مفتش الدولة السابق : الفساد رافق الدولة الموريتانية وتعزز منذ العام 1979 (مقابلة)

اثنين, 12/23/2019 - 13:03

في سنة 2008 استقال الخبير القانوني محمد آبه ولد الجيلاني من منصبه مفتشا عاما للدولة احتجاجا على الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، غادر الدكتور الجيلاني مفتشية الدولة بعد أن وضع لبنات قوية في بنائها المؤسسي وفي مهامها الرقابية.

يتحدث  محمد آبه ولد الجيلاني في مقابلة خاصة مع موقع ريم آفريك عن مسيرة الفساد في موريتانيا وعن أهم مراكزه وكذا عن المنظومة القانونية للبلد.

 

ريم آفريك :  قبل أسابيع نشرت محكمة الحسابات تقاريرها التي كشفت عن جزء من ممارسات المسؤولين تجاه المال العام ماهو تقييمكم لهذه التقارير ولتوقيت نشرها؟

محمد آبه الجيلاني :  تقييمي لإفصاح محكمة الحساب عن تقاريرها  أنه مجرد التزام بالقانون المنظم لعملها، نظرا لنصه على وجوب نشر تقارير التفتيش بعد إطلاع رئيس الجمهورية والبرلمان، وهي خطوة تنم عن إدراك هذا الواجب والقيام به.

وكما وصفتم فهي كشفت عن فساد كبيرة ينخر قطاعات واسعة من أجهزة الدولة، وتجاوزات متعددة، وهي جميعها أخطاء تسيير، وبعضها يمكن أن يصنف في دائرة الاستيلاء على الأموال العامة، وبعضها يدخل في سياق التربح من المال العام، وقد حاولت محكمة الحسابات أن تذكر بالأخطاء ومسؤوليات المسيرين كما حاولت أن تحارب الفساد من خلال إجراءات من صميم عملها، وهي إجراءات استعادة الموارد التي ضاعت بسبب الفساد.

وقد قامت المحكمة بإطلاع رئيس الجمهوية ثم البرلمان على التقارير، ومن ثم قامت بنشرها التزاما بقانون الإفصاح الذي يؤطر عملها.

 

ولكن يمكننا أن نقول إن المحكمة تأخرت كثيرا في الإفصاح عن هذه التقارير ولعل ذلك يعود إلى صعوبة إعداد التقارير السنوية.

 

ريم آفريك : هل يمكننا الحديث عن بدايات للفساد في موريتانيا وعن مساره والعوامل التي تدفع إليه؟

الفساد ظاهرة مصاحبة للمجتمعات البشرية وخصوصا المجتمعات المنظمة، وموريتانيا ليست دولة محصنة ضد الفساد، وعمليا كانت أول محاكمة كبرى لمتورطين في قضايا الفساد سنة 1977،

وحتى الإدارة الاستعمارية كان فيها فساد وممارسات سوء تسيير لكنه كان أقل من مما حصل مع الدولة الوطنية، التي شهدت ظواهر فساد مع بدايتها قبل أن تخف وتيرته جدا، لتعود بقوة منذ العام 1979 إلى الآن.

 

ولهذا التصاعد أسباب من بينها

ضعف أجهزة الرقابة، ووفرة الأموال العامة، وتراجع إلى انعدام الوازع الأخلاقي في كثير ممن تسند إليهم الوظائف العامة، زيادة على أن المسؤولين عن التسيير يعينون دائما خارج المساطر الإدارية والقانونية الطبيعية، وهو ما يرفع أشخاصا غير مؤهلين ولا يملكون أي كفاءة ويجعلهم مسؤولين عن تسيير الموارد والأشخاص دون أن يكونوا قد تربوا في مسار إداري وقانوني أو أقسموا على يمين للأمانة والوفاء، وهذا ما قد يفسر انتشار الفساد في المجتمع.

 

ريم آفريك : حدثونا عن فترة عملكم مفتشا للدولة، وعن أهم قضايا الفساد التي واجهتم وتعامل السلطة مع عملكم؟

 

عندما كنت مفتشا عاما للدولة، كانت هنالك حكومة مدنية ورئيس مدني منتخب، ولما عهد إلي بقيادة المفتشية العامة للدولة حاولت أن يقوم عملها بشكل مؤسسي، شمل

وضع برنامج عمل سنوي

إعداد نظام داخلي للمفتشية، تقوم بموجبه فرقة التفتيش بعد حصولها على إذن التفتيش، وبعد إنهاء مهمتها الميدانية تعد تقريرا أوليا، تتم مناقشته على مستوى المفتشية مجتمعة، ثم يصدر تقرير أولي ويتم إرساله إلى الجهة الخاضعة للتفتيش، وبعد أن ترد عليه يتم الانتقال إلى مجموعة من الإجراءات منها

إعداد التقرير النهائي الذي يرسل إلى الجهة التي خضعت للتفتيش، ثم إلى رئيس الجمهورية، والوزير الأول، ثم بعد ذلك يتم جرد مواضع الاختلالات، وجدولة ما يترتب عليها من إجراءات وعمليات، حتى يكون للتقارير معناها.

كما أن المفتشية قامت بإصلاحات نوعية، وذلك بناء على أن هنالك فسادا مؤسسيا ينبغي أن يواجه بإصلاح مؤسسي، وهنالك فساد مرتبط بالأشخاص وممارساتهم وينبغي أن يواجه بالوسائل القانونية المناسبة له، واكتشفنا في كل قطاعات الدولة فسادا كبيرا، وحاولنا قدر الإمكان أن نقوم بالإصلاحات التي يخولنا الموقع والزمن القيام بها.

