بشير العبيدي يكتب: إنصاف الغربيين وإنصات الشرقيين

اثنين, 02/08/2021 - 20:32

أقرأ تدوينات كثيرة في المواقع الاجتماعية، ينسب ناشروها إلى "أستاذ" فرنسي، و"بروفسور" أمريكي، و"عالم" ياباني، و"مهندس" ألماني وباحث "كندي" اقتباسات يعتبرون أنها "تنصف" المسلمين ودينهم وإيمانهم وثقافتهم وعوائدهم، ويدرجون ذلك ضمن "الإنصاف" و"الموضوعية"، و"التحقيق العلمي المحايد".

ولو دققنا في حقيقة هذه "الاقتباسات"، إن صحّت، ولو تأملنا في سبب حرص بعضنا على نشرها بكل سرور وابتهاج، لوجدنا خلف ذلك أشياء وأشياء.
وذلك أن أساتذة الأمم المستقرة المتمكنة "وبروفيسوراتها" وعلمائها ومهندسيها وباحثيها، ممن يطلعون على ثقافة العرب والمسلمين وأفكارهم، عددهم في الجملة قليل، وهم -علاوة على ذلك - إن اطلعوا، فإنما يفعلون ذلك - على الأغلب - بدافع تقوية أممهم وإحراز قصب السبق في تحقيق مسافة فارقية تمنع الأمم الأخرى من اللحاق بهم، أو ليثيروا اهتمام أممهم لضرورة الاستفادة من "الغير"، حتى لو كان هذا "الغير" أمة المسلمين التي لا ترى في الغالب إلا بعين الاستصغار.

نعم، قد ينصفنا كاتب في جملة أو جملتين، وقد نلتقط هذه الفكرة ونفرح بها مثل ذاك الذي يعاني من مركب نقص ويسره جدا أن يشهد له "سيده" وينوّه له، لكنني ألح على مسألة غاية في الأهمية تسكن عقول النخبة في الأمم المستقرة والمتمكنة، وهي قولهم سرا وجهرا: إن قيمة الأفكار والعقائد والثقافات والعوائد يجب أن تظهر -وجوبا - كإنجاز ملموس في المجتمع الذي يتبناها.

وهكذا، فإذا كان المسلمون يؤمنون بالشورى، فالترتيب المنطقي هو أن تكون مجتمعاتنا المسلمة هي أكثر المجتمعات شورى. وإذا كان المسلمون يؤمنون بالسلم، فالمفترض أن تكون بلاد المسلمين هي عناوين السلم والأمن وإليها يهرع الخائفون من كل حدب وصوب. وإذا كان المسلمون يؤمنون بإكرام الإنسان، فالواجب أن يكون الإنسان مكرّم مبجّل في مجتمعات المسلمين، حتى يعرف العالم أن بلاد الإسلام هي بلاد الكرامة. وإذا كان المسلمون يؤمنون بالعدالة في توزيع الثروة، فالمفترض أن الناس ينالون حظوظهم بناء على إيمانهم بهذه القيمة. وهلمّ...

لأجل هذا، فالأفكار والمعتقدات والعوائد يقيّمها العالم الذي نعيش فيه من خلال مؤشرات قابلة للقياس. وهذا ليس جديدا. ذلك أن مجتمعات المسلمين استطاعت أن تحدث الفارق في العالم في ما مضى من الزمان، بناء على جودة ما قامت به المجتمعات من عمل، وحين رأى الناس ذلك ارتموا دون تردد في أحضان الفاتحين المسلمين، لأنهم رأوا المنجزات على الأرض، ولم يقرؤا ذلك في القراطيس والكتب.

ولعل هذا ما يدفعني إلى القول، إن الاعتماد على أقوال نخبة الأمم المتمكنة والمستقرة في معرض "إثبات" أن "الآخر" يعترف لنا "بشيء"، هو ضرب من الغش لأنفسنا، نريد أن نفرح بمقولة هنا، وملاحظة هناك، لأن ذلك يساهم في إطفاء "عطش" جماعي للاعتراف، في عالم لا يعترف أبدا إلا بالأمم القوية المتماسكة المترابطة والمتضامنة.

لا مكان في هذا العالم للضعفاء. والضعفاء ليسوا أولئك الذين لا يملكون ثروات بشرية ومادية. الضعفاء هم الذين لم يفهموا بعد أن القوة هي جمع الضعف إلى الضعف، ولم يفهموا أن القوة تختلف اختلافا جذريا عن العنف. العنف عمى. والقوة هي حبل مفتول من خيوط ضعفنا.

ولعل الإنصات إلى ذواتنا في عمقها المعرفي والقيمي، ومغادرة السجون المعرفية، وترك الحروب المذهبية والسياسية، والانصراف إلى إملاء شروط لقياس الأداء في كل شيء هو المعوّل عليه للخروج الجماعي من محنة شعور غائر بالنقص تجاه "الآخر المتغلب. ولله الأمر.

بشير_العبيدي | جمادى الآخرة 1442 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تصْنَعُ أمَلًا