بوركينا فاسو: استياء شعبي من استمرار انعدام الأمن

ثلاثاء, 11/23/2021 - 08:40
أدَّى العنف إلى النزوح القسري لـ 3.4 مليون شخص بما في ذلك أكثر من 700000 لاجئ ومشرد داخليًّا في العام الماضي

أعرب المجتمع المدني والمعارضة في بوركينا فاسو عن استيائهم من الهجمات المسلحة العديدة ضد السكان والقوات المسلحة، وذلك في احتجاجات عارمة في شوارع واغادوغو، الثلاثاء 16 نوفمبر الجاري، حيث احتشد مئات الشباب للتعبير عن غضبهم ومطالبة الرئيس كابوري بالاستقالة؛ لاعتقادهم أن الرئيس فشل في مهمته للحفاظ على أمن البلاد.

وفي غضون ذلك التقى المتظاهرون، بمن فيهم السكرتير التنفيذي لحركة "أنقذوا بوركينا فاسو" مامادو درابو، بموغو نابا، الزعيم العرفي الذي يتمتع بشعبية واسعة ونفوذ كبير في البلاد.

 

لماذا الآن؟

أعلنت السلطات في بوركينا فاسو حدادًا وطنيًّا لمدة ثلاثة أيام عقب الهجوم الذي أسفر عن مقتل 28 جنديًا و4 مدنيين في شمال البلاد. والمجزرة المعنية حدثت نتيجة تعرُّض ثكنة درك واقعة في بلدة إيناتا على بعد أكثر من 300 كيلومتر شمال واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، لهجوم مِن قِبَل مجموعات مسلحة مجهولة يوم الأحد 14 نوفمبر.

 

ويعتبر هذا الهجوم الأخير أكثر الهجمات دمويةً تعرَّضت له القوات في بوركينا فاسو منذ اندلاع الأعمال الإرهابية التي تقودها مجموعات مسلحة في عام 2017م وفقًا لوكالة رويترز للأنباء. كما تعرضت مفرزة من الدرك للهجوم في نفس اليوم في كيلبو شمال بوركينا فاسو؛ لكن ماكسيم كوني، وزير الأمن، أشار في بيان أن "مقاومة الجنود والمتطوعين للدفاع عن الوطن تمكَّنت من صد المهاجمين"، مضيفًا "تمكنت قواتنا من الحصول على موطئ قدم في مسرح العمليات بعد هذا الهجوم، وتستمر عملية التمشيط مع أخذ حجم هذه المساحة بعين الاعتبار''، بحسب حديث الوزير في إذاعة محلية.

 

إنذار المعارضة:

تجدر الإشارة إلى أن الهجمات المتكررة أثارت حفيظة شريحة كبيرة من سكان البلاد؛ حيث بدأت الأصوات تتعالى في البلاد للتنديد بما يصفونه بعجز الحكومة عن ضمان سلامة السكان، فضلاً عن أن المعارضة أعطت الرئيس كابوري مهلة شهر واحد لإيجاد حلول قبل أن تطالب باستقالته.

 

ووفقًا للدستوري في بوركينا فاسو، عبد الكريم سيدو، تتمتع "المعارضة بحقوق قانونية تقليدية؛ مثل حق تنظيم المظاهرات، وحرية التعبير، أو حتى اقتراح حَجْب الثقة في البرلمان، والباقي يتوقف على ميزان القوى؛ حيث لا يمكن للمعارضة وحدها إجبار الرئيس على الاستقالة دون مشاركة المجتمع المدني كما حدث في 2014"؛ على حد تعبيره.  

 

ومن جانبه وجّه زعيم المعارضة، إيدي كومبيوغو، أصابع الاتهام إلى الرئيس كابوري بالتخلي عن المواطنين ومصيرهم في مواجهة الجماعات المسلح، مشيرًا إلى أن "الحصيلة الكلية مروعة؛ حيث لقي أكثر من 2000 مصرعهم وتهجير العديد من الأُسَر التي تعيش في حالة من عدم الاستقرار واللامبالاة التامة؛ فضلاً عن معاناة قرابة مليوني نازح داخليًّا من الجوع وإغلاق أكثر من 2500 مدرسة، ونزول أكثر من 400 ألف طالب إلى الشوارع، واختناق الأسواق والاستيلاء على الماشية دون أدنى إجراءات انتقامية''؛ يتأسف السياسي.

 

الدعوة إلى الوحدة الوطنية:

عقد الحزب الحاكم، أمام تصاعد الاحتجاجات، اجتماعًا للمكتب السياسي الوطني دعا فيه الحسن بالا سكندي، رئيس حزب الحاكم MPP (الحركة الشعبية من أجل التقدم) أولاً إلى الوحدة قبل الرد على انتقادات الموجهة إلى السلطة القائمة. وفي هذا السياق أشار إلى أن "من الممكن بناء هذا البلد معًا، والعمل المشترك للحفاظ على مكانة هذا البلد... واجهت بوركينا فاسو تحديات وظلّت تعاني دائمًا من التحديات منذ عام 1974، 85، الانتفاضة الشعبية والانقلاب الفاشل، ومع ذلك لا تزال وبوركينا فاسو صامدة''؛ بحسب رئيس الحزب الحاكم.

