السنغال.. سياحة على إيقاع رقصات تقليدية في غابة الباوباب

أربعاء, 01/24/2024 - 11:00

تستقطب حفلات الرقص والموسيقى التقليدية للمجموعات العرقية، والتي يجري تنظيمها بين أشجار الباوباب في السنغال، آلاف السياح الأجانب، فضلًا عن عرضها لوحات مميزة من الثقافة المحلية.

 

وتتطلع السنغال التي تعتبر وجهة مهمة للسياحة البحرية غرب إفريقيا، إلى تعزيز السياحة الثقافية على الخريطة العالمية.

 

ويبلغ عدد سكان السنغال نحو 16 مليون نسمة، وتمتلك البلاد خطًا ساحليًا طوله 720 كيلومترا، وشواطئ رملية ناعمة.

 

وخلال السنوات الأخيرة، أضافت الرقصات والطقوس التقليدية والمميزة للمجموعات العرقية الولوف، والليبو، والفولاني، والتوكولور، والسيريري، والديولا، والماندينغ، والباساري التي تعيش في البلاد، بُعدًا جديدًا لقطاع السياحة.

 

وفي قرية مبوروخ، القريبة من مدينة مبور التي تبعد نحو 100 كيلومتر عن العاصمة داكار، يتم تنظيم رقصات وطقوس لمختلف المجموعات العرقية، مرتين أسبوعيًا.

 

هذه الأنشطة تبدأ عند الغروب في غابة تحيط بها أشجار الباوباب، على بعد بضعة كيلومترات من قرية مبوروخ، وتستمر حتى منتصف الليل.

 

** "عشاء استثنائي"

ويتم اصطحاب السياح من منطقة "بيتي كوت"، إحدى أهم الوجهات السياحية في البلاد، من فنادقهم إلى غابات الباوباب في مبوروخ، في إطار فعالية سياحية تعرف باسم "العشاء الاستثنائي".

 

ويصل السياح إلى المنطقة بعد غروب الشمس، حيث يرحب بهم أبناء مجموعة ماندينغ العرقية، من خلال العزف على آلة موسيقية إيقاعية تشبه الطبلة، تسمى "سوروبة".

 

وبينما يعزف الشعراء الشعبيون المعروفون غرب إفريقيا باسم "غريوت"، على آلة السوروبة، ويرقصون أمام شجرة باوباب (عمرها قرون)، يلتف السياح حول هذه اللوحة الفنية تاركين خلفهم الظلام الدامس، في محاولة للاطلاع على تفاصيل هذه الرقصة الشعبية.

 

وخلال الفعالية، يتوقف الغوريوت عن العزف والرقص، فيما يشق على بعد أمتار قليلة صوت أنثوي رقيق، أجواء الصمت والظلام.

 

وفي هذه الأثناء، يسير سكان قرية مبوروخ باتجاه السائحين، حاملين في أيديهم مشاعل خشبية، فيما تصدح حناجر نساء القرية بباقة من الأغاني الشعبية والتقليدية.

 

ويشاهد السياح الذين انتظروا في الظلام عدة دقائق، بدهشة مجموعة من 30 إلى 40 قرويًا، يتجهون نحوهم حاملين المشاعل التي تضيء المناطق المحيطة.

 

وتشكل المجموعة دائرة كبيرة حول السياح قبل أن تبدأ بالرقص، وعندما ينضم السياح إلى المجموعة الراقصة، تضاء أضواء منطقة العرض معلنة انتهاء "الاستقبال الترحيبي".

 

** أسود تقليدية وعروض بهلوانية

عندما يأخذ السياح أماكنهم على الطاولات بين أشجار الباوباب، يشرع شباب قرية سيرير، التي تعتمد الزراعة مصدر دخل رئيسيا، بالرقص والغناء حاملين في أيديهم مناجل تقليدية.

 

وبعد اللوحة الفنية التي يقدمها الشباب، تبدأ نساء القرية أيضًا بغناء المقطوعات التي تُردد في حفلات الزفاف التقليدية للقرية، مصحوبة بالرقصات الشعبية.

