الغاز الموريتاني...حجم الثروة وتأثيرها المتوقع في الاقتصاد الوطني (حقائق وأرقام)

جمعة, 10/07/2022 - 10:56

تنوع وتعدد مصادر الثروة الوطنية، وتمتع البلاد بمقدرات هائلة من الثروات المتجددة، تزداد قيمتها وأهميتها بفعل عوامل مهمة منها:

السياسة الاقتصادية الجديدة التي تسعى لتطوير وتثمين القطاعات الإنتاجية المتعددة.

المتغيرات العالمية التي تفرض دون أي هامش للمناورة على كل بلد أن يحقق اكتفائه الذاتي من الغذاء على الأقل، وأن تكون سلة غذائه من منتوج أرضه، دون استمرار اللجوء إلى ما وراء الحدود، حيث أثبتت  المتغيرات الأخيرة التي جاءت بها جائحة كورونا والحرب الأوكرانية أن الاقتصاديات العالمية تحولت من فكرة التمدد والاستحواذ والسيطرة إلى ضرورة الصمود، وعادت الدولة المحلية والحاجيات الخاصة لتتغلب على فكرة التبادل والتصدير، لأن حالة من الجوع قد هددت العالم بأسره.

الآفاق الاقتصادية الكبيرة التي يمثلها ثروة الغاز، والتي تمثل بالنسبة لموريتانيا تحولا اقتصاديا هائلا، ورهانا اقتصاديا للشعب الموريتاني بشكل عام، وينبغي بالفعل أن تواكبه حكامة تسيرية وتطوير اقتصادي باهر، حتى نتمكن من الاستفادة من هذه الثروة التي من الله بها عليها، ونحن في أمس الحاجة إليها.

وسيتمحور حديثي في هذه الندوة على محور هذه الثروة، وذلك من خلال شقين

تقديم سريع عن معطيات الثروة الغازية في البلاد.

والشق الثاني عن نمط الحكامة والتسيير النوعي الذي أرى أنه الأنسب لإدارة هذه الثروة والاستفادة منها.

 

 

وبالنسبة للشق الأول ينبغي أن نقول إن ما يعرف ب liquefied natural gas أو LNG يمثل بالنسبة للعالم كله وليس موريتانيا فقط رهانا اقتصاديا بالغ الأهمية، وكما تعرفون فإن تجارة الغاز المسال تمر عبر مسارين

مسار العقود الآجلة أو المدى الطويلة: وقد ارتفع سعر الوحدة الحرارية  خلال هذا الفصل الثاني والثالث من السنة الحالية من 7 دولارات في السنة المنصرمة إلى 16 دولار هذه السنة، أما العقود السريعة المباشرة فقد ارتفعت إلى 32.5 دولار، وهو ما يعني أن أمام موريتانيا فرصا تسويقية هائلة جدا، مع اقتراب آجال التصدير والتي يمكن أن تبدأ في غضون ستة أشهر إلى سنة، وهو أجل قريب دون شك.

يدفعنا هذا المدخل إلى الحديث عن حقول الغاز الوطنية، ومن أهمها:

حقل آحميم: التي يعتبر من أكبر حقول الغاز المكتشفة في إفريقيا بشكل عام.

حجم الاستثمار في هذا الحقل عال جدا، فقد بلغ حوالي 3 مليارات دولار.

يمتاز هذا الحقل بموقع استيراتيجي  يسهل عملية الاستخراج والتصدير حيث لا يبتعد أكثر من 65 كلم عن الشاطئ

يمتاز هذا الحقل بطاقة تقديرية تناهز 4000 مليار متر مكعب من الغاز، وهو  طاقة هائلة.

يقدر مداخيل هذا الحقل بما يناهز 120 مليار دولار خلال 20 سنة.

 

ويمتاز هذا الحقل بمسار من ثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى: التي وصل تقدم الأعمال فيها في شهر يونيو المنصرم، إلى نسبة 80% من الأشغال ومن بينها حفر 12 بئر في عمق 2700 متر تحت الماء.

إنشاء المنصة العائمة المتكاملة ووضع كل الآليات المناسبة لاستخراج وتخزين الغاز، ونقله مباشرة إلى سفن المخصصة، ودون شك فإن الوصول إلى هذه العملية لم يكن سهلا، واحتاج كثيرا من الاحتياط والعمل الدؤوب، وبلادنا الآن في المرحلة الأخيرة لما قبل التصدير.

يتوقع أن تمكن هذه المنصة العائمة من تصدير ما يقارب 2.5-3 مليون طن من الغاز الطبيعي سنويا.

وتنتهي هذه المرحلة تقريبا في حدود 2026، لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية ثم الثالثة.

تمثل المرحلة الثالثة: تطورا بالغ الأهمية في مسار تصدير الغاز الموريتاني، وذلك عبر نقل الغاز من الوحدة العائمة إلى الشاطئ، وستبدأ بناء المنشآت اللازمة لذلك، سواء محطات التخزين أو التكرير، وطبعا ستحتاج هذه المرحلة إلى استثمارات هائلة كبيرة، كما ستوفر آلاف فرص العمل، وتظهر كل المؤشرات والدراسات أن الأعمال في هذه المرحلة ستبدأ في آجالها المحددة إذا لم يتم تعجيلها عنها.

وطبعا فإن شركة BP، أقامت قبل فترة اتفاقا مع الشركة الألمانية المتخصصة في الهندسة وفي إقامة منشآت التخزين الغازية، وقد تم توقيع الاتفاق بين الطرفين.

وكمعلومة مهمة بودي أن أذكر أن وسائل التخزين تتطلب حالة ضغط هائلة، في ظروف تخزين تحت 160 درجة تحت الصفر، وفنيا يمكن ضغط 600  كلغ من احتلالها للمساحة الكافية لنقل 1 كلغ، مع الحفاظ على نفس الوحدات الحرارية، وهو ما يسهل نقل أكبر كمية ممكنة من هذه الثروة المسالة.

 

هنا أنتقل إذا إلى العائدات المتوقعة، وطبعا ضمن هذا الفقرة ينبغي أن نتحدث عن الحكامة التسييرية المناسبة،

هنا ينبغي أن نقول أن مداخيل الغاز تنقسم إلى قسمين: مداخيل مباشرة وأخرى غير مباشرة، سنلاحظ مثلا أن نسبة 10% المخصصة للشركة الوطنية للمحروقات ضمن اتفاقها مع شركتي كوسموس وbp، فإن هذه النسبة ستوفر لموريتانيا في السنوات الثلاث ما يناهز 15-19 مليار دولار، وهي زيادة هائلة في الميزانية العامة للدولة، وتقارب ما يناهز 0.7 مليار دولار سنويا، وما يمثل زيادة ما بين 21-26 % في الميزانية مقارنة مع ميزانية 2022، أضف إلى ذلك ضرائب الشركات التي ستدفعها الشركات.

إذا هنا ينبغي الحديث عن الحكامة التسييرية، وطبعا أقترح هنا العمل بشكل متسارع على:

تطوير القطاعات الإنتاجية البديلة: وذلك من أجل بناء اقتصاد نوعي، وإقامة بنى تحتية نوعية، مثل الطرق والسكك الحديدية، وفك العزلة، مما سيظهر بقوة وجلاء أثر الثروة الغازية على الأرض وفي حياة المواطن وفي تقدم الدولة

إقامة صندوق وطني للاستثمار الاستيراتيجي: وتنمية القطاعات الإنتاجية مثل الصيد والزراعة، وذلك من أجل التوازن الاقتصادي، ويمكن من تحقيق الرفاهية التنموية دون أن نستزف الثروة الغازية

 

أما في المداخيل غير المباشرة: فدون شك لا يمكن أن نغفل الطلب الذي وجهته الدولة الموريتانية إلى الشركات المستثمرة بفتح الشراكة والحوار مع القطاع الخاص الموريتاني من أجل ترقية قدرته في المجال الطاقوي، وتوفير الحد الأقصى من العمالة الوطنية، وطبعا فإن الاستفادة المحلية ما زالت دون المطلوب، وطنيا وإفريقيا حيث لا تتجاوز درجة الخبرة الفنية ونقل التجربة حوالي 20% في أهم الدول الإفريقية، فيما تصل هذه النسبة مثلا في البرازيل وماليزيا إلى 70%، وذلك نظرا لضعف الخبرة ونقص التجربة والتكوين في متطلبات الأمن الطاقوي، وهذه التطوير والتأطير هو البديل الوحيد عن استجلاب العمالة الخارجية وإغراق السوق المحلية بها.

 

من المداخيل غير المباشرة، فإن حركة السفن بين الميناء والمنصة العائمة سيضفي مصادر مالية كبيرة لميناء نواكشوط، حيث تتوقع المصادر الرسمية ارتفاع مداخيل الميناء إلى ما بين 35-40 مليون دولار سنويا.

ووفق نشرية أخيرة صدرت عن وزارة الطاقة، فقد تم توظيف 120 موريتانيا من بينهم 40 فنيا.

إن مواكبة هذا التطور لا يمكن أن يتم أو يحصل دون التطوير الهائل والمتسارع في قطاع التكوين المهني في كل المهن والتخصصات التي يحتاجها قطاع الغاز والنفط، وسيوفر آلاف الفرص العاملة النوعية وفي ظرف وجيز، ويحقق فرصا تشغيلية هائلة للشباب الموريتاني، ودون شك علينا أن نشيد بإنشاء مركز التكوين المهني بالشراكة بين الشركة البريطانية PB ووزارة التكوين المهني، لكن ينبغي توسيع وتعميق هذا المعهد.

وضمن الاتفاق المبرم بين BP، فقد أطلق برنامج لمتابعة المؤسسات الوطنية في مجال النفط والغاز، مما يمكن هذه المؤسسات من المهارات والخبرات اللازمة، وقد بدأت منذ فترة منتديات نقاشية تنظمها هذه الشركة مع قرابة 55 مؤسسة وطنية وبشكل دوري حيث تقدم الشركة البريطانية عروضا عن عملها ونوعيته والفرص والحاجيات التي يتطلبها عملها.

 

كان هذا بشكل عام عرضا عن حقل آحميم الذي سيكون باكورة الإنتاج الموريتاني للغاز، ومع ذلك هنالك أيضا بئران مهمان هما باندا، وبير الله، وبالنسبة للأولى فإن باندا وإن كانت غير كافية للتصدير، فإنه يمكن من تحقيق مورد مهم وهو استخدام الغاز من أجل الطاقة، وهو ما يمكن أن يحقق قدرة إنتاجية نوعية ترفع من قدرات قطاع الكهرباء في البلاد، وهو ما يضفي قدرة إنتاجية مضاعفة في مجالات وقطاعات مختلفة، أو بعبارة فنية يمكن هذا الحقل من تشغيل محطة كهربائية بسعة 350 ميكاوات، ولمدة عشرين سنة والآن هنالك تفاهم بين وزارة الطاقة والشركة الأمريكية (..) مما يمكنها من بناء محطة كهربائية بسعة 150 ميغوات، لتعزز محطة مارتسيلا الحالية التي بسعة 180 ميغوات، وهو ما سيمكن البلاد من إقامة محطتين كبيرين بسعة تتجاوز 300 ميغوات، وهو ما سيحقق اكتفاء ذاتيا في الطاقة، وسيمكن من تصدير الطاقة إلى دول الجوار، وهو ما سيضفي موردا اقتصاديا مهما.

أما بالنسبة لحقل بير الله فإن ميزته الأساسية أنه مورد موريتاني صرف وليس فيه شراكة مع أي دولة أو جهة أخرى، وقد أدت حرب أوكرانيا إلى تسريع العمل في هذا الحقل الذي يملك طاقة تقديرية بحوالي 13 ألف مليار طن من الغاز.

 

وأختم هذه الورقة بالتوصيات الآتية.

الحكامة النوعية والفعالة لإدارة ملف الغاز.

مواكبة الاهتمام الكبير الذي يوليه رئيس الجمهورية لهذا القطاع من خلال استيراتيجية نهوض طاقوي متمكن.

العمل الفعال على تحقيق النهضة العمرانية من خلال موارد الغاز

الاستثمار الفعال في الإنسان والموارد البشرية بما يضمن التحولات المطلوبة، ويمكن من تكوين أجيال من المهندسين والتقنيين واليد العاملة الأمينة على ثروة وطنها.

تطوير القطاعات الإنتاجية الكبرى  بما يضمن توازنا اقتصاديا نوعيا فعالا

مواكبة آفاق الغاز بوعي فكري وسياسي يعلي من روح العمل والإنتاجية، ويحارب الاتكالية والبذخ والفساد، حتى لا تتحول الثروة إلى ميدان لتعميق الشروخ أو إضافة تشققات إلى جسمنا الوطني الذي استطعنا ترميم كثير من أزماته خلال السنوات المنصرمة الأخيرة.