 

ومن جهته دعا رئيس الجمهورية روش مارك كريستيان كابوري، في تغريدة له على تويتر، مواطنيه إلى "البقاء متحدين وصامدين في مواجهة قوى الشر التي تفرض علينا حربًا بلا هوادة... وأشيد بذكرى القوات المسلحة الباسلة الذين سقطوا في ميدان الشرف، مع أخلص التعازي لذويهم"؛ حسب ما ورد في تغريدة الرئيس في 15 نوفمبر 2021م على تويتر.

 

وفي هذا السياق شرع رئيس الدولة، في الشهر الماضي، بإعادة تنظيم الجيش من خلال استبدال رئيس أركان جيش بوركينا فاسو، وجاءت عملية إعادة الترتيبات المعنية في أعقاب هجوم أودى بحياة 14 جنديًّا. وفي غضون ذلك اتهمت الأغلبية في الحزب الحاكم المؤيد للرئيس المعارضة بالاستغلال السياسي لقضيةٍ تتطلب الوحدة الوطنية، وجاء على لسان رئيس الحزب الحاكم، السيد ساكاندي، أن "في الوقت الحاضر، نسمع أناسًا يتنبؤون بالطامة الكبرى لبلدهم، وأشعر بالخجل والضجر من مواقفهم؛ لكن شيئًا من هذا القبيل لن يحدث في بوركينا فاسو''؛ يتأسف السيد ساكاندي.

 

لِنُنْقِذ بوركينا فاسو:

 إن مشاطرة بعض منظمات المجتمع المدني مخاوف المعارضة أدَّت إلى إعلان إنشاء حركة جديدة تحت اسم "لِنُنقذ بوركينا فاسو"، وأشار مارسيل تانكونو، المتحدث باسم الحركة المذكورة، إلى أن منظمة "لِنُنْقذ بوركينا فاسو" ستنطلق للمطالبة بمزيد من الأمن لمواطني بلد الرجال الشرفاء.

 

مضيفًا "لا يمكن لضميرنا كإنسان ومواطن مُحِبّ للسلام والأمن أن يظل غير مكترث من معاناة القرى المنكوبة وتشرّد السكان، ومواجهة بؤس شعوبنا، وانعدام الأمل لديهم؛ لذا قرّرنا أخذ زمام المبادرة. نحن مدفوعون بنوايا ثابتة للعمل مع جميع الأطراف المعنية من أجل التحرير الكامل لبلدنا من هذه المعاناة التي أصبحت لا تُطاق ولا يمكن تحمّلها"؛ على حد قوله.

 

وضع أمني مثير للقلق:

تواجه بوركينا فاسو أزمة أمنية متزايدة الخطورة على غرار العديد من جيرانها نتيجة شنّ الجماعات المسلحة اعتداءات وعمليات خطف في معظم أنحاء المنطقة. وفقًا لإحصاءات نشرها جيش بوركينا فاسو في 1 نوفمبر الجاري، أنه قد قُتِلَ 478 جنديًّا (جنودًا ودركًا) منذ بدء الهجمات في عام 2015م. لكن أكثر الهجمات دموية في العام الحالي تمثلت في الاعتداءات على قرية الصلهان، في جون 2021م، التي تتصدَّر قائمة الأعمال الإرهابية وحشية؛ حيث خلص إحصاء عدد الضحايا لتلك المجزرة إلى 132 ضحية معظمها من المدنيين.

 

فيما ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أنَّها وثَّقت انتهاكات مِن قِبَل الجماعات المسلحة والقوات الحكومية، عطفًا على إجبار العديد من المدارس على إغلاق الفصول الدراسية؛ بسبب السياق الأمني الهشّ.

 

وتجدر الإشارة إلى أن منطقة الساحل تعرضت لأزمة منذ احتلت الجماعات الإرهابية المسلحة أجزاءً كبيرة من شمال مالي في عامي 2012 و2013م، وظلت هذه القوات الدخيلة تشتبك مع جيوش مالي وتشاد وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو داخل مجموعة الساحل الخمس لمحاربة المسلحين الناشطين بشكل خاص في المنطقة المعروفة باسم "الحدود الثلاثة" على حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

 

وقد أدَّى العنف إلى النزوح القسري لـ 3.4 مليون شخص بما في ذلك أكثر من 700000 لاجئ ومشرد داخليًّا في العام الماضي، وتُعتبر دولة بوركينا فاسو، وفقًا لـHCR (المفوضية السامية لشؤون اللاجئين) الأكثر تضررًا؛ حيث بلغ عدد النازحين من الرجال والنساء والأطفال أكثر من 1.4 مليون نازحًا داخليًّا.

*بقلم: بابا أتو دياو وسيمون كونجو*