لماذا تستمر النزاعات على سواحل غرب إفريقيا؟

اثنين, 05/22/2023 - 09:35

تظل مياه البلدان الساحلية في غرب إفريقيا منطقة نزاع بين الصيادين التقليديين ونظرائهم الصناعيين في السنوات الأخيرة. ولكن هل من الممكن خلق بيئة ملائمة يتعايش فيها الصيد الصناعي والصيد الحرفي؟ إذا كانت الإجابة "نعم"؛ فكيف يتم ذلك؟

 

يمكن ملاحظة الصيادين يوميًّا، الذين يتَحدّون الأمواج بزوارقهم؛ بحثًا عن الأسماك التي تندر بشكل متزايد، على شواطئ "يوف" في السنغال، أو "جيبسيا" في غينيا، أو "روسو" في موريتانيا. غير أن الصيادين المعنيين يشيرون إلى أن ذلك يرجع بشكل أساسي إلى الممارسات السيئة مِن قِبَل سفن الصيد الصناعية؛ "لأن هذه المناطق غزيرة الأسماك بامتياز؛ والظروف المناخية تجذب سفن الصيد الصناعية إليها أكثر من غيرها"؛ على حد تعبير الدكتور أليو باه، مدير حملة المحيطات في غرين بيس أفريكا.

 

فيما أشار موسى أمبينغي، الأمين التنفيذي لجمعية غرب إفريقيا لتنمية صيد الأسماك الحرفية، إلى أن "سفن الصيد الصناعية تتسبب في إلحاق أضرار جسيمة بالصيادين الحرفيين؛ فضلاً عن دخول القوارب، في بعض الأحيان، في منطقة الستة أميال، وذلك قد يؤدي إلى خلق تداعيات مأساوية تتراوح بين تدمير شباك الصيد والقوارب، وحتى التسبب في حوادث بعضها قاتل؛ حيث "هناك وجود متزايد لسفن الصيد الصناعية العاملة في غرب إفريقيا على أساس اتفاقيات صيد الأسماك مع الاتحاد الأوروبي".

 

وعطفًا على ذلك يتعين الإضافة إلى هذه القائمة السفن التي تستفيد من تراخيص التأجير من الدول، والأكثر إثارة للقلق، سفن القراصنة التي تنشط في اختلاس الثروات السمكية وتفلت من مراقبة الدول؛ فضلاً عن أن الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي تسمح للسفن الأوروبية بالصيد قبالة سواحل الدول الإفريقية الموقّعة على الاتفاقيات.

 

ويخلص أمبينغي إلى أن "ذلك يبرز الصعوبات التي يعاني منها الصيادون الحرفيون للحصول على الأسماك، بالإضافة إلى تأثيرها السلبي على ربحية أنشطتهم، ومساهمة ذلك في إبقائهم في الفقر"؛ على حد قوله. ولكن ما هو الحل طويل الأمد الذي يمكننا تصوّره حتى يتعايش الصيد الحرفي والصيد الصناعي بطريقة عادلة؟

 

التعليق المؤقت لصادرات الأسماك في غينيا:

تواجه غينيا وساحلها البحري البالغ طوله 300 كيلو متر منافسة قوية بين الصيد التقليدي والصيد الصناعي. وقد كشفت دراسة أجراها الفرع الغيني للبرنامج الإقليمي لصيد الأسماك في غرب إفريقيا، -باختصار "براو غينيا" بتمويل من البنك الدولي-، أن المياه البحرية الغينية غنية بشكل خاص بالموارد السمكية.

 

وقد حددت الدراسة المعنية 234 موقع رسو تقع في 6 محافظات على الساحل البحري الغيني لـ7538 قاربًا محددًا ومسجلًا. ولكن على مدى السنوات العشر الماضية، تعثر الصيد الحرفي لصالح الصيد الصناعي الذي تمارسه سفن الصيد الأجنبية.

