
أصدر الأستاذ الأديب محمد بن عم الأمين كتابه الجديد عن الشعر التحرري في موريتانيا من 1946 إلى 1961 وصدر الكتاب عن مجموعة ديوان الشناقطة
ويعود أصل هذا الكتاب إلى مذكرة تخرج من المدرسة العليا للأساتذة أعدها الكاتب سنة 1987 وأشرف عليها الدكتور سيدي أحمد بن الأمير يومها، وعاد المؤلف بعد ثلاثة عقود إلى إخراجها في كتاب مع تقديم من الأستاذ المشرف نفسه
وقد مهد المؤلف لبحثه بمقدمة تاريخية في مستوياتها الفكرية والسياسية والاجتماعية ويستشهد المؤلف بأبيات للشيخ محمد محمود بن أحمذيه تقدم صورة عن المحظرة الشنقيطية متأسفا على زوال كثير من نضارتها.
فأين المدارس والمعتنون
بعلم العروض وعلم السنن
فعلم الأصول وعلم الحديث
فهل يكسب القار لون اللبن
وتقرأ بالسبع آي الكتاب
ويعلم من سره ما استجن
ويرفع بالنحو قدر النحاة
ويخطئ باللحن مرء لحن
ويدرك بالحس علم البيان
لمن بقضايا البيان افتتن
مضى حاملو ذا ككل الضعاف
فاعتيض عنه بالونى والوهن
ومجد الأماجد لما ثوى
ثوى في مقابرهم واندفن
وعلى المستوى الاقتصادي يتحدث المؤلف عن أهم مجالات الاقتصاد في موريتانيا من تنمية ورعي وزارعة وممارسة للتجارة، ويورد بيتين ساخرين للعلامة المختار بن أبلول الحاجي
أول واجب على من كلفا
سيرا لسينغال حتى يعرفا
البيع والثراء والرطانة
لا العلم والأدب والديانة
وفي المجال السياسي يورد المؤلف نتفا من المشاهد السياسية من سيطرة حسان على القوة والشوكة ثم دخول المستعمر ومعاهداته مع بعض الأمراء والمشايخ وكذا مقاومته من بعض أمراء ومشايخ آخرين مستعرضا نماذج شعرية في المجال للشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيديا ومحمد العاقب بن مايابى ومحمدوحامد بن آلآ وماء العينين ولد العتيق ونصوصا نثرية للطرف المهادن مثل الشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل
في التاريخ السياسي قبل الاستقلال
في القسم الأول من الفصل الثاني يتحدث المؤلف عن الحياة السياسية قبل الاستقلال مستعرضا جوانب من القوى والأحزاب والأحداث السياسية التي كانت ناشطة قبل الاستقلال وأهمها
انتخابات 1946 والتي جاءت بموجب تعديل في الدستور الفرنسي أعطى المستعمرات حق التمثيل وقد ترشح لهذه الانتخابات أحمدو ولد حرمة ولد ببانه في مواجهة المستوطنين إيفون رازاك وسليمان جوب وقد فاز ولد حرمة في هذه الانتخابات
في سنة 1947 تأسس حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني بقيادة سيدي المختار ولد يحيى إنجاي وهو موريتاني من شريحة الولوف من مواليد أطار ولديه خؤولات ومصاهرات عديدة مع قبائل الشمال
في 1950 أسس أحمدو بن حرمة في مدينة روصو حزب الوئام، وبه خاض انتخابات 1951 ضد حزب ولد يحيى أنجاي وفاز الأخير في مأمورتين متتاليتين
في 1956 انشق عن حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني مجموعة من الشباب وأسسوا رابطة الشباب الموريتاني، كما انشقت عنه رابطة أصوليي ضفة النهر وأسست مؤتمرها الأول في دكار
وفي 1957 انشقت عن حزب الوئام جماعة أخرى في كيهيدي شكلت تنظيم التكتل الديمقراطي في غورغل
في سنة 1956 أقرت فرنسا القانون الإطاري الذي يتيح للسمتعمرات إنشاء مجلس حكومي يرأسه إداري فرنسي وينوبه موريتاني وكان هذا المنصب من نصيب الأستاذ المختار ولد داداه.
في 1958 أجرت فرنسا استفتاء تحديد المصير المعروف باستفتاء وي/ نون
وي ونون الا خيارات
والمخير ماهو مغبون
وي امحاليه في الحسنات
وامحاليه في الفظة نون
أحمد سالم ولد ببوط
عمل المختار ولد داداه بعد انتخابه وخطفه مزيدا من الأضواء على توحيد القوى السياسية خلال مؤتمر ألاك الذي اندمجت فيه كل القوى السياسية باستثناء حركة الشباب الموريتاني في حزب التجمع الموريتاني برئاسة المختار ولد داداه
في 1958 تأسس حزب النهضة الموريتاني وريثا لحركة الشباب الموريتاني وبعض مغاضبي مؤتمر ألاك واتخذ من قوله تعالى " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" شعارا وكان من أبرز القوى الداعية للتصويت بلا
في 1959 تأسس حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي في لعيون وكان مطالبا بالاتحاد الفيدرالي مع مالي ومن أبرز مؤسسيه يعقوب ولد أبو مدين، فيما تأسس في أطار حزب الاشتراكيين المسلمين ومن أبرز قادته سيد أحمد ولد كركوب
وأسس أحمدو ولد حرمة مع مجموعة من أبناء الشيخ ماء العينين جيش التحرير المدعوم من حزب الاستقلال المغربي ونفذ الجيش عدة هجومات مسلحة في ضواحي أطار قبل أن تتم محاصرته وقصفه عناصره اللاجئين إلى منطقة تكبة الجبلية وكهوف سنين كمبة في أطار.
في 1960 حصلت موريتانيا على الاستقلال
وفي 20 أغسطس 1961 انتخاب المختار ولد داداه رئيسا للبلاد، وقد نال معارضة قوية وواسعة خصوصا من معارضة الخارج المدعومة من المغرب ومن أبرز عناصرها الأمير محمد فال ولد عمير والسياسي أحمدو ولد حرمة والدي ولد سيدي بابه رحمهم الله ومحمد المختار ولد اباه أطال الله بقاءه
الشعر التحرري
نصوص واختيارات
انتخابات 1946
نالت هذه الانتخابات نصيبا وافرا من الأدب التحرري ومن بين النصوص التي أوردها المؤلف نص للأديب محفوظ بن جار الله رحمه الله
وقائلة خوفا علي دراك
عراك الورى تذكر من أهل عراك
وخذ كرنة لا تحمل النفس بينهم
تكن معهم في الرمي خدن اشتراك
فكن أحمدي الحزب تحظ وحيث لم
تكن أحمديا فانتسب لرزاك
فلا تبق مكتوف اليدين وراءهم
فقلت لها ليس الصواب بذاك
أما في الانتخابات الموالية سنة 1951
فيبتهج الحسن بن أبا الجكني رحمه الله تعالى بفوز حزب سيدي المختار ولد يحيى انجاي
لقد طلب الأقاوم الانتخابا
ففاز فريقنا والغير خابا
فنال سوى الصواب به سوانا
وصادف رأينا فيه الصوابا
فأصبح ماء مشربنا زلالا
وأصبح ماء مشربهم سرابا
وأنشد حالهم فيهم فذوقوا
فليس يزيدكم إلا عذابا
وقد رد عليه شعراء كثر من بينهم محمد محمود بن أحمذيه
وذكر الكتب من عمل النصارى
وناس صار مشربهم سرابا
إلى ناس شرابهم زلال
فظلوا مستلذين الشرابا
هنات لا تليق بشيب شيخ
جليل طالما قرأ الكتابا
إذا ما معشر حنقوا علينا
لنصرة أحمد ومضوا غضابا
فإنا ناصروه وما صحبنا
وعضدنا على زلل صحابا
أما باباه ولد ابت فيعلن بشكل واضح مساندته للزعيم السياسي أحمدو بن حرمة بن ببانه
كونوا شهودا بأن الشاعر الأموي
في الله بايع يمنى السيد العلوي
فهو الإمام له إرث الإمامة ذا
قد فاز بالشرف العرفي واللغوي
لو كان كل رجال القطر وافقه
لاستوطنوا برج عز من حماه قوي
وسوف أجمع من أوصافه دررا
في كل بحر ترى نظما وكل روي
وفي الأمر نكتة في مبايعة الأموي للعلوي
الاستفتاء الديكولي
وقف حزب النهضة مع خيار لا ضد خيار نعم الذي دعمته القوى السياسية القريبة من فرنسا ومن شعراء تلك المرحلة محفوظ بن جار الله حين يقول
من يكن باع في أواقي فرنسا
ورضاها عرضا ودينا وجنسا
وتناسى تلك الثلاثة إني
لست ممن تلك الثلاثة ينسى
وهو نفس موقف محمد الحنشي ولد محمد صالح الذي يقول
وتألبوا ضد المعمر وارفضوا
مسعاته بصرامة وإباء
لا يخدعنكم المعمر إنه
متقارب في طيه متناء
تأبى العداوة أن تكون صداقة
إذ لا يكون الداء عين دواء
ويصرح الشاعر سيدي محمد بن مياه بوضوح بموقفه ضد التصويت بنعم
من أنعموا لوفاق المشركين عموا
وفاق مقتصدي سبل الهدى نعم
من نعمة ترتجي في طيها نقم
أو نقمة تختشى في طيها نقم
في ظاهر الأمر والمأمول باطنه
غيب وإن صدقوا في كل ما زعموا
وما استمالتهم عين ولا نعم
وفي السياق ذاته يجد محمدن بن النيه رحمه في الإشادة بالشيخ أحمد توري رئيس غينيا سببا فرصة للتعبير عن موقفه
لله در زعيم رأيه دار
يدعى بتور مصيب الرأي بمباري
اختار في الأمر نونا في وقايته
تقيه في الأمر من ذل وإصغار
فداه لامين مع صنكور صاحبه
وكل ذي رتبة من ذي جلنار
كذاك ندب زعيم في عشيرته
كان الفداء له من كل إضرار
أدب السجال السياسي
في السجال السياسي بين الأحزاب
نال السجال السياسي بين الأحزاب نصيبا وافرا وكان للشعراء والعلماء الداعمين لحزب النهضة دور أساسي في هذا المجال
يقول المختار بن ابلول
رب اجعلن حزبك هو حزبي
وهو عشيرتي وشعبي
ولتجعلن كتابك المسطورا
وسنة الماحي لنا دستورا
أما المرابط محمد سالم ولد عدود فيأسف لبقاء موريتانيا ضمن أحزاب مرتبطة بفرنسا
كفى حزنا أن لا يزال يقودنا على الخسف غاو من دعاة جهنما
وفي شيعة الدجال نبقى وحزبه وأسرتنا جند المسيح بن مريما
فيا عجبا من كافر قاد مسلما ومن عربي شاقه صوت أعجما
وضمن هذا السجال يختار أحمد بن عينينا حزبا آخر
على حين لا تدر البرية من فرط مناواتها الحزب المصيب من المخطي
جعلت إلى حزب النبي - صلى الله عليه وسلم – معيتي
وألقيت في أوراق كصيهم كرطي
وضمن هذا السجال يحمل الشيخ محمدن بن بيي على حزب النهضة ويرى أنه أصبح فريضة سادسة لدى بعض الشباب
نهوض الفتى حتم لدى كل مفترض وما كل عذر يسقط الفرض إن عرض
ورب مراد يزعم الناس رشده وقد جهلت منه النتيجة والغرض
وقد زيد أسماء الفروض بنهضة أبيحت بها أسماء من لم يكن نهض
وأغفل ما في الكتب واعتيض دونه جرائد أحداث ألا ساء ذا الغرض
ويرد عليه المختار بن ابلول الحاجي
وقد زيد أسماء الفروض بنهضة
إلى كل من قد سنه الله مفترض
ولا زيد في المعن لمن كان ذا حجى
لذاك أباح العرض من لم يكن نهض
أما القيادي النهضوي سيدي أحمد بن الدي فقد كان واضحا في الانتصار لحزبه
إن التحرر والجلا قد أغلقا
والنهضة الوطنية المفتاح
والاحتلال دجى بليل دامس
والنهضة الوطنية المصباح
اسم يصور في القلوب شجاعة
وصرامة وبه الربى تنزاح
لله ما اشتلمت عليه حروفه
مما عليه قلوبنا ترتاح
من بيئة عربية وطنية
لا السيف يرجفها ولا الأرماح
ويختار المختار بن حامدن سبيلا ثالثا
لست بناهض ولا ناقض أو ناقد أمر الفتى الناهض
ولا لتحرير يد باسط ولا على التعمير بالقابض
واسطة من بين هذا وذا فلست بالبكر ولا الفارض
وطريق المختار هو ما عبر عنه بقوله
خل السياسة إلى جانب وارم لها الحبل على الغارب
لا تك مغلوبا ولا غالبا كن ثالث المغلوب والغالب
ولم يخل شعر التحرر من حضور الملف الخارجي فأحمد باب بن أحمد مسكه يختار الانتماء إلى مالي والمعسكر الافريقي ويفضله على الاندماج مع المغرب
إن الذي بين ليلى
والغيد ذات الدلال
مثل الذي عند مثلي
بين الرباط ومالي
ويبدو أن هذا الرأي ليس محمودا عند محمدي ولد أحمد فال الذي يعبر بصراحة
فما لنا في انضمام السود مصلحة
لكنهم إخوة قدما وجيران
نحن الألى أوجب التاريخ وحدتنا
حكما وأوجبها جنس وأوطان
يا قائلا طاعنا في أننا عرب
لقد كذبت لنا لسن وألوان
وسم العروبة باد في شمائلنا
وفي أوائلنا عز وإيمان
آساد حمير والأبطال من مضر
حمر السيوف فما ذلوا وما هانوا
قد أسس الدولة الغراء يوسفنا
له بمراكش الحمراء عنوان
ويتوقف العلامة محمد سالم ولد عدود متأسفا على الموقف العربي من موريتانيا المستقلة حديثا
العالم العربي يعمل جاهدا
ليضمنا قسرا لعرش المغرب
يحمى مواطننا دخول بلاده
يا حيرة المتعجب المستغرب
لم يرع فينا ذمة عربية
حقت على العربي والمستعرب
ما إن لنا ببلاده من حاجة
إلا بمكة أو مدينة يثرب
فالدين فينا لا تشد رحالنا
لطلابه في مشرق أو مغرب
وبلادنا كبلاده في حاجة
للمال والعلم الحديث المعرب
إن يرغب العرب الوصال نصلهم
أو يضربوا سور القطيعة نضرب
ما مصر إذا ونى في نصرنا
في رأينا إلا كجنة مأرب
لكن تونس قلدتنا منصة
فجوابها أعيى جواب بيان المطرب
آمال الاستقلال
احتفى الشعراء الموريتانيون بالاستقلال ويورد المؤلف نصوصا متعددة من أدب الاستقلال تتفاوت من حيث مداخل التناول بين الفرح بهذا الحدث المهم في تاريخ الشعوب وبين النضال من أجل استقلال حقيقي، وممن رفعوا راية الإشادة الشيخ محمد سالم بن عدود حين يقول
بشرى لنا ببراعة استهلال
لاحت من استقبال الاستقلال
نلناه في سلم بأهنأ غبطة
من غير ما ضغط ولا إذلال
لكن بتدبير وحسن سياسة
بالرفق والإحسان والإذلال
لم يعتقل منا بدار فتية
عانوا شدائد هذه الأغلال
كلا ولم تضرم حروب ضخمة
يجتاح فيها المال باستغلال
ويتقاطع العلامة النحوي الحسن بن أبا مع الشيخ عدود في نفس المنحى حين يقول
لله يوم عظيم القدر والشان
قد استقل به الشعب المريتاني
يوم كسا أرضنا ثوب السرور على
رغم العدى وطوى أثواب أحزان
يوم به أصبح الإسلام متصفا
بالنصر والكفر موصوفا بخذلان
لقد أتانا بلا حرب مضرمة
ولا إغارة فرسان وركبان
يا أيها الشعب إن الله أنقذكم
بالفضل من رق ذي ظلم وكفران
أما القيادي النهوض محمد الحنشي ولد محمد صالح فله في الاستقلال رأي آخر
زعم المعمر همه إرشادنا
والحق لا يخفاك حين يقال
حكموا وقالوا دولة أصبحتم
ما الحق إلا أننا تمثال
حيث السياسة والدفاع لديهم
والحكم والأقوال والأفعال
ها نحن أرض نالت استقلالها
تبا لكم أنى لنا استقلال
بل نحن في استعمار قوم شرعهم
أن التحرر للشعوب محال
ويختم الباحث القدير محمد ولد عم الأمين كتابه بفصل للمقارنة بين الأدب التحرري في موريتانيا ودول المغرب العربي عارضا أوجه التشابه والتقاطع بين قضايا الأدب التحرري في المغرب العربي
ويبقى كتاب "الشعر التحرري في موريتانيا" واحدة من الدراسات الجادة التي تناولت جوانب مهمة من قضايا الأدب العربي في موريتانيا وبأسلوب علمي رصين