في دائرة الضوء...ولد الحاج الشيخ ..بين السياسة والأدب .. مواقف الأغلبية في موقع(بورتريه)

خميس, 04/25/2024 - 08:37

لم يكن إعلان النائب السابق والقيادي في حزب تواصل محمد غلام ولد الحاج دعمه المبكر للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني دخولا مجددا إلى دائرة الضوء ومثير المواقف السياسية، فالرجل على كل حال يحتل مساحة كبيرة من دائرة التأثير، واستطاع بمواقفه المتعددة وإن اختلف الناس حولها أن يظل دائما في الواجهة، حتى في الوقت الذي لا يشغل فيه أي مهمة سياسية في الحزب الذي هو أحد مؤسسيه ومنظريه.

ورغم الهم السياسي الذي محض له الرجل جزء كبيرا من وقته خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فإن السنون ومهام السياسة والإيديلوجيا  أن تخرج محمد غلام ولد الحاج من دائرة الأدب والنفس التواقة إلى جمال اللغة، فقد جبلت نفس الرجل على حب الشعر والتعلق بجماله، منذ نعومة أظافره، وكان من المستغرب في نهاية الثمانينيات عند عدد من شباب العاصمة نواكشوط، وخصوصا من منطقة الجنوب ما يحفظه هذا الشاب ذو القامة الطويلة القادم من أعماق الشرق الموريتاني من مطولات أدبية، كانوا يعتقدون أنها لم تتجاوز الكثبان الرملية الطوال المنهية لحدود الترارزة إلا قليلا.

ولكن الاستغراب يزول إذا عرفنا أن الرجل خلاصة محاظر متعددة تتداخل فيها وتتكامل مختلف المعارف المحظرية المدرسة في المشرق والجنوب، فقد كانت تمبدغة وضواحيها بشكل عام العاصمة الثقافية لكثير من حواضر الشرق الموريتاني.

وفي تمبدغة ولأسرة أهل دهمد الشهيرة، سميا لأحد أعلامها وعلمائها، واستمرارا لمحاظرها، حيث حفظ القرآن ودرس متونا علمية شرعية ولغوية متعددة، قبل أن ينتقل إلى العاصمة نواكشوط، متنقلا بين عدد من محاظرها، قبل أن ينخرط فكريا وسياسيا في التيار الإسلامي، ليتدرج في منابره ومحاريبه.

استطاع ولد الحاج الشيخ تشكيل ثقافة عالية متنوعة، تجمع بين معارف الشريعة والفكر الإسلامية، والتاريخ والسياسة، فهو قارئ نهم، ومحاور لبق، استطاع أيضا إقامة شبكة علاقات واسعة من كثير من كبار مفكري الحركة الإسلامية من الشيخ القرضاوي رحمه الله تعالى ومحمد أحمد الراشد، وراشد الغنوشي فك الله أسره، إلى عبد الوهاب المسيري ومحمد عمارة رحمهما الله، وغيرهما من القامات العلمية الكبيرة المؤثرة في الفكر والثقافة الإسلامية المعاصرة.

فرحة الدهر بعد بعدك عودي

انتقل ولد الحاج الشيخ إلى دولة الإمارات العربية مطلع التسعينيات، عاملا في القطاع الأمني وفي سنوات قليلة أصبح أحد العناصر الشهيرة بين الجالية الموريتانية، حيث كان خطيبا بارعا ومؤثرا، قبل أن يتم اعتقاله لعدة أشهر بتهم تتعلق بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.

أفرج عن ولد الحاج الشيخ مطلع القرن الحالي وعاد إلى البلاد، حيث تلقاه الإسلاميون بالترحيب والتبجيل، وقرأ الشيخ محمد الحسن ولد الددو في استقباله أبياته الشهيرة

بهجة الدهر بعد بعدك عودي

طلع السعد في بروج السعود

وخلال السنوات الخمس الأخيرة من حكم الرئيس السابق معاوية ولد الطايع كان ولد الحاج الشيخ من بين الأصوات الأبرز للإسلاميين في مواجهة قمع السلطات الأمنية والتصدي للتطبيع، ليكون بطل يوم زيارة سلفان شالوم المقيتة إلى موريتانيا سنة 2004.

تولى ولد الحاج الشيخ الرباط الوطني لنصرة فلسطين، بعد رئيسه المؤسس محمد جميل ولد منصور، إضافة إلى توليه منصب نائب رئيس تواصل وعضوية البرلمان، كان في كل تلك المناصب مستقرا في دائرة الضوء والتأثير، وقبل أن يغادر الرباط سنة 2018 كانت هذه المؤسسة قد تحولت من ودادية إلى مؤسسة ذات علاقات واسعة داخليا وخارجيا، واستطاعت تنظيم عدد كبير من حملات التبرعات والإغاثة لفلسطين.

