ضرائب على الأراضي غير المشيدة..هل تخطط الحكومة لضرب مافيا العقارات

سبت, 03/16/2024 - 18:38

أقرت الحكومة الموريتانية قانونا جديدا يفرض ضرائب على الأراضي غير المشيدة، وذلك بعد تمدد كبير في الأراضي في مختلف أطراف العاصمة، وارتفاع غير مسبوق في أسعار القطع الأرضية، وخصوصا في المناطق الشمالية من العاصمة.

 

وتصل الضرائب المذكورة إلى 25 ألف أوقية قديمة للمتر المربع في الأحياء الراقية من مقاطعة تفرغ زينة ولكصر، فيما تنحط إلى 4500 أوقية قديمة للمتر المربع سنويا في أراضي ما يعرف عند المدونين بمناطق ما وراء مدريد.

وتعني هذه الإتاوات أن الضريبة السنوية على قطعة أرضية من 600 م مربع في مقاطعة تفرغ زينة ستصل سنويا إلى 15 مليون أوقية قديمة، وهو ما يعني أن صاحب القطعة ينبغي أن يدفع سعرها في سوق العقارات خلال سنتين أو ثلاث إذا لم يتمكن من بيعها قبل ذلك.

 

ومن المؤكد أن تطبيق هذا الإجراء ابتداء من فاتح العام 2025 – إذا تم بشكل فعلي، فستكون الدولة الموريتانية أمام مورد ضرائبي جديد، ظل معفوا من الإتاوات منذ الاستقلال.

وتتضمن إجراءات تطبيق القانون العقاري الجديد، تسديد الضرائب المتراكمة، قبل تنفيذ أي عملية بيع أو نقل للملكية إلى طرف آخر

ويأمل مراقبون للمشهد العقاري في موريتانيا أن تسهم هذه الإجراءات في تخفيض الارتفاع الجنوبي لأسعار العقارات والأراضي في موريتانيا، حيث يتوقع أن يتخلص عدد كبير من ملاك الأراضي غير المشيدة منها، مادامت ستتحول مع الزمن إلى وسيلة استنزاف

 

أغلى من المدينة المنورة ..وأسطمبول

ترتفع أسعار الأراضي في العاصمة الموريتانية نواكشوط بشكل جنوبي وخصوصا في مقاطعة تفرغ زينة، لتصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 300 ألف دولار، أما المنازل الكبيرة المشيدة فيصل بعضها إلى أكثر من مليوني دولار

وتتحدث مصادر متعددة عن شراء وزير نافذ في الحكومة الحالية قبل سنتين لمنزل فخم بحوالي 500 مليون أوقية قديمة.

وفي المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية من العاصمة، تهبط أسعار ومساحة القطع الأرضية لترواح ما بين مليون أوقية في أطراف العاصمة الجنوبية والشرقية إلى 5 ملايين أوقية قديمة في مقاطعتي عرفات وتوجنين ودار النعيم، وخصوصا بالنسبة للأراضي التي لا تملك ميزة تجارية، أما المساحة فلا تتجاوز غالبا 150 متر مربع في هذه المنطقة.

وتتجاوز أسعار القطع الأرضية غير المشيدة في مقاطعة تفرغ زينة، أسعار الشقق السياحية في المدينة المنورة، وفي العاصمة التركية اسطمبول، وفي المدينة السياحية شرم الشيخ المصرية، كما تتجاوز بشكل صاروخي أسعار تملك الشقق والمساكن الجميلة في لاس بالماس ومدريد الإسبانية.

ولا يعرف سبب منطقي لهذا الارتفاع الجنوني والمستمر بشكل دائم..

الأراضي والعقارات ... ميدان واسع لتبييض الأموال

يؤكد مراقبون للمشهد المالي في موريتانيا أن الطفرة الهائلة في العقارات الفخمة وفي ارتفاع الأسعار في المناطق الشمالية في العاصمة، ماهو في الغالب إلا مظهر لتبييض الأموال، وتحويل المال العام إلى مال خصوصي.

ويشتهر بشكل خاص في نواكشوط الحي الكبير المعروف بحي كوفيد، والذي تم تشييده فجأة وبشكل متسارع خلال سنتي كوفيد المؤلمتين اللتين كانتا سنتي تقشف بالنسبة للعالم كله.

وغالبا ما يملك كبار الموظفين منازل فخمة في العاصمة نواكشوط، رغم أن رواتبهم وعلاواتهم الطبيعية لا تسمح لهم بذلك.

وتذهب مصادر متعددة إلى أن تفسير هذه الطفرة المالية والارتفاع الهائل للعقارات بعدة عوامل أبرزها:

-   الأموال العمومية المنهوبة: حيث يمثل الفساد مصدرا أساسيا لهدر الأموال، ولتبييض يوميات الفساد يمثل شراء العقارات والأراضي جزء أساسيا من الحفاظ على ثروة هائلة لا تتطلب حراسة، ولا تكلف ضرائب.

-   أموال المغتربين: وخصوصا في الخليج ودول إفريقيا، والصين: حيث مثل هؤلاء خلال فترة طويلة عامل ثراء مجتمعي متصاعد

-   أموال المخدرات والتهريب: والتي انتعشت تجارتها خلال عقود التسعينيات قبل أن تبدأ في الانحسار منذ العام 2010 تقريبا، لتتضاءل بعد ذلك بشكل كبير.

غير أن المفارقة الأكثر غرابة هي أغلب سكان هذه القصور المشيدة هم مؤجرون، اختاروا الإقامة لظروف متعددة في مناطق الفخامة من العاصمة، حيث تعود ملكية أغلب الأراضي والعقارات الفخمة إلى مجموعات قليلة من الأثرياء

 

لا سياسة للسكن الاجتماعي

بدأت الدولة الموريتانية منذ تأسيسها سياسة السكن الاجتماعي، عبر إقامة الوحدات السكنية الكبيرة، ومنحها للموظفين، وهو ما استمر لعدة سنوات قبل أن ينتهي لاحقا مع نهاية الحقبة المدنية الأولى، حيث تحول السكن الاجتماعي إلى  مناقصات تجارية بيد شركة سوكجيم، ولاحقا توقف أداء سوكوجيم، وارتفعت العمارات والأسعار في تفرغ زينة.

ولم تعوض البنوك الموريتانية ولا الأجنبية انسحاب الدولة الموريتانية من سياسة السكن الاجتماعي، لكنها تمكنت من الاستيلاء على عدد كبير من العقارات والأراضي بسبب الرهون العقارية، وتفليس المدينين

وفي أحيان نادرة تعلن البنوك الموريتانية عن عروض لتمويل السكن، حيث تقدم مساكن بسيطة وضعيفة البنية، مقابل دوامة هائلة من الديون تمثل ضعفي السعر الحقيقي للعقار المفترض

 

وأمام فوضى العقارات، باتت الحصول على سكن لائق في العاصمة نواكشوط خيارا حصريا فقط للأثرياء وكبار المفسدين