الانقلابات العسكرية في إفريقيا.. كيف يمكن معالجة أسبابها الجذرية؟

أربعاء, 11/01/2023 - 09:45

العقوبات التي يتم اتخاذها حيال الانقلابات غير كافية، ويتعين على الاتحاد الإفريقي والدول الإفريقية معالجة أسبابها الجذرية، بما في ذلك تزوير الانتخابات.

 

وفي الفترة من يناير 2020م إلى أغسطس 2023م نجحت تسع انقلابات من بين 14 محاولة انقلاب. وآخر هذه الأحداث هي الانقلابات العسكرية في النيجر (في يوليو)، والجابون (في أغسطس).

 

20% من البلدان الإفريقية كانت ضحية الانقلابات منذ 2013م، وقد حدثت معظم الانقلابات الأخيرة في غرب إفريقيا، وخاصة في البلدان الناطقة بالفرنسية. وقد شعرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) بالانزعاج، وسرعان ما عقدت قمتين حول هذه القضية في فبراير 2022م ويوليو 2023م.

 

وكما حدث في مالي؛ فرضت الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عقوبات على النيجر، وهددت بالتدخل العسكري لإطاحة الانقلابيين حال عدم إعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم إلى سُدّة الحكم. وكما هو الحال مع مالي، من بين بلدان أخرى، تُظهر التجربة أن العقوبات وحدها لا تكفي لتثبيط الانقلابات في السلطة؛ لذا فمن الضروري معالجة الأسباب الجذرية.

 

إن الانقلابات في إفريقيا ليست أحداثًا منعزلة؛ نظرًا لتعدد الأسباب، ويمكن أن تنشأ من عوامل خارجية وداخلية؛ منها الاستعمار الجديد أحد العوامل الخارجية؛ فبعض الدول خارج القارة، وخاصة خلال الحرب الباردة، قامت بخطوات خلف الكواليس للإطاحة بالقادة التي تعتبرهم تهديدًا لمصالحها. كما أن الاعتماد الكبير للعديد من البلدان الإفريقية على المساعدات الخارجية، العسكرية أو الاقتصادية، يسهل مناورات القوى الأجنبية التي تستخدم وسائل مختلفة، بما في ذلك الانقلابات، للتخلُّص من القادة الذين يعارضون أهداف تلك القوى.

 

نُدرة القادة الذين يمنحون الأولوية للتنمية في إفريقيا:

إن العوامل الداخلية مثل سوء الإدارة والفساد المستشري والمحسوبية والعشائرية هي بعض الأسباب التي طرحها مدبرو الانقلاب مؤخرًا لتبرير الإطاحة بالحكومات المدنية المنتخبة ورفاقها. يمكننا أيضًا أن نذكر عوامل أخرى مثل احتكار النخب والمجموعات العرقية للدخل والثروة، وتغيير الدساتير وانعدام الأمن (في منطقة الساحل).

 

إن عجز الاتحاد الإفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية، مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس)، عن اتخاذ تدابير صارمة ضد نظرائهم بتهمة تزوير الانتخابات واتخاذ موقف حازم عندما يتطلب الوضع ذلك، يخلق أيضًا أرضًا خصبة للانقلابات. وعلى الرغم من ثلاثة طعون قانونية تطعن في انتخاب الرئيس النيجيري بولا تينوبو، سارعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى الاعتراف بالأخير رئيسًا في يوليو الماضي، قبل وقت طويل من قرار المحكمة المسؤولة عن الانتخابات الرئاسية في نيجيريا، وحتى قبل إلغاء المحكمة المعنية طعن المعارضة على النتائج.

 

إن القادة الذين يركزون على التنمية بدلاً من الإثراء الشخصي نادرون في إفريقيا؛ وعلى الرغم من أن القارة تنعم بموارد طبيعية وفيرة وقيّمة؛ لكنها تضم ​​حوالي 60% من فقراء العالم. إن الافتقار إلى البنية التحتية، وعدم كفاية الخدمات العامة، والبطالة المستوطنة، من بين أمور أخرى، هي الواقع اليومي للعديد من البلدان الإفريقية.

 

لا تفيد الأنظمة السياسية عمومًا سوى النخبة الحاكمة، التي تنهب الموارد العامة ولا تتعاطف كثيرًا مع السكان الذين يواجهون صعوبات اقتصادية. بسبب الإحباط من العيش في فقر مع عدم وجود آفاق للتحسن، يخاطر العديد من الشباب الأفارقة بحياتهم يوميًّا لعبور البحر الأبيض المتوسط؛ ​​بحثًا عن فرص العمل والحياة الجيدة. إن الفجوة الواسعة بين القادة السياسيين والسكان الذين يعيشون في أوضاع صعبة تخلق الظروف الملائمة لانقلابات عسكرية أو تمردات مسلحة.

 

فشل الاتحاد الإفريقي والمجموعات الإقليمية في فرض عقوبات على أقرانهم بسبب تزوير الانتخابات:

بمقدور المواطنين طرد الزعماء غير الأكفاء من خلال صناديق الاقتراع، ولكن الديمقراطية في العديد من البلدان الإفريقية تشوبها المخالفات. وكثيرًا ما “يتلاعب” القادة بالدساتير ويلجئون إلى عمليات تزوير انتخابية واسعة النطاق للبقاء في السلطة، دون أيّ عقوبات من نظرائهم على المستوى الإقليمي أو القاري أو الدولي.

 

وهكذا ظل البعض في السلطة لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن، دون تحقيق نتائج تُذكر على صعيد التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وحتى في البلدان التي يبدو أن الديمقراطية الانتخابية تعمل بشكل جيد فيها؛ فإن القادة المنتخبين الجدد غالبًا ما يفشلون في الوفاء بوعودهم بتحسين رفاهية المواطنين.

 

وكان عجز الحكومات الإفريقية المنتخبة عن تنمية بلدانها سببًا في خلق حالة من الاستياء من الديمقراطية. تفيد الاستطلاعات التي أجراها Afrobarometer (أفرو بارومتر) في 30 دولة إفريقية أن نسبة المواطنين الراضين عن سير الديمقراطية في بلادهم انخفضت من 50% إلى 43% بين عامي 2011 و2021م.

 

ولهذا السبب، حظيت الانقلابات الأخيرة في إفريقيا، وخاصة في بلدان غرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية، بدعم هائل من السكان. فهم يعتبرون قادتهم دمى تخدم مصالح القوة الاستعمارية السابقة؛ فرنسا، بدلًا من تنفيذ السياسات والإصلاحات التي من شأنها تحسين ظروفهم المعيشية.

 

صعوبة تخلّص المواطنين الأفارقة من قادتهم غير الأكفاء عبر صناديق الاقتراع:

هناك أدلة على استعداد المواطنين لمقاومة الانقلابات العسكرية عندما يعتقدون أن قادتهم يستجيبون لاحتياجاتهم. وفي عام 2016م، كانت تركيا مسرحًا لمحاولة الانقلاب الأكثر دموية في تاريخها السياسي. مع دعم أحد العناصر على الصعيد الخارجي، حاول جزء من الجيش التركي الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان. ومع انتشار الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي، اجتمع آلاف المواطنين لمقاومة نيران الدبابات والقصف الجوي، وبدعم الجنود الموالين، تمكنوا من إنهاء محاولة الانقلاب.

 

إنَّ أيّ حلول لوقف تصاعد عمليات الانقلاب العسكري في إفريقيا لا بد أن تعالج جذور المشكلة. ويجب على الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية التحقيق بعناية ومعالجة الأسباب الكامنة وراء ذلك.

 

ويتعين عليهم التصدّي بفعالية لتزوير الانتخابات و"الانقلابات الدستورية" التي تعمل على تمديد فترات الرئاسة. وينبغي أن تركز الاجتماعات على تحسين الحكم والنمو الشامل والتنمية، بدلًا من تعزيز الحكم السيئ أثناء انتظار حدوث الانقلاب، ثم إدانته وفرض العقوبات التي تؤدي إلى تفاقم تداعياتها بشكل أكثر للسكان من المجالس العسكرية. ومن غير المرجّح أن يتسامح الشباب الأفارقة مع أيّ شكل من أشكال الاستعمار الجديد. لذا، يتعين على الزعماء إقناع شعوبهم كيف أن التعاون مع الغرب وغيره من أصحاب المصلحة يعود بالنفع على الطرفين.

 

إن الانقلابات العسكرية لا تعزّز الحكم الرشيد والديمقراطية والتنمية في إفريقيا. وقليل من الحقائق تكفي لإثبات أن الاستيلاء على السلطة يستجيب لرغبات المواطنين الحقيقية، لا سيما أن مدبِّري الانقلاب يفشلون عمومًا في إصلاح الضرر الذي برَّر أفعالهم، وينتهي الأمر إلى الإطاحة بهم من السلطة من خلال تدخل عسكري آخر، كما حدث في بوركينا فاسو في عام 2022م.

 

وإلى أن يستجيب الزعماء الأفارقة لصرخة شعوبهم، فسوف يكون هناك المزيد من الانقلابات العسكرية التي يدعمها مواطنون يائسون يبحثون عن زعماء ذوي عقلية تنموية يحققون تطلعاتهم.

----

بقلم: كواسي ييبوا - ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو