العرب في التشاد ...أحفاد العباسيين الذين يصارعون من أجل حماية لغة القرآن

سبت, 12/19/2020 - 00:45

خاص ريم آفريك -من بغداد الفيحاء ذات النخيل والمنابر والظلال هاجرت مجموعة من العباسيين أحفاد سيدنا العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد انهيار مملكتهم إلى فجاج متعددة من العالم، واستقرت منهم فئات متعددة في مناطق، كانت من بينها أرض التشاد، حيث توزع أحفاد العباسيين وبنو عمومتهم من آل البيت الشريف في قبائل وأقاموا حضارة إسلامية وقفت شامخة لقرون في مواجهة عاتيات الظروف والأزمنة.

هكذا يتحدث العربي التشادي عن نفسه، وهو يفتخر بانتسابه الشريف، وبنضاله من أجل اللغة العربية التي انتزعتها من سيادتها اللغة الفرنسية التي تعتبر اليوم اللغة الرسمية واللسان الأهم للتعليم، والسلطان الثقافي في أرض التشاد.

وتتعايش في التشاد أكثر من مئة لهجة تتحدثها أكثر من 200 قبيلة، وتظل اللغة العربية وفروعها من اللهجة المحلية، هي المسيطرة والغالبة على أغلب التواصل اللغوي واللساني في التشاد.
وتبقى الفرنسية هي المنافس المؤلم للغة العربية، حيث تسيطر على المكاتب والمؤسسات والوثائق الرسمية.

فرنسا والحرب على اللغة العربية في التشاد

يؤكد الأديب والكاتب التشادي مختار وديعة الله أن اللغة العربية كانت قبل الاستعمار الفرنسي هي الأساس الثقافي ولغة العلم والمعرفة بالنسبة للمسلمين في التشاد، وهم الأغلبية.

كان الوضع التشادي قبل الاستعمار شبيها بمختلف ما تعيشه أقطار العربية والإسلامية، وقد توزعت حكم التشاد ثلاث ممالك إسلامية هي مملكة وداي، ومملكة كاينبورنو، ومملة باركمي، وكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية في مراسلات هذه الممالك الثلاثة وعلاقاتها مع مختلف الحواضر الإسلامية.
وقد ركز الفرنسيون على محاربة اللغة العربية في التشاد، مستخدمين أبشع وسائل العنف المادي والثقافي.
ويذكر التشاديون بكل ألم مجزرة كبكب التي ذبح فيها الفرنسيون أكثر من 300 من علماء الشريعة واللغة العربية، مستخدمين السواطير في قطع رؤوس حملة الشريعة وحماة القرآن.
كما حارب الفرنسيون المدارس الإسلامية، وحاصروا العلماء ومنعوهم من التدريس.
وفي مرحلة لاحقة بدأ الفرنسيون تنصيب جمهور من أذياله والمتعاونين معه، وبدأ إرغام المواطنين على إدخال الأطفال في المدارس.
ويذكر الأديب والباحث التشادي مختار وديعة الله أن سكان الشمال التشادي كان ينقلون أطفالهم ليلا إلى الغابات خوفا من أن يأخذهم الفرنسيون إلى المدرسة، معتبرين أن كل من يدخل المدرسة الفرنسية سيتحول إلى "الكفر الفرنسي"
ورغم الرفض العام للتعليم الفرنسي، فقد استطاع الاستعمار صناعة نخبة خاصة من المتفرنسين وخصوصا من الجنوب المسيحي

غلام الله ...شهيد اللغة العربية

استلم الرئيس الشهيد أحمد غلام الله الحكم في بلاده، سنة 1958 بعد الرحيل الإسمي لفرنسا عن حكم التشاد، وبدأ الرئيس المسلم غلام الله مسارا سريعا لإعادة التشاد إلى السكة العربية من خلال تعريب التعليم والإدارة وسرعان من أطاح به عملاء فرنسا وأنصارها، بعد أقل من شهر من اتخاذه قرار التعريب وسعيه إلى تطبيقه.

وبعد سقوط نظام غلام الله بدأت الفرنكفونية تعزز وجودها في التشاد بعد سيطرة رئيس جنوبي ينتمي إلى الأقلية المسيحية في البلاد.
وقد استطاع الرئيس الجنوبي أن يقضي على وجود اللغة العربية في التشاد عبر برنامج متدرج من التهميش، ظل ينقص من وقت وقيمة ومضامين التدريس باللغة العربية.
وطوال حكم الرئيس فرانسو تومبالباي كانت وزارة التربية والتعليم في التشاد محرمة على المسلمين، فلم يتول أحد منهم هذا المنصب الذي يوجه السياسية التعليمية والثقافية في البلاد

ثورة فورلينا ... حرب من أجل العربية

اندلعت ثورة فورلينا سنة 1974 بعد مظاهرات صاخبة لبعض النخب الإسلامية والعربية التي احتجت على التهميش والإهانات المتكررة، وقد أدى القمع الشديد الذي واجه به الرئيس المسيحي ثورة الشمال إلى اندلاعها بقوة وتوسعها واستمرارها لمدة خمس سنوات، قبل أن تبدأ حقبة جديدة مع الرئيس الديكتاتور حسين هبري.

ولم يكن حكم هبري الذي اسبتشر به مسلمو التشاد أحسن من نظام الرئيس المسيحي، حيث واجه المستعربون في فترته كثيرا من الإهانات والعدوان الثقافي، وتعرض بعض النشطاء العرب إلى السجن بسبب مطالبتهم بإنشاء شهادة الثانوية العربية.

التشاد اليوم ...نضال من أجل لغة القرآن

بعد سقوط نظام حسين هبري وفراره من البلاد، وسيطرة الجنرال إدريسي ديبي إتنو على الحكم، بدأت ملامح جديدة من الاهتمام باللغة العربية عبر اعتمادها لغة ثانية إلى جانب الفرنسية، وفق نص الدستور وإنشاء جامعة الملك فيصل الإسلامية التي كانت تدرس اللغة العربية وبعض العلوم الإنسانية قبل أن تتوسع بعد ذلك إلى بعض العلوم التجريبية مثل الطب والرياضيات والمعلوماتية.

من أجل تعريب الإدارة

يسعى وديعة الله ورفاقه من المستعربين والعلماء التشاديين إلى تثبيت اللغة العربية وتفعيل ترسيمها الدستوري، لتكون ندا قانونيا ومساويا للغة الفرنسية.
ووفق تقييم أصدرته سفارة فرنسا في التشاد سنة 2013 فإن انهيار التعليم في التشاد سيؤدي مع الزمن إلى محو الثقافة الفرنسية، وتتخوف الدبلوماسية الفرنسية من أن التعليم العربي الذي يتعزز في التشاد سينمي مشاعر الكراهية ضد باريس وقد يؤدي إلى "التشدد"

ورغم هذه المخاوف فإن قبضة الفرنسية لا تزال محكمة على العنق الثقافي واللغوي في بلاد العباسيين.
أبرز المؤسسات العربية في التشاد
يشكو التشاديون من ضعف التعليم العربي في بلادهم، خصوصا أن الدولة التشادية لم تبن في تاريخها في أي مدرسة للعربية، ويتولى السكان من تلقاء أنفسهم بناء هذه المدارس وتمويلها وتأهيل طلابها بعد ذلك للولوج إلى التعليم الثانوي المفرنس.
ويمثل طلاب المدارس العربية الابتدائية حوالي 10% من طلاب الابتدائية في التشاد.
وفي المستوى الجامعي تعتبر كلية سبها التي أنشأها العقيد القذافي قبل سنوات أهم مؤسسة عربية جامعية تدرس مختلف الفنون المعرفية المدرسة في المستوى الجامعي
وإلى جانب كلية سبها، تبرز كلية الدراسات العربية التي أنشأتها ليبيا أيضا وهي متخصصة في الدراسات اللغوية والشرعية، إضافة إلى جامعة الملك فيصل التي يتوقع أن تفتح قريبا كلية الطب باللغة العربية.
وفي جامعة انجامينا الرسمية توجد نظام ثنائي عربي وفرنسي، يدرس نفس المواد باللغتين، وهو نفس الأسلوب التي تعتمده جامعة آدم بركا الرسمية هي الأخرى.
وتعترف الحكومة التشادية بأن "العربفون" وهم الدارسون باللغة العربية أفضل مستوى وقدرة تحصيلية من الطلاب الفرنكفونيين.
ويواجه المستعربون في الشمال المالي، أزمة البطالة، التي دفعت كثيرا من الأسر إلى إرسال أبنائها الذكور إلى المدارس الفرنكفونية سعيا إلى التوظيف، مما جعل أغلبية طلاب المدارس العربية من فئة النساء.

مؤتمر الثنائية اللغوية ...آفاق نهضة متوقعة

تستعد التشاد لإقامة مؤتمر الثنائية اللغوية، وذلك إثر المطالبات المتزايدة بمراجعة مسار الفرنكفونية، ويأمل العرب التشاديون أن يؤدي هذه المؤتمر إلى تعزيز الهوية العربية والإسلامية ومنحها مزيدا من الترسيخ والتوسع في الإدارة والتعليم.
ويرى مثقفون تشاديون أن الرئيس الحالي إدريس ديبي ليس عدوا للغة العربية بل يظهر في أحيان كثيرة حرصا على ترسيخها، لكنه أيضا ليس مبالغا في التحمس لها.
ورغم سيطرة الفرنكفونية، فإن مساحة العربية تزداد مع الزمن وأعداد الدارسين لها في ارتفاع، كما أن التدرج والمرونة التي تطبع عمل الهيئات والمؤسسات العربية في التشاد تحصد مع الزمن نتائج مبهرة في مقابل تراجع متزايد لمخرجات التعليم الفرنسي في بلاد أحفاد العباس