موريتانيا: جدل حول نسبة أقدم نص شعري في البلاد (فيديو)

خميس, 01/21/2021 - 09:44

تعيش الساحة الثقافية في موريتانيا جدلا وسجالا حول نسبة أقدم نص شعري فصيح معروف في البلاد، وهو القصيدة القمحية التي تشتهر بنسبتها إلى العالم الشيخ محمد قلي  الذي يعتبر  الجد الجامع لأحد أكبر القبائل الموريتانية في البلاد.

ونشر الباحث والفقيه اللغوي محمد ولد بتار توضيحات نقلها عن الدكتور محمد المختار ولد اباه، أكد فيها أنه سيراجع موقفه السابق من الشك في نسبة القصيدة إلى الشيخ محمد قلي، وسيدرج إثبات النسبة في الطبعة القادمة من كتابه الشعر والشعراء في موريتانيا.

وكان الأستاذ الجامعي المقيم في السعودية الدكتور المختار الغوث، قد نشر مقالا تفصيليا في الرد على الشيخ محمد بتار الذي تناول في منشور سابق قضية الارتياب في نسبة القصيدة المذكورة، للشيخ محمد قلي 

وجاء في مقالة الدكتور الغوث: 

المخطوط وما إليه

نشر الشيخ محمد بن بتار بن الطلبة، الأستاذ بجامعة شنقيط العصرية والمدرس بمحضرة النباغية، يوم 13يناير 2021 م على صفحته في الفيس بوك مخطوطا للقصيدة التي أولها:

الحمد لله ما دام الوجود له حمدا يبلغنا منه الرضا أبدا

ولم يعلق عليه، فلما سئل عن القصيدة: لمن هي؟ قال إن صاحب المخطوط نسبها إلى الحسن  اليوسي، ووضع حول العبارة التي تدل على ذلك في المخطوط مستطيلا أصفر. فأفهمَ أن نشْر المخطوط كان في سياق النقاش الدائر هذه الأيام في نسبة القصيدة. وقد اتسمت ردود الشيخ على محاوريه بالأدب، والإنصاف، والاحتراس من الجزم بأن القصيدة لليوسي، كما فعل صاحب المخطوط، بل قال إن "المشهور أنها للإمام محمد قلي بن إبراهيم البكري -رحمه الله-، لكن هذه الوثيقة الموجودة في المكتبة الفرنسية تنسبها للعلامة الحسن اليوسي -رحمه الله-". وأقرَّ بأن وجودها كاملة في هذه الوثيقة، ووجود أبيات منها في "مجربات" الديربي لا يمكن أن يكون مستندا للقطع بنفيها (عن محمد قلي)، ولكنه نشرها توضيحا لسبب ارتياب الشيخ محمد المختار بن اباه في نسبتها إليه، وأنه كانت له أسباب منطقية واضحة. أي إنه ما أراد بنشر المخطوط إنكارها لمحمد قلي، ولا إثباتها لليوسي، وإنما أراد ليبين أن للشيخ عذره في الارتياب. وللشيخ محمد عذره، ولارتياب الشيخ محمد المختار مسوغاته، كائنة ما كانت. صحيح أن الدكتور محمد المختار ربما لم يكن قد اطلع على "المجربات" يوم أبدى شكه؛ لأنه كتاب شعبي، ما يتوقع أن يعنى هو وأمثاله بأمثاله، وأنه كان يمكن -إذ اطلع عليه- أن يقدِّر أن أبيات "المجربات"، مضمنة في القصيدة، أو مزيدة فيها، ويرجح ذلك أنها -من انتشارها وذيوعها في القطر- صارت كالشعر الشعبي، يزاد فيه وينقص منه، ويتصرف فيه على كل وجه، وهو ما يشهد به ما وقع في نسخها من أخطاء وتحريف. وصحيح أيضا أنه كان يمكن أن يتتبع أوليتها من ثقات علماء شنقيط، ومتى عرفت، ويسألهم عما يعرفون من صحة سندها إلى محمد قلي أو معاصريه، وما بحوزتهم من أصولها، ثم يشك أو يسلم.

ووددت لو راجع الشيخ محمد بن بتار ديوان سيدي الحسن اليوسي -نضر الله عظامه-، ليرى هل وردت فيه القصيدة؛ فيكون لما ورد في المخطوط ما يسنده، ولارتياب الشيخ محمد المختار ما ينصره، أو لم ترد فيه؛ فيكو عزوه عزو مجهول، يخالف المشهور؛ فليس أهلا لأن يعامل بغير ما يستحق، ولا أن يرفع منه ما لا ينبغي أن يرفع؛ فغرض البحث العلمي معرفة الحقيقة، والهداية إليها، لا تسويغ ريب الباحثين. والقصيدة لم ترد في ديوان اليوسي المخطوط، ولا في شيء مما أتيح لي الاطلاع عليه من كتبه، كـ"المحاضرات"، و"الرسائل"، و"زهر الأكم"، و"الفهرسة". والديوان هو مظنة أشعار اليوسي، والاعتداد به والتعويل عليه أولى من الاعتداد بقول مجهول، ولو صح أنه من أهل سوس؛ فربما وهم، وربما التبست عليه بقصيدة لليوسي، يقرب موضوعها من موضوعها، أو تشتركان في شيء كالقافية، ولليوسي قصيدة مشهورة، تسمى دالية اليوسي، أولها:

عَرِّجْ بِمُنْعَرَجِ الهِضَابِ الوُرَّدِ  بَيْنَ اللِّصَابِ وَبَيْنَ ذَاتِ الأرْمَدِ

وإن لم يكن موضوعها وموضوع قصيدة محمد قلي واحدا، لكن الوهم قد يحمل على هذا ونحوه. ثم إن المخطوط يشتمل على أبيات "المجربات" التي كانت سبب ارتياب الشيخ محمد المختار، وكان ينبغي أن يشكك الشيخَ محمدا ورودُها فيه في نسبتها إلى اليوسي كما شكك الشيخ محمد المختار في نسبتها إلى محمد قلي، ودواعي الشك هاهنا ليست بأضعف من دواعيه هنالك (خلو ديوان اليوسي منها). وسوس شمالي موريتانية وعلاقة شنقيط بها وبالمغرب مظنة أن يكون أهل شنقيط أعرف من أهل مالي بأدبها. هذا إلى أن ما في القصيدة من اختلال عروضي، وأخطاء لغوية، نحو: ثم الصلاة على خير الورى أحمدا، يا خير من مدت إليه يدا، فبحر جوك يروي كل من يردا، سيئات ما لها عددا، ما سلمت مني من النار روح لي ولا جسدا، إلخ، يكثر مثلها في نسخ القصيدة المتداولة في موريتانية، ولا سيما شرقيها، حيث تقل العناية باللغة؛ فيكثر اللحن، هذا كله مما يمكن أن يستدل به على أن مصدرها موريتانية، لا سوس؛ فإنَّ توافُق نسخ المخطوط في الأخطاء مظنة أن تكون إحداها مستنسخة من الأخرى، أو تكون كلها مستنسخة من أصل واحد. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

 

 

عن الشعر والشعراء: الشيخ محمد ولد بتار ولد الطلبة

 

 

حديث الشعر والشعراء

في حديث مع الشيخ الوالد محمد المختار ولد اباه عن كتاب الشعر والشعراء تعرض فيه لصعوبة العمل المعجمي وما يعترض الباحث فيه من عقبات منهجية يعسر التخلص منها تركز الحديث حول مسألتين

إحداهما أن الكتاب لم يتضمن ذكرا لبعض مشاهير الشعراء الشناقطة كالشاعر الفائق محمد ولد ابنو ولد احميدا -مثلا- وذكر الشيخ هنا أن ذلك ناشئ عن تناهي المجال الزمني للدراسة عند نهاية العقد الثالث من القرن الرابع عشر الهجري كما هو مبين في مقدمة الكتاب.