 

كما نشرت السلطات الغينية الخطة الوطنية التي يتم وضعها سنويًّا حول صيد الأسماك علمًا بأن الوثيقة المخططة من وزارة الثروة السمكية تحدد ملامح الاستغلال الحكيم والمجدي لموارد صيد السمك لصالح الطبقات العاملة في غينيا. وفي إطار ذلك تم اتخاذ إجراء من الحكومة الغينية، في 27 مارس، يحظر بموجبه تصدير الأسماك بجميع أشكالها حتى 22 أبريل 2023م. وهو قرار يهدف -بحسب البيان الصحفي الصادر عن وزارة الثروة السمكية والاقتصاد البحري- إلى تخفيف الضغوط عن الأُسَر وتوفير الأسماك بكميات كافية خلال شهر رمضان.

 

الإدارة المستدامة للموارد:

يُظهر الحظر المؤقت على صادرات الأسماك الذي قررته الحكومة الغينية مؤخرًا أن الحكومات يمكن أن تلعب دورًا مهمًّا في تنظيم الصيد في مياهها الإقليمية. ومن الضروري أيضًا تعزيز اتفاقيات الصيد مع الاتحاد الأوروبي؛ بحيث تكون أكثر عدلاً، وتراعي بشكل أفضل احتياجات صغار الصيادين، ومن هنا تأتي أهمية مشاركتهم في الإدارة المستدامة للموارد.

 

كما تُعدّ مشاركة صغار الصيادين في الإدارة المستدامة للموارد أحد التدابير التي يمكن أن تساعد في التخفيف من حدة النزاعات. ومن هذا المنطلق، تقوم جمعية غرب إفريقيا لتنمية المصايد الحرفية بتدريب أعضائها في هيئات الإدارة المشتركة "لتمكينهم من تحسين معرفتهم بالنظم البيئية البحرية والساحلية والإدارة المشتركة"، وفقًا لأمينها العام موسى أمبينجي. كما تؤكد الجمعية أنها توفر زوارق دورية مجهزة للجان المراقبة لمساعدتها على أداء مهمتها بشكل أفضل.

 

صناعة FMFO تهديد آخر:

وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) فإن الأنواع السمكية الرئيسية المستخدمة في صناعة مسحوق السمك وزيت السمك (FMFO) في غرب إفريقيا -السردينيلا والبونجا- تتعرض بالفعل للاستغلال المفرط، مما يشكّل "تهديدًا خطيرًا للأغذية والأمن الغذائي في المنطقة الفرعية".

 

في الواقع، وفقًا لتقرير صادر عنChangingmarkets.org ، تعتبر سواحل غرب إفريقيا كل عام مسرحًا لاستخراج أكثر من 500000 طن من الأسماك، وهو مورد يمكن أن يطعم أكثر من 33 مليون شخص في المنطقة. ولسوء الحظ، يتم تحويل جميع هذه الأسماك تقريبًا إلى مسحوق السمك وزيت السمك لتغذية الأسماك وتربية الماشية أو إنتاج مستحضرات التجميل والمكمّلات الغذائية ومنتجات الحيوانات الأليفة في أوروبا وآسيا.

 

ويرى الدكتور أليو باه، من منظمة جرين بيس أفريكا، ضرورة "إقصاء صناعات FMFO عن بيئة غرب إفريقيا؛ لعدم خدمتها للدول أو المجتمعات"، وخاصة في سياق ندرة الموارد بسبب الاستغلال المفرط، علمًا بأن ضمان الاستخدام المستدام لموارد الثروة السمكية أمر ضروريّ لحماية مستقبل مصايد الأسماك في غرب إفريقيا.

 

بالإضافة إلى تأثيره الاقتصادي؛ فإن صيد السمك يمثل بُعدًا اجتماعيًّا وثقافيًّا قويًّا في ممارسته الحرفية بين سكان المناطق الساحلية. وعليه فإن التعايش بين الصيد الحرفي والصناعي في غرب إفريقيا يُعدّ قضية حاسمة لحماية موارد مصايد الأسماك والحفاظ على سُبُل عيش الصيادين.

 

وأخيرًا يتعين اتخاذ تدابير لتنظيم الصيد الحرفي، والحد من وصول سفن الصيد الصناعية إلى الموارد، كما أن تعزيز قدرات التحكم في الدول الساحلية أمر حاسم أيضًا لمكافحة الصيد غير المشروع وغير المنظم.