النائب محمد الأمين ولد سيدي مولود يكتب: باب في الدفاع عن المفسدين

سبت, 05/02/2020 - 16:59

ثم قال رحمه الله:  ومن يدافعون عن المفسدين أنواع، فمنهم "المفسد العاجز" الذي يحمل فيروس الفساد ولم تظهر أعراضه عليه، أي صاحب الفكرة الريعية المنحرفة "الا حدْ يحظر ولا ينتفش". فهو ينشر نهجا يلائم طبعه ليستفيد منه، وربما استفاد منه بالتعدي ..

ومنهم المفسد الجلي الذي تفضحه أملاكه وظروفه ومظاهره وتصرفاته وبذخه، إذ من الطبيعي أن يدافع عن مذهب انتهجه وسلوك استمرأه وميدان انفرد بالغلبة فيه واستمد منه مكانته وأهميته.

ومنهم المستفيد من المفسدين ومن الفساد، سواء بالحصول على مساعدات المفسدين نقدا أو عينا أو بالحصول على امتيازات وظيفية أو مناصب لا تخوله كفاءاته الحصول عليها، وإنما حصدها زبونية وفسادا، فهو مدين للمفسدين بذلك. 

ومنهم عصبويات المفسدين وهم الوقود الذي به يعملون والسند الذي عليه يتكئون، ويشمل هؤلاء القرابات القريبة وتتسع دائرتهم بعض الأحيان لتشمل عموم السند القبلي أو جله، وقد تشمل الحصانات الجهوية والمناطقية، وفي بعض الأحيان تلبس ثوب الانتماءات العرقية أو الطائفية، فكل قوم أو لون أو صنف يجادل عن مفسديه ويدافع عن "عرضهم" وطولهم ويحاول تبييض ما سوده فسادهم.

ومنهم البريء الطيب الذي لا يبذل جهدا في الحصول على الملفات والمعلومات أو غير قادر على الحصول على ذلك نتيجة لعوامل ذاتية منه، او لقدرة المفسدين على طمس الآثار عنه فلا فهو في مقام يسعفه للاطلاع على جرائم هؤلاء ولا هو يقبل ما يسمع أو يقرأ عنهم، فتراه يصول ويجول في الدفاع عنهم دون قصد ودون فائدة عليه.

ومن أغرب أنماط الدفاع عن المفسدين رمي منتقديهم ومحاربيهم بالحسد والحقد، فالحسد في ثلاث وهم لا يملكون منها واحدة، وكره الفساد وأهله وفضحهم والسعي لإضعافهم واجب وطني على كل شخص سليم الذوق والطبع حسب مقامه والمتاح له.

ولو فكر المدافعون عن المفسدين _ من غير المفسدين أنفسهم _ بظروف مرضى الكلى مثلا وضحايا السرطانات ممن لا يجدون ثمن دواء ترتبط به حياتهم، او بواقع موظفين يتقاضون رواتب زهيدة في التعليم والصحة والأمن الخ وتطلب منهم خدمات جليلة، أو في معيلات أسر أرامل لا يجدن سكنا ولا طعاما لزغب الحواصل لديهن، لنزعوا أي حصانة عن هؤلاء وأقلعوا عن أي شفقة أو رحمة بهم، فكل ذلك يتطلب المال العام الذي نهبته هذه الحيتان.

واعلم رحمني الله وإياك أن المفسدين ضربان أو صنفان متباينان متباعدان وإن اشتركا في نهب البلاد وظلم العباد:

صنف "النهّابين الوهّابين" الذين يبتلعون كل شيء لكنهم قوم بهم كرم ولو من باب "إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق". فتراهم ينفقون كالبحر، ورغم ذلك فإنهم _ حسابيا _ لا يعطون عشر ما ينهبون، ووجه استكثار عطائهم إنما يأتي بسبب قوة حاجة وفقر  "الضحايا المستفيدين"، أو لنجاح الدعاية لهم، فهم يستميلون الأقلام، ويسحرون خلقا كثيرا ممن نهبوا كل حقوقه وردوا له بعض ذلك. ومن أخطر جرائر هذا الصنف إفساد الحياة العامة سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا الخ 

أما الصنف الثاني فهو "أهل الجمْعِ والمنْعِ" وهم قوم بهم شح زائد وجشع قوي، فتراهم ينهبون القناطير المقنطرة والأرصدة المعتبرة والعقارات الغالية ومع ذلك لا يتركون لضعيف فُتاتا ولا لكادح ذرة، ولا يسقون ماء ولا يحضون على طعام المسكين. وهؤلاء أفضل من الصنف الأول لأن سجاياهم تفضحهم فهم أقل حصانة وسندا، فتراهم مكشوفي الأظهر لا نصير لهم غير قريب مشفق أو ساذج نزق.

ولا خير في عموم المفسدين لا قرب قربهم!

انتهى من كلامه في غرة رمضان المبارك لثمان خلون منه
فرحم الله من دعا لكاتبه بخير