في البرلمان استطاع ولد الحاج الشيخ مواجهة آلة الدعاية القوية للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وكان أبرز خصومه السياسيين، وأهم أصوات المعارضة، ذات الصوت المبحوح في فضاء واسع من الأغلبية.

وقد عاني ولد الحاج الشيخ من كثير من المضايقات في فترة الرئيس السابق، منها قطع علاج كريمته، وتسليط الأقلام الموالية لنهش عرضه، بعد أن فشلت مداخل الإغراء، فالرجل الذي اعتبر أن الأرض التي منحت للنواب مجرد رشوة في وجه التعديلات الدستورية، ما كا ليرضخ لغير ما يراه موقفا سياسيا

غادر ولد الحاج الشيخ البرلمان رافضا ترشيحه مرة أخرى، قبل أن يأخذ مسافة من الهيئات التنفيذية في حزب تواصل، ورغم ذلك ظل أحد المؤثرين فيه بقوة وصانعي قراره، وربما موجهي سياساته، رغم ما يعلنه بين الحين والأخر من مواقف لا تروق لكثير من قادة الحزب ونشطاء مدونيه على وسائل التواصل الاجتماعي.

صديق الرئيس في الحزب المعارض

لم يخف محمد غلام ولد الحاج الشيخ منذ وصول الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ ولد الغزواني إلى السلطة مواقفه التي باتت أكثر قربا من الموالاة، أو بعبارة أخرى أكثر تعبيرا عن القرب من الرئيس الحالي، إشادة بمواقفه ودفاعا عنها، وتصديا لخصومه.

ويعتقد بعض قيادي المعارضة وتواصل بشكل خاص أن أداء ولد الحاج الشيخ في الدفاع عن النظام أقوى من أداء عناصر الأغلبية في الدفاع عن نظام ينتمون إليه، فيما يقترح آخرون على الرجل أن يغادر حزب تواصل باتجاه النظام لينسجم موقعه مع موقفه، غير أن ما يعرفه الجميع أن غلام كان ولا يزال عصيا على الاستجابة للإملاءات، وأنه أكثر عنادا من أن يستجيب لطلبات لا يرى أن لها مصداقية، ففي تصوره أن لا تناقض بين موقفه في حزب معارض وبين إشادته بالرئيس.

استطاع ولد الحاج الشيخ خلال السنوات الأخيرة، أن يكون رجل ثقة عند الرئيس الغزواني، ومن خلال تلك العلاقات قدم خدمات عديدة في مناطق ومجالات  متعددة، رفعا لظلم أو جلبا لخدمة عمومية، فيما نال كثيرا من النقد اللاذع والاتهامات المغرضة.

يمتاز ولد الحاج الشيخ دون أغلب السياسيين بتصديه الدائم لكل تهمة تستهدف ذمته المالية أو عرضه، حيث يكون القضاء فيصلا بينه وبين المتهمين، وهو ما دفع عددا من هؤلاء إلى العودة والاعتذار والاعتذار، خوفا من تبعات ما لا يملكون القدرة على إثباته.

ومهما يكن فإن الرجل من بين عدد قليل من السياسيين الذين يملكون القدرة على مواجهة ومصادمة دوائرهم المجتمعية والسياسية، دفاعا عن قناعاته ومواقفه، ومن بين القلة التي لا تتوقف مواقفها السياسية على مراعاة الجمهور، معتقدا أن المواقف أكبر من أن يتم حسمها لصالح مشاعر عابرة ومتغيرة غالبا

أخيرا ..حسم ولد الحاج الشيخ موقفه السياسي، فيما يلا زال حزب تواصل يقدم رجلا ويؤخر أخرى، دون أن يحسم موقفا نهائيا إلى أي اتجاه سيسير في واحدة من أصعب خياراته السياسية، والأكيد وفق قادة في تواصل أن حزبهم لن يقلد محمد غلام ولد الحاج، لكن ما لا يختلف عليه القادة المختلفون أن الرجل مؤثر على كل حال وصانع مواقف، وأن حجم تأثيره ليس قليلا على حزب تواصل ودوائره السياسية والمجتمعية التقليدية، وهو ما يعني أن جزء كبيرا من أنصار تواصل سيأخذون إلى الأغلبية ذات اليمين...ومع ذلك فإن ولد الحاج الشيخ لا ينتوي مغادرة تواصل ولا الابتعاد عنه، لكنه يعبر الآن عن موقف سياسي مرتبط بلحظة ومرحلة، لكنها قد تكون الأهم والأصعب في تاريخ حزب الإسلاميين