انقلاب بوركينا فاسو ...كيف انزلقت الأوضاع إلى هذه النقطة؟

اثنين, 01/24/2022 - 18:56
بقلم: لوبوني أفريك. ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو

تسود ملابسات على الوضع الراهن في البلاد بعد يوم من تمرد الجنود في الثكنات في وقت تؤكد فيه عدة مصادر اعتقال الرئيس.

 

 قد كان الوضع في الأسابيع الأخيرة في بوركينا فاسو متفجرًا بين الجيش والسلطة السياسية لكن المواجهة اتخذت منعطفًا جديدًا، صباح الأحد23/1/2022، عقب تمرد الجنود في عدة ثكنات في البلاد: سانجولي لاميزانا، بابا سي، في الشمال في كايا  و واهيغويا وحتى في العاصمة واغادوغو. لكن ما هي مطالبهم؟

 

 تعددت مطالبهم حيث شملت المطالبة برحيل قادة الجيش وتوفير "الوسائل المناسبة" لمحاربة الإرهابيين. وفي خضم الأحداث سُمع دوي إطلاق نار بالقرب من مقر إقامة رئيس الدولة، روش مارك كريستيان كابوري آخر النهار وحلقت طائرة هليكوبتر على أجواء منطقة باتْ دُووا حيث يقع المنزل.

 

وبدأ إطلاق النار، والذي كان في البداية كثيفًا أعقبتها طلقات متقطعة، وفقًا لسكان المنطقة ثم تصاعد التوتر بعد فترة هدوء قصيرة، نتيجة شائعات عن اعتقال الرئيس كابوري الذي يعتقد أنه محتجز في معسكر للجيش بالعاصمة.

 

وردت الحكومة في البداية بالاعتراف بهذه الطلقات في عدة ثكنات ونفت "استيلاء الجيش عليها" ومساء الأحد، أصدر الرئيس كابوري مرسوما "حتى إشعار آخر" اعتبارا من يوم الأحد، بفرض حظر تجول من الساعة الثامنة مساء وحتى الخامسة والنصف صباحا (بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينتش).

 

والاثنين 24يناير، بعد عدة ساعات من الارتباك، تأكد الانقلاب. وبحسب وكالة فرانس برس، فإن "الرئيس كابوري، وكذلك رئيس البرلمان (الحسن بالا ساكاندي) والوزراء هم في أيدي الجنود" في ثكنة سانغولي لاميزانا في واغادوغو دون تأكيد ما ستؤول إليه الأحداث لاحقا. ومن المنتظر أن يصدر بيان خلال الساعات القادمة حيث يطوق جنود مسلحون وملثمون مقر محطة الإذاعة والتلفزيون العامة.

 

وللتذكير، في عام 2015، بعد عام من سقوط بليز كومباوري الذي أطاحت به انتفاضة شعبية بعد 27 عامًا في السلطة، أثار انتخاب روش مارك كريستيان كابوري آمالًا كبيرة في التنمية والتغيير في "بلد الرجال الشرفاء" ولكن في عام 2015 بالتحديد، بدأت بوركينا فاسو، التعرض لهجمات الجماعات الإرهابية المسلحة والتي تأزمت  فقط على مر السنين.

 

وعند إعادة انتخابه لولاية ثانية في عام 2020، انزلقت البلاد في حالة من الفوضى وأصبحت هجمات الجماعات الإرهابية شبه يومية وخلفت مئات القتلى؛ فضلا عن أن أجزاء كاملة من البلاد أفلتت من سلطة الدولة ويبدو أن الأجهزة الأمنية غير قادرة على وقف دوامة العنف.

 

وعلاوة عليه، وعد خلال حملته الانتخابية بأن مكافحة الإرهاب ستتصدر رأس أولوياته؛ لكن الهجمات والمجازر في الشمال لاتزال مستمرة مثل تلك التي وقعت في قرية الصلحان في يونيو 2021 والتي قُتل خلالها ما لا يقل عن 132 مدنيا، أو إيناتا في منتصف نوفمبر من نفس العام حيث أدت الاعتداءات إلى  مقتل 57 شخصا، بينهم 53 دركيا.

 

ومنذ ذلك الحين، تضاعفت مظاهرات الغضب من جانب السكان الغاضبين من هذا العنف للتنديد بـ "عجز" السلطة وهي المظاهرات التي طالما واجهتها الشرطة بالقمع.

 

 وقد فشل روش مارك كريستيان كابوري، الذي ينتمي إلى إثنية موسي ذات الأغلبية، وهو مصرفي سابق ورجل معروف بالمصالحة وفي الوفاء بوعده على الرغم من التغييرات العديدة على رأس الجيش والحكومة.

 

وفي هذا السياق، يسود القلق الكبير على السفارات الغربية على الرغم من عدم صدور رد فعل رسمي حيث أوصت السفارة الفرنسية رعاياها بتجنب السفر.