 

وتنضم إلى النساء مجموعة تعزف على آلة التاما، المعروفة غرب إفريقيا باسم "الطبل الناطق"، ما يزيد من أجواء الحماسة وسرعة إيقاع العرض.

 

وبينما يستعرض أبناء مجموعتي سيريري وفولاني العرقيتين مهاراتهما الفنية حول النار الموقدة في ساحة العرض، يظهر الراقصون التقليديون الذين يرتدون زي الأسود، والمعروفون باسم "سيمب" (الأسد المزيف)".

 

ويسعى الراقصون المرتدون زي الأسود المزيفة إلى تخويف السائحين، فيما يستعرض بهلوان مهاراته على ارتفاع يصل إلى 5 أمتار.

 

ويستمر العرض الذي تنظمه فرقة الرقص والموسيقا التقليدية المسماة "نجويول للإيقاع" (Ngueweul Rythme) حوالي 3 ساعات، قبل أن ينتهي عند منتصف الليل.

 

** أروع عشاء

وقال فرانسوا ضيوف، وهو مرشد سياحي وأحد المشاركين في فعالية "العشاء الاستثنائي"، إن كل مجموعة عرقية في السنغال لها إيقاعاتها ورقصاتها التقليدية الخاصة.

 

وأضاف ضيوف لوكالة اللأناضول: "نتطلع لتقديم بعض اللوحات الفلكلورية من الثقافة السنغالية من خلال تنظيم مثل هذه الليالي، ونحن دائمًا سعداء وفخورون بإظهار هويتنا".

 

وأكد أنهم عادة ما يستضيفون سياحًا من فرنسا وبلجيكا وألمانيا والبرتغال، وأن السياح الذين شاركوا في "العشاء الاستثنائي" كانوا منبهرين بهذه الفعالية.

 

من جهته، قال السائح الفرنسي لوكاس برنارد، إن الفعالية برمتها كانت "مفاجأة سارّة بالنسبة لي، حيث بدأ العرض في ظلام دامس، دون أن نعرف ماذا كان ينتظرنا، لقد انبهرنا بصوت الآلات التقليدية".

 

وأوضح برنارد أن "العرض استمر 3 ساعات دون توقف، وكانت ليلة لا تنسى بين أشجار الباوباب الرائعة، والعشاء كان أروع فعالية شاركت فيها على الإطلاق".

 

وتمتد أشجار الباوباب بأغصانها العالية، في هذه المنطقة المعروفة بتنوعها الطبيعي ونشاطها الزراعي، حيث يعيش عدد كبير من المزارعين من جني ثمار شجر الباوباب التي كان استخدامها مقتصرا على السوق المحلية، لكن بعد ازدهار هذه التجارة في السوق العالمية، تزايد الطلب على هذه الثمار.

 

وتعد الباوباب رمزاً مهماً، يشير إلى عظمة المناظر الطبيعية في السنغال وفخامتها، خاصة أنهم يعتبرونها رمزاً وطنياً دائماً، فضلاً عن كونها مصدراً للغذاء والمواد الخام والإلهام أيضاً.

 

تلك الشجرة التي يعتقدون وجود أرواح الأجداد بها، خاصة أنها ترفض النمو خارج إفريقيا، ولها فوائد عديدة، فهي تخزن المياه للجفاف، بينما عصيرها مشروب شعبي يعالج الأمراض، فيما تقول الأساطير إن عمر هذه الشجرة قد يصل إلى 5 آلاف عام، ولذلك، فهي مقدسة لآلاف السنوات عند القبائل التي ظهرت الشجرة في أراضيها.

 

كما أن التجويف الموجود أسفلها، يصبح مأوى وملجأ للإنسان والحيوان من البرد، ولذلك، أصبحت شجرة الباوباب رمزاً للسكان، لأنها تمتص الكثير من مياه المطر خلال موسم الأمطار، وتحتفظ بالكثير منه في موسم الجفاف، بينما يمكن عصر فاكهتها والحصول على الغذاء والماء طوال العام، كما تستخدم ظلالها الواسعة، فصولا دراسية في بعض القرى.