ولو افترضنا أن المجال الزمني يشمله فإن السهو عن ذكره مع استحقاقه الذكر أمر وارد جدا ،فقد خلا كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني من ذكر الشاعر أبي نواس رائد المولدين مع أنه ذكر من دونه في الشعر والشهرة ،فاستدركه ابن منظور .

ولم يترجم البرتلي في فتح الشكور للعلامة الطالب محمد بن الأعمش مع شهرته العلمية الفائقة ،وقد اكثر من العزو إليه في كتابه ،فسبحان من لا ينسى.

وفيما يتعلق بالجدل الدائر حول قصيدة الإمام الولي الصالح المؤسس محمد قلي بن إبراهيم البكري رضي الله عنه ذكر لي الشيخ الوالد أنه ألف هذا الكتاب سنة ١٩٦٧ وأورد فيه أبياتا من هذه القصيدة وعبر عن ارتيابه في نسبتها لأنه لم يطلع عليها كاملة يومئذ ، وذكر لي أنه سأل أحد علماء الأقلال - لم يصرح باسمه - عن نسبتها فأجابه بأنه وجدها في مصدر قديم منسوبة لغيره.

قال الشيخ الوالد محمد المختار في حديثه : وأؤكد الآن أنه لا يمكنني إنكار نسبة القصيدة ولا حجب الشمس ولا بلوغ السماء، وللأسف لم أطلع على مراجع الذين سبقوني وحكموا بأقدميتها بالنسبة لعهد الإمام محمد قلي.

وقبل نحو أسبوعين بعث إلي الصديق يحيى ولد حدمين الوزير الاول السابق بوثائق تثبت نسبتها للإمام محمد قلي فكان جوابي التعبير عن أهمية هذه الوثائق، وذكرت له أنني سوف أنشرها في مجلة جامعة شنقيط العصرية.

لكنني لاحظت أن الجواب الذي بعثته للوزير الأول لم يعتبر شافيا في الموضوع.

ورأيت أن بعض الباحثين الذين اهتموا بمصادر القصيدة تحدث عن وثيقة تنسب القصيدة الى الحسن اليوسي رحمه الله.

وأورد الشيخ ملاحظات على الوثيقة التي تنسب القصيدة للحسن اليوسي معربا عما تحصل بشأنها ،فقال :

أولا: اعتقد أن القصيدة المنسوبة لليوسي تختلف عن شعره أسلوبا وليست موجودة في ديوانه.

ثانيا: أنني لاحظت وجود ستة أبيات ليست من القصيدة منها أربعة رأيت أنها تنسب الى عمارة اليمني وعبد القادر الجيلاني واظنها أقرب إلى الاخير، وفيها بيتان آخران تغير راويهما في القصيدة وهما مشهوران للشيرازي:

لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا...الخ

ثالثا: بما أن القصيدة تحتوي على ٤٣ بيتا فإذا حذفت منها ست أبيات فالباقي يمثل قصيدة كاملة اعتقد أن نسبتها صحيحة للامام محمد قلي.

وفيما يتعلق بنسبة القصيدة للإمام محمد قلي ،ومكانة قبيلة الأقلال بصفة عامة عنده قال : إن نسبة القصيدة للإمام لا يحتاج لها الإمام لمكانته المرموقة المعروفة العلمية والمعرفية.

وأرجو أن لا يعتقد أحد أيا كان أن مكانة قبيلة الاقلال أرقى في نفسه مني، فهم أخوالي ونعم الأخوال

خالي لأنت ومن جرير خاله

ينل العلاء ويكرم الأخوالا

وفي ختام الحديث أكد الشيخ محمد المختار أنه بعد هذه التحريات قرر أن يزيل الارتياب في نسبة القصيدة للإمام محمد قلي من الإصدار المقبل لكتاب الشعر والشعراء.

العلامة الشيخ محمد ولد بتار الطلبة