 

وعلى مستوى القارة، ردت الإيكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا) وهي مؤسسة تنتمي إليها بوركينا فاسو، يوم الأحد، وقالت إنها تتابع الوضع "بقلق بالغ" داعية إلى الهدوء فيما طالبت "الجيش بالبقاء في الروح الجمهورية وتأييد الحوار مع السلطات".

 

كيف انزلقت الأوضاع إلى هذه النقطة؟

كانت الأزمة متأججة لعدة أشهر وتزايدت شائعات الانقلاب لكن الوضع أخذ منعطفا حرجا في الأيام الأخيرة حيث اندلعت، يوم السبت 22 يناير 2022، اشتباكات في واغادوغو ومدن أخرى في بوركينا فاسو بين الشرطة والمتظاهرين الذين تحدوا مرة أخرى الحظر المفروض على التجمع للاحتجاج على عجز السلطات في مواجهة العنف الإرهابي الذي تعاني منه البلاد منذ عام 2015 عطفا على حظر عمدة المدينة يوم السبت مسيرة أخرى لدعم مالي التي استهدفتها عقوبات قاسية من جيرانها في غرب إفريقيا.

 

وقد أضرم أنصار المتمردين النار في العاصمة، التي لا تزال مقر الحزب الحاكم، قبل أن تفرقتهم من قبل الشرطة.

 

ومن جهة أخرى، أطلق حوالي أربعين جنديًا النار في الهواء بالقرب من عدة مئات من الناس المبتهجين الذين أتوا لدعمهم خارج الثكنة العسكرية سانغولي لاميزانا . كما تم تطويق المحيط حول ثكنات القاعدة الجوية بإطلاق جنود ملثمين يطلقون النار في الهواء.

 

ويشير تسجيل صوتي أُرسله أحد الجنود من ثكنة سانغولي إلى وكالة فرانس برس الذي طالَب بعدم الكشف عن هويته  "نحن في حاجة إلى العتاد العسكري الملائم لمواجهة الإرهابيين والمزيد من العناصر" وكذلك "استبدال" كبار الضباط في الجيش الوطني" وتمنى "رعاية افضل للجرحى" المصابين خلال مواجهات الإرهابيين  و"عائلات القتلى" لكنه لم يطالب هذا الجندي برحيل رئيس بوركينا فاسو روش كريستيان كابوري ، الذي اتهمه جزء كبير من السكان الغاضبين من العنف بأنه "غير قادر" على مواجهة الجماعات الإرهابية وخاصة منذ هجوم  إيناتا في الشمال في 14 نوفمبر ، والذي خلف 53 قتيلا وأرسل موجات الصدمة في جميع أنحاء البلاد.

 

وقبل عشرة أيام، ألقي القبض على جنود ومدنيين بتهمة التخطيط لانقلاب وقد تم الكشف عن المؤامرة المزعومة في أعقاب "إدانة جندي يُزعم أن مجموعة من الأفراد اتصلت بهم للانضمام إليهم في تنفيذ أعمال لزعزعة الاستقرار ضد المؤسسات" وتم فتح تحقيق في هذا الصدد.

 

وقوع البلاد في دوامة من الانحدار:

نُظمت عدة مظاهرات غاضبة منذ عدة أشهر في عدة مدن في بوركينا فاسو وحظرتها شرطة مكافحة الشغب في كثير من الأحيان وفرقتها وأكدت مصادر عسكرية أخرى مزاعم المتمردين ودارت مناقشات بين ممثلي المتمردين ووزير الدفاع الجنرال بارتيليمي سيمبوري، بحسب مصدر حكومي. ولم يتم الكشف عن أي شيء مساء الأحد بشأن محتوى الاجتماع فيما قدم المتظاهرون دعمهم للمتمردين طوال اليوم وأقاموا حواجز مؤقتة في عدة شوارع بالعاصمة قبل تفرقتهم من الشرطة بحسب صحفيي وكالة فرانس برس.

 

ويُعد معسكر سانغولي لاميزانا موطنًا لسجن القوات المسلحة والمركز الإصلاحي (ماكا) حيث يُحتجز الجنرال جيلبرت دينديري، المقرب من الرئيس السابق بليز كومباوري الذي أطيح به في عام 2014 والذي يعيش منذ ذلك الحين في كوت ديفوار. وقد حُكم على الجنرال دينديري بالسجن لمدة 20 عامًا بتهمة محاولة انقلاب في عام 2015 ضد الرئيس كابوري ويُحاكم حاليًا لدوره المزعوم في اغتيال الرئيس السابق توماس سانكارا، أحد رموز عموم إفريقيا، في عام 1987.

 

ومثل مالي والنيجر المجاورة، وقعت بوركينا فاسو في دوامة عنف منسوبة إلى الجماعات الإرهابية المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة فضلا عن أن الهجمات التي تستهدف المدنيين والجنود تتكرر بشكل متزايد وتتركز في الغالب في شمال وشرق البلاد. وقد أسفرت أعمال عنف الجماعات المسلحة عن مقتل أكثر من 2000 شخص في قرابة سبع سنوات وأجبرت 1.5 مليون شخص على الفرار من ديارهم.