وقد أخذنا الإجراءات المناسبة في الأربعة الأشهر الأولى حيث تمت إقالة بعض المسؤولين الذين ثبت تورطهم في الفساد وبدأت إجراءات رفع ملفاتهم للقضاء.

 

واكتشفنا أيضا أن هنالك معوقات للتحقيق، من بينها عدم استعداد البنوك الخاصة للتعامل مع المفتشية، وطلبنا من المحكمة العليا الفتوى القانونية هل هنالك تعارض بين القوانين المنظمة للمصارف وعمل المفتشية، وحصلنا على الرأي القانوني في 10 يوليو 2008، وحاولنا بعد ذلك إخضاع المصارف للتحقيق في سياق تتبع الموارد والمصادر المالية التي أضاعها الفساد، لكنني غادرت المفتشية بعد ذلك بقليل.

 

ريم آفريك ماهي أبرز القطاعات التي ينتشر فيها الفساد في تلك الفترة ؟

 

لم نتمكن من تفتيش كل القطاعات التي برمجنا، ولكن الفساد كان منتشرا في كل القطاعات وأخص منها، وزارة التهذيب، والطاقة، والمالية، ووزارة المياه، ووزارة التنمية الريفية، كان في كل هذه القطاعات الوزارية وغيرها من المؤسسات التي خضعت لرقابة المفتشية العامة فساد كبير وعظيم، وكان في وزارة الشؤون الإسلامية يتناسب مع حجم ميزانيتها الصغيرة، وقد كانت خاضعة للتفتيش قبل أن أستلم قيادة المفتشية.

وعموما فقد كان الفساد منتشرا في كل القطاعات، وكذلك كان في المصارف فساد كبير وتحايل، وبعض المصارف كان ينهب مؤسسات عمومية.

وعلى سبيل المثال كانت شركتا سوماغاز وصونلك كانتا منهوبتين من أحد المصارف بشكل فظيع، وهذا يؤكد أن كل المتعاونين من القطاع العام حتى ولو لم يكونوا من موظفيه يمكن أن يسهموا في إفساده وفساده.

 

ريم آفريك : هل تملك موريتانيا منظومة قانونية رادعة للفساد؟

 

بالفعل هنالك منظومة قانونية رادعة وتم تطويرها سنة 2016،بالقانون المختص في محاربة الرشوة، وكذلك باستحداث تعريف شامل للفساد، وتحديد أنواعه ودرجاته من رشوة واختلاس وتربح وتهرب ضريبي أو أخطاء تسييرية أو إدارية، والتدخل في الصفقات العمومية.

ينضاف إليها جرائم تابعة مثل إخفاء الأموال وتبييضها، وهذه ميزات إيجابية للقانون الجديد، كما حسن من وضعية القائمين أو المخبرين عن وضعية وممارسات الفساد، وهذه المنظومة كفيلة بالقضاء على الفساد إذا قيم بتفعيلها بشكل تام.

 

ريم آفريك |: هل من تقدير دقيق أو تقريبي لخسائر موريتانيا جراء ممارسات الفساد؟

لا يمكن تقديم رقم مضبوط أو تقريبي لخسائر البلد من الفساد، ولكن يمكن  لهيئات محاربة الفساد (المفتشية العامة للمالية – المفتشية العامة للدولة – محكمة الحسابات – أجهزة الرقابة الذاتية للخزينة العامة، وفي إدارة الضرائب، وإدارة الجمارك) وإذا ألزمت هذه الهيئات بنشر تقاريرها يمكن أن نحيط علما بما اكتشف من الفساد، ويصعب الإحاطة بأرقام تحقيقية لممارسات الفساد لأنه يدخل ضمن جرائم الكتمان.

 

ريم آفريك : الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز تحدى من يتهمه بالفساد، هل يمكن أن يكون هذا التحدي مؤسسا على براءة منطقية؟

 

 

 

الأصل هو براءة الذمة مالم يثبت العكس، وعلى كل حال فإن ولد عبد العزيز الذي حكم موريتانيا طيلة 11 سنة لا يمكن أن يكون بريئا براءة مطلقة، فكل جرائم الفساد التي اضطلع عليها، ولم يعاقب القائمين بها فهو مسؤول عنها مسؤولية إدارية وربما جنائية، لأنه مسؤول عن نفاذ القانون.

وهو مسؤول عن الأخطاء التي ارتكبها المسؤولون تحت إمرته، ومسؤول عن إعادة الثقة في بعض المسؤولين الذين ثبت تورطهم، وهذا فيما يتعلق بما اطلعنا عليه، وربما يكون ما خفي أعظم، وهو تحدث عن ثروته دون أن يتحدث عن أصولها ولا من أين حصل عليها، والقانون الأخير أثبت جريمة جديدة وهي الإثراء بلا سبب والإثراء غير المشروع، وإذا كان ثراء الرئيس طارئا بعد توليه للحكم، وكان نتيجة علاقة بجهات لها مصالح من إدارته للسلطة، فهذا الثراء داخل بالضرورة تحت جرائم الفساد.

 

 

ريم آفريك : استقلتم من مفتشية الدولة سنة 2008 ماهي دوافع هذه الاستقالة؟

 

لم أستقل من المفتشية بل اعتبرت الانقلاب غير شرعي، ولذلك لم أقدم استقالة إلى من لا أعترف بشرعيته، ورأيت أن الانقلاب كان أكبر فساد لأن أسبابه كانت كما عبر عنها ولد عبد العزيز هي رفضه الانصياع لقرار إقالته الذي يدخل ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا يمكن أن أعمل من أجل الإصلاح تحت سلطة أعتبرها غير شرعية.

 

ريم آفريك : شكرا