حول التجربة السياسية للنساء الإسلاميات في موريتانيا / بقلم المرحومة هند بنت الديه

ثلاثاء, 05/26/2020 - 14:46

بدأ مسار الصحوة الإسلامية مطلع السبعينيات مع متغيرات متعددة شهدها المجتمع من بينها حجم التمدرس المتزايد، وتزايد حدة خطاب اللاديني أو الإلحادي في أوساط شبابية متعددة، إضافة إلى دور عدد كبير من الشخصيات العلمية والدعوية التي بدأت تنشط في العاصمة منذ منتصف الستينيات، إضافة إلى حجم التواصل الثقافي والفكري مع العالم العربي الذي كان يمور بحركات وتيارات ونهضة إسلامية بدأ صداها يخترق الحاجز الوطني عبر الإعلام المسموع والمجلات والكتب النهضوية.

ولم تتأخر مشاركة المرأة في هذا السياق الثقافي والفكري الجديد، فكان لها دور مؤثر في المجتمع التعليمي والمدرسي وفي البيئات الثقافية، التي كانت على تماس وتواصل مع التيار الإسلامي الجديد.

ولظروف متعددة من بينها نظام الحزب الواحد وأسئلة التأسيس كان الدعاة الأوائل مركزين على مجال الدعوة المسجدية وعلى الرد على شبهات المناوئين وعلى التأسيس الفكري والثقافي والتأصيل العلمي لدعوتهم الجديدة التي تواجه "جامدين وملحدين" وفق تعبير العلامة محمد سالم ولد عدود.

ومع بداية الانفتاح الديمقراطي سنة 1991 بدأ الإسلاميون يلجون الحقل السياسي بخطوات متتابعة ومتفاوتة الحجم والمدى وكان للمرأة دور كبير في تلك المراحل وهو ما ستعرض هذه الورقة جوانب منه في إضاءات متعددة.

وما من شك أن لا ضرورة لعرض المواقف السياسية للتيار سواء تعلق الأمر بالدعم والمشاركة في بلديات 1986 ولا في رئاسيات 1992 لأن ذلك معروف للأخوات الفضليات بما فيه الكفاية، وإنما سنركز على البعد المتعلق بمشاركة المرأة الإسلامية في الشأن السياسي

تحرير الموقف

لم تخف في الساحة الإسلامية أصوات تطالب بإبعاد المرأة عن الشأن السياسي وتجتر موروثا لا يزال البعض يحاول إلصاقه بالإسلام، إلا أن الصحوة الإسلامية المباركة حسمت موقفها بسرعة بأن النساء شقائق الرجال وأنهن نصف المجتمع وأنهن كما قالت أمنا أم سلمة رضي الله عنه "من الناس" فيشاركن في الشأن العام مشاركة في القيادة وتحملا للمسؤولية ورأيا وفعالية في التخطيط ووفاء وصدقا في التنفيذ والتقييم والمراجعة.

ولقد كانت بداية الحراك النسوي في السياسة مع لائحة الشورى التي مثلت فيها المرأة الإسلامية الأخت مريم   منت التيجاني، وقد كانت الشورى عبارة عن تحالف عريض ضم قوى متعددة من بينها الإسلاميون

لكن الحراك السياسي للإسلاميين سيواجه أزمة الترخيص والتموقع في عهد ولد الطايع الذي منع بعسف عنيف ترخيص حزب للتيار الإسلامي وعمل دائما على تفكيكه وتشويهه، وكانت المعارضة في هذه الفترة هي المكان الأنسب للتيار الذي ظل قوة فاعلة في حزب اتحاد القوى الديمقراطية/ عهد جديد، ووريثه حزب تكتل القوى الديمقراطية إلى حين الانتخابات الرئاسية في 2003 والتي دعم فيها الإسلاميون الرئيس السابق محمد خونه ولد هيدالة، وانتقلوا بعدها إلى خيار فرض الوجود السياسي والسعي من جديد للترخيص.

المرأة في حمد

قررت مجموعة من الإسلاميين السعي للحصول على ترخيص لحزب سياسي مع شركاء من الطيف المعارض، باسم حزب الملتقى الديمقراطي( حمد )

ومع أن هذا الحزب منع من الترخيص ، ورفضت وزارة الداخلية الاعتراف به ..

إلا أن ما يهمنا الآن هو مستوى حضور الأخوات فيه .. فعند استعراض هيئاته القيادية سنخرج بالنتائج التالية :

-الجمعية التأسيسية للحزب تضم 105 من الأعضاء من بينهم 4 أخوات هن السيدات الفضليات  

زينب بنت الدده

ميمون جالو

خداجة بنت محمد سيديا

فاطمة أحمد اللهاه .

-المكتب السياسي يتكون من: 43 عضوا من بينهم اثنتان من الأخوات هن  

زينب بنت الدده

فاطمة بنت اللهاه

- المجلس الوطني يتكون من 63 عضوا من بينهم أختان هن :

زينب بنت الرباني

ميمونة جالو

وتنبغى الإشارة إلى أن حزب ( حمد ) يضم الكثير من الحساسيات والتشكلات السياسية ،وبالتالى فإن حضور الأخوات ممثلا بالأسماء المذكورة آنفا يعتبر مرحلة متقدمة ومهمة جدا .

 

الإصلاحيات الوسطيات

تعد تجربة الإصلاحيين الوسطيين أو مبادرة لجنة الاتصال للإصلاحيين الوسطيين، أول مبادرة سياسية  عرفية للإسلاميين تفرض نفسها في الساحة ، وتمارس حقها في التعبير عن المشروع، وكانت جزء من حالة من الهدوء والتناغم السياسي نشأت بعد إسقاط نظام ولد الطايع

وقد أعلن عن هذه المبادرة يوم 1فبراير سنة 2006 ، وتألفت قيادتها من 21 عضوا ، من بينهم 5 نساء هن الأخوات الفاضلات:

ياي انضو كولبالى ،  زينب الدده ، بركة بابو ، أم المؤمنين أحمد سالم ، آسية بنت علي .

وقد دخلت الأختان ياي وزينب البرلمان ( مجلس الشيوخ ) ضمن أول كتلة برلمانية للإصلاحيين الوسطيين

تجربة حزب تواصل

تم ترخيص حزب تواصل بعد جهد جهد ونضال سياسي طويل ، وصبر ومصابرة وخرج للنور بعد عهود من التعسف والنضال ترخيص لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية ( تواصل) يوم الجمعة 3 أغشت 2007

وللمفارقة فهذا اليوم 3 أغشت هو نفس اليوم الذى أطيح فيه بانقلاب عسكري بنظام ولد الطائع الذى كان يمنع التيار الإسلامي من حقه فى الوجود القانوني بل ضايق المؤسسات واعتقل الرموز .

وماكان للمرأة الإسلامية أن تغيب عن هذا التحول التاريخي ، فكان حضورها قويا وفاعلا فى المحطات التأسيسية الأولى للحزب .

فقد كانت رئيسة اللجنة التأسيسية للمشروع الحزب هي الدكتور ياي انضو كولوبالى .

وتشكل المكتب السياسي المؤقت للحزب من 49 عضوا من هن : 8نساء هن الأخوات الفاضلات :

لمنية كاية ، بركة بابو ، زينب الدده ، آمنة رافع ، دينبا با ، زينب التقي ، المومنة عمار ، ياي انضو كولوبالي

كما كان حزب ( تواصل ) سباقا لتأسيس منظمة سياسية خاصة بالنساء ، وذلك فى السنة الأولى من تأسيسيه، وكانت هذه المنظمة هي أول منظمة سياسية حزبية في البلد، وتبعه بعد ذلك الأحزاب السياسية التي كانت تكتفي بلجنة للنساء أو لجنة مشتركة بين النساء والشباب.

وقد كانت أول رئيسة للمنظمة النسائية هي الأستاذة الفاضلة لمنية بنت كاية .

وفى كل الاستحقاقات والمحطات الكبرى يعترف أهل تواصل بالدور الرائد والأساس لهذه المنظمة

ولا يزال دور المرأة التواصلية يتعمق ويزداد على مستوى التمثيل والقيادة.

كما أن الحزب ظل مهتما بترشيح المرأة ونيلها مكانتها اللائقة بها في البرلمان، وفي لوائح المجالس البلدية

إن هذه التجربة السياسية ماهي إلا مظهر من مظاهر الفكرة الإسلامية التي انتظمت المشهد الثقافي والعلمي والدعوي والسياسي في تكامل فريد بين الفكرة والإنجاز وفي جو من التكامل والتخصص في العلاقة بين الرجال والنساء في مشروعنا الإسلامي النبيل

وأعتقد أن الخطاب السياسي للمرأة التواصلية بات مدعوا لمزيد من التخصص والشعبوية، والانتقال إلى هموم المرأة في الريف، وقضايا التعليم والتشغيل وبطالة المرأة والتنمية الفاعلة، ومواجهة العنف ضد المرأة والتصدي لجرائم الاغتصاب، وغيرها من الجرائم التي تعاني منها المرأة، مع مزيد من ضبط الهوية الثقافية والخصوصية الفكرية للمرأة المسلمة في هذا البلد، والتي لن تجد في غير الإسلام حماية ولا رعاية ولن تجد فوق تعالميه تكريما ولن تجد في غير ظلال القرآن الكريم مأوى للراحة والسعادة النفسية وتحقيق كل خيري الدنيا والآخرة.