ولد عم الأمين يصدر كتابا عن الشعر التحرري في موريتانيا (قراءة في الكتاب)

أحد, 10/14/2018 - 10:37

أصدر الأستاذ الأديب محمد بن عم الأمين كتابه الجديد عن الشعر التحرري في موريتانيا من 1946 إلى 1961 وصدر الكتاب عن مجموعة ديوان الشناقطة

ويعود أصل هذا الكتاب إلى مذكرة تخرج من المدرسة العليا للأساتذة أعدها الكاتب سنة 1987 وأشرف عليها الدكتور سيدي أحمد بن الأمير يومها، وعاد المؤلف بعد ثلاثة عقود إلى إخراجها في كتاب مع تقديم من الأستاذ المشرف نفسه

وقد مهد المؤلف لبحثه بمقدمة تاريخية في مستوياتها الفكرية والسياسية والاجتماعية ويستشهد المؤلف بأبيات للشيخ محمد محمود بن أحمذيه تقدم صورة عن المحظرة الشنقيطية متأسفا على زوال كثير من نضارتها.

فأين المدارس والمعتنون

بعلم العروض وعلم السنن

فعلم الأصول وعلم الحديث

فهل يكسب القار لون اللبن

وتقرأ بالسبع آي الكتاب

ويعلم من سره ما استجن

ويرفع بالنحو قدر النحاة

ويخطئ باللحن مرء لحن

ويدرك بالحس علم البيان

لمن بقضايا البيان افتتن

مضى حاملو ذا ككل الضعاف

فاعتيض عنه بالونى والوهن

ومجد الأماجد لما ثوى

ثوى في مقابرهم واندفن

وعلى المستوى الاقتصادي يتحدث المؤلف عن أهم مجالات الاقتصاد في موريتانيا من تنمية ورعي وزارعة وممارسة للتجارة، ويورد بيتين ساخرين للعلامة المختار بن أبلول الحاجي

أول واجب على من كلفا

سيرا لسينغال حتى يعرفا

البيع والثراء والرطانة

لا العلم والأدب والديانة

وفي المجال السياسي يورد المؤلف نتفا من المشاهد السياسية من سيطرة حسان على القوة والشوكة ثم دخول المستعمر ومعاهداته مع بعض الأمراء والمشايخ وكذا مقاومته من بعض أمراء ومشايخ آخرين مستعرضا نماذج شعرية في المجال للشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيديا ومحمد العاقب بن مايابى ومحمدوحامد بن آلآ وماء العينين ولد العتيق ونصوصا نثرية للطرف المهادن مثل الشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل

 

في التاريخ السياسي قبل الاستقلال

في القسم الأول من الفصل الثاني يتحدث المؤلف عن الحياة السياسية قبل الاستقلال مستعرضا جوانب من القوى والأحزاب والأحداث السياسية التي كانت ناشطة قبل الاستقلال وأهمها

انتخابات 1946 والتي جاءت بموجب تعديل في الدستور الفرنسي أعطى المستعمرات حق التمثيل وقد ترشح لهذه الانتخابات أحمدو ولد حرمة ولد ببانه في مواجهة المستوطنين إيفون رازاك وسليمان جوب وقد فاز  ولد حرمة في هذه الانتخابات

في سنة 1947 تأسس حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني بقيادة سيدي المختار ولد يحيى إنجاي وهو موريتاني من شريحة الولوف من مواليد أطار ولديه خؤولات ومصاهرات عديدة مع قبائل الشمال

في 1950 أسس أحمدو بن حرمة في مدينة روصو حزب الوئام، وبه خاض انتخابات 1951 ضد حزب ولد يحيى أنجاي وفاز الأخير في مأمورتين متتاليتين

 

في 1956 انشق عن حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني مجموعة من الشباب وأسسوا رابطة الشباب الموريتاني، كما انشقت عنه رابطة أصوليي ضفة النهر وأسست مؤتمرها الأول في دكار

وفي 1957 انشقت عن حزب الوئام جماعة أخرى في كيهيدي شكلت تنظيم التكتل الديمقراطي في غورغل

 

في سنة 1956 أقرت فرنسا القانون الإطاري الذي يتيح للسمتعمرات إنشاء مجلس حكومي يرأسه إداري فرنسي وينوبه موريتاني وكان هذا المنصب من نصيب الأستاذ المختار ولد داداه.

في 1958 أجرت فرنسا استفتاء تحديد المصير المعروف باستفتاء وي/ نون

وي ونون الا خيارات

والمخير ماهو مغبون

وي امحاليه في الحسنات

وامحاليه في الفظة نون

أحمد سالم ولد ببوط

عمل المختار ولد داداه بعد انتخابه وخطفه مزيدا من الأضواء على توحيد القوى السياسية خلال مؤتمر ألاك الذي اندمجت فيه كل القوى السياسية باستثناء حركة الشباب الموريتاني في حزب التجمع الموريتاني برئاسة المختار ولد داداه

في 1958 تأسس حزب النهضة الموريتاني وريثا لحركة الشباب الموريتاني وبعض مغاضبي مؤتمر ألاك واتخذ من قوله تعالى " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" شعارا وكان من أبرز القوى الداعية للتصويت بلا

في 1959 تأسس حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي في لعيون وكان مطالبا بالاتحاد الفيدرالي مع مالي ومن أبرز مؤسسيه يعقوب ولد أبو مدين، فيما تأسس في أطار حزب الاشتراكيين المسلمين ومن أبرز قادته سيد أحمد ولد كركوب

وأسس أحمدو ولد حرمة مع مجموعة من أبناء الشيخ ماء العينين جيش التحرير المدعوم من حزب الاستقلال المغربي ونفذ الجيش عدة هجومات مسلحة في ضواحي أطار قبل أن تتم محاصرته وقصفه عناصره اللاجئين إلى منطقة تكبة الجبلية وكهوف سنين كمبة في أطار.

في 1960 حصلت موريتانيا على الاستقلال

وفي 20 أغسطس 1961 انتخاب المختار ولد داداه رئيسا للبلاد، وقد نال معارضة قوية وواسعة خصوصا من معارضة الخارج المدعومة من المغرب ومن أبرز عناصرها الأمير محمد فال ولد عمير والسياسي أحمدو ولد حرمة والدي ولد سيدي بابه رحمهم الله ومحمد المختار ولد اباه أطال الله بقاءه

 

الشعر التحرري

نصوص واختيارات

 

انتخابات 1946

نالت هذه الانتخابات نصيبا وافرا من الأدب التحرري ومن بين النصوص التي أوردها المؤلف نص للأديب محفوظ بن جار الله رحمه الله

وقائلة خوفا علي دراك

عراك الورى تذكر من أهل عراك

وخذ كرنة لا تحمل النفس بينهم

تكن معهم في الرمي خدن اشتراك

فكن أحمدي الحزب تحظ وحيث لم

تكن أحمديا فانتسب لرزاك

فلا تبق مكتوف اليدين وراءهم

فقلت لها ليس الصواب بذاك

 

أما في الانتخابات الموالية سنة 1951

فيبتهج الحسن بن أبا الجكني رحمه الله تعالى بفوز حزب سيدي المختار ولد يحيى انجاي

لقد طلب الأقاوم الانتخابا

ففاز فريقنا والغير خابا

فنال سوى الصواب به سوانا

وصادف رأينا فيه الصوابا

فأصبح ماء مشربنا زلالا

وأصبح ماء مشربهم سرابا

وأنشد حالهم فيهم فذوقوا

فليس يزيدكم إلا عذابا

 

وقد رد عليه شعراء كثر من بينهم محمد محمود بن أحمذيه

وذكر الكتب من عمل النصارى

وناس صار مشربهم سرابا

إلى ناس شرابهم زلال

فظلوا مستلذين الشرابا

هنات لا تليق بشيب شيخ

جليل طالما قرأ الكتابا

إذا ما معشر حنقوا علينا

لنصرة أحمد ومضوا غضابا

فإنا ناصروه وما صحبنا

وعضدنا على زلل صحابا

 

أما باباه ولد ابت فيعلن بشكل واضح مساندته للزعيم السياسي أحمدو بن حرمة بن ببانه

كونوا شهودا بأن الشاعر الأموي

في الله بايع يمنى السيد العلوي

فهو الإمام له إرث الإمامة ذا

قد فاز بالشرف العرفي واللغوي

لو كان كل رجال القطر وافقه

لاستوطنوا برج عز من حماه قوي

وسوف أجمع من أوصافه دررا

في كل بحر ترى نظما وكل روي

وفي الأمر نكتة في مبايعة الأموي للعلوي

 

الاستفتاء الديكولي

وقف حزب النهضة مع خيار لا ضد خيار نعم الذي دعمته القوى السياسية القريبة من فرنسا ومن شعراء تلك المرحلة محفوظ بن جار الله حين يقول

من يكن باع في أواقي فرنسا

ورضاها عرضا ودينا وجنسا

وتناسى تلك الثلاثة إني

لست ممن تلك الثلاثة ينسى

 

وهو نفس موقف محمد الحنشي ولد محمد صالح الذي يقول

وتألبوا ضد المعمر وارفضوا

مسعاته بصرامة وإباء

لا يخدعنكم المعمر إنه

متقارب في طيه متناء

تأبى العداوة أن تكون صداقة

إذ لا يكون الداء عين دواء

 

ويصرح الشاعر سيدي محمد بن مياه بوضوح بموقفه ضد التصويت بنعم

من أنعموا لوفاق المشركين عموا

وفاق مقتصدي سبل الهدى نعم

من نعمة ترتجي في طيها نقم

أو نقمة تختشى في طيها نقم

في ظاهر الأمر والمأمول باطنه

غيب وإن صدقوا في كل ما زعموا

وما استمالتهم عين ولا نعم

 

وفي السياق ذاته يجد محمدن بن النيه رحمه  في الإشادة بالشيخ أحمد توري رئيس غينيا سببا فرصة للتعبير عن موقفه

لله در زعيم رأيه دار

يدعى بتور مصيب الرأي بمباري

اختار في الأمر نونا في وقايته

تقيه في الأمر من ذل وإصغار

فداه لامين مع صنكور صاحبه

وكل ذي رتبة من ذي جلنار

كذاك ندب زعيم في عشيرته

كان الفداء له من كل إضرار

 

أدب السجال السياسي

 

في السجال السياسي بين الأحزاب

 

نال السجال السياسي بين الأحزاب نصيبا وافرا وكان للشعراء والعلماء الداعمين لحزب النهضة دور أساسي في هذا المجال

يقول المختار بن ابلول

رب اجعلن حزبك هو حزبي

وهو عشيرتي وشعبي

ولتجعلن كتابك المسطورا

وسنة الماحي لنا دستورا

 

أما المرابط محمد سالم ولد عدود فيأسف لبقاء موريتانيا ضمن أحزاب مرتبطة بفرنسا

كفى حزنا أن لