروحيات والطائرات بدون طيار.

 

وقال إيمانويل ماكرون: “إننا ننهي تعاوننا العسكري مع سلطات الأمر الواقع في النيجر؛ لأنها لم تعد ترغب في مكافحة الإرهاب”، مؤكدًا أن الجنود سيعودون "بطريقة منظمة في الأسابيع والأشهر المقبلة".

 

بعد انسحاب قوات برخان من مالي والقوات الخاصة الفرنسية المتمركزة في بوركينا فاسو، فإن الانسحاب من النيجر يستبعد فعليًّا الجنود الفرنسيين من منطقة "الحدود الثلاثية"، مركز نشاط الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة، في منطقة الساحل.

 

من جهته أشار صديق أبا، الباحث والكاتب ورئيس مركز المعهد الدولي للأبحاث والدراسات والتأملات حول منطقة الساحل (CIRES) إلى “أن العمل العسكري الفرنسي في هذه المنطقة مُعرَّض للخطر. وتظل فرنسا حاضرة في تشاد، التي تقع على الحدود مع النيجر، ولكنَّ عاصمتها تقع على بُعْد أكثر من ساعتين بالطائرة من نيامي”؛ على حد تعبيره.

 

ومن ناحية أخرى، تظل فرنسا قادرة على مواصلة عمليات المساعدة والتدريب للدول الإفريقية التي ترغب في ذلك، لا سيما في خليج غينيا، مع دول مثل بنين وتوغو وكوت ديفوار، وفقًا للهدف الذي حدَّده إيمانويل ماكرون.

 

وبالإضافة إلى نفوذها في نجامينا، لا تزال فرنسا تمتلك ثلاث قواعد حول هذه المنطقة؛ اثنتان في غرب إفريقيا؛ الأولى في داكار بالسنغال، والأخرى في أبيدجان في كوت ديفوار، بالإضافة إلى قاعدة ليبرفيل في الجابون، في وسط البلاد.

 

وفي فبراير الماضي، قدم الرئيس الفرنسي نموذجًا جديدًا للشراكة العسكرية مع إفريقيا، ركَّز على الإدارة المشتركة للقواعد الفرنسية، وزيادة عروض التدريب.

واشنطن تحافظ على الحوار:

 

ورغم أن العلاقة العسكرية بين فرنسا والانقلابيين في النيجر منقطعة في الوقت الراهن؛ إلا أن عدم اليقين يسود بشأن مستقبل الوحدات الأجنبية الأخرى، الأمريكية والأوروبية، الموجودة هناك.

 

ويبدو أن واشنطن، التي لديها نحو 1100 جندي مقسمين بين القاعدة الجوية 101 في نيامي و201 في أغاديز، قد تبنَّت موقفًا أكثر تصالحية، بينما دعت إلى عودة النظام الدستوري. وتجنَّبت وصف الوضع بأنه انقلاب؛ لأن هذا الوصف من شأنه أن يجعل شراكتها مع النيجر غير قانونية في الواقع.

 

وأعربت الولايات المتحدة عن دعمها الخجول لإمكانية التدخل العسكري الإقليمي من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لإعادة محمد بازوم إلى السلطة، بالإضافة إلى عملها الدؤوب عبر الطريق الدبلوماسي؛ لأن واشنطن ليست مستعدة لمغادرة النيجر؛ حيث تضم مدينة أغاديز المركز الرئيسي للاستخبارات والمراقبة الأمريكية في المنطقة، ويوجد بها القاعدة 201 التي تحتوي على طائرات حربية بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper، تُستخدم في القتال ضد الجماعات المسلحة. كما أن الولايات المتحدة تقوم بتمويل النيجر بمبلغ يقدر بأكثر من 100 مليون دولار سنويًّا.

 

وفي مطلع أغسطس 2023م أرسلت واشنطن مبعوثتها فيكتوريا نولاند إلى الجيش الانقلابي على أمل التفاوض على مخرج من الأزمة، لكن دون جدوى. واعترفت بعد ذلك بالمناقشات “الصعبة للغاية” مع السلطات الجديدة، معربةً عن أملها في أن تستمر في ذلك؛ فالباب مفتوح للدبلوماسية. وقالت: "في الوقت الراهن ليس هناك شكّ من جانب واشنطن أو نيامي بشأن احتمال رحيل القوات الأمريكية".

 

"قادة الجيش في نيامي استغلوا الرفض الفرنسي في المنطقة. وهذا لا يعني أنهم يطالبون برحيل كافة القوات الأجنبية"، كما يحلل صديق أبا "من جانبهم، ليس للأمريكيين نفس موقف فرنسا فيما يتعلق بمسألة الانقلاب. إنهم يخشون من أنه من خلال محاصرة المجلس العسكري، فإنه سيقع في حظيرة الروس عبر فاغنر، وهذا بالنسبة لهم متساوٍ"، مضيفًا أنها "قضية أكثر أهمية من العودة إلى النظام الدستوري. ولهذا السبب واصلوا المناقشات مع المجلس العسكري".

 

في 7 سبتمبر 2023م، أعلنت وزارة الدفاع إعادة تموضع قواتها ومقرها في نيامي على قاعدتها في أغاديز. وتم تحديد إجراء "احترازي بسيط"؛ مما يشير إلى أن النظام ظل دون تغيير.

أوروبا تواجه مخاوف الهجرة:

 

بالإضافة إلى قوات من فرنسا والولايات المتحدة؛ تستضيف النيجر بعثة التعاون العسكري التابعة للاتحاد الأوروبي (EUMPM Niger)، المخصصة لمحاربة الجماعات الإرهابية المسلحة.

 

وأعلنت ألمانيا في بداية العام إرسال 60 جنديًّا كجزء من هذه الوحدة الجديدة، التي تم نشرها بعد انسحاب قوة تاكوبا الأوروبية من مالي، والمخصَّصة لتدريب القوات المسلحة النيجرية. لكنَّ رحيل القوات الفرنسية قد يُغيّر ذلك الوضع مستقبلاً.

 

وفي 20 سبتمبر 2023م، أشار وزير الدفاع بوريس بيستوريوس إلى أن برلين ستفكر في سحب قواتها إذا اضطرت فرنسا إلى المغادرة. وهو سيناريو أكثر ترجيحًا كما حدث في بروكسل معلقةً في نهاية يوليو تعاونها المالي والأمني ​​مع البلاد.

 

ولكن بالإضافة إلى مسألة الحرب ضد الإرهاب؛ فإن انقطاع الشراكة العسكرية مع النيجر يفرض مشكلة أخرى بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد على نيامي لوقف موجات الهجرة نحو أوروبا. وهذا أحد أهداف البعثة المدنية التي نشرها الاتحاد الأوروبي منذ عام 2012م (EUCAP) في ساحل النيجر؛ من أجل تعزيز الأمن الداخلي للبلاد، التي يُنظَر إليها على أنها طريق استراتيجي للهجرة غير الشرعية إلى ليبيا. وتنشط إيطاليا بشكل كبير في هذه القضية، ولديها حاليًّا حوالي 250 جنديًّا في النيجر، منتشرين منذ عام 2018م كجزء من مهمّتها الأمنية.

 

وفقًا لصديق باه "تقوم البعثة الإيطالية بتدريب وحدات متنقلة لمكافحة الإرهاب، وكذلك رجال الدرك وأفراد الحرس الوطني، لا سيما في مجال الكشف عن جوازات السفر ووثائق السفر المزورة"؛ على حد قوله.

 

ويبدو أن إيطاليا، شأنها شأن الولايات المتحدة، تلعب بورقة الحذر في التعامل مع السلطات الجديدة في النيجر. ومنذ الانقلاب، حذرت روما -التي عارضت بشكل قاطع إمكانية التدخل الغربي لاستعادة النظام الدستوري- مرارًا وتكرارًا من أيّ عمل من شأنه أن يساهم في زعزعة استقرار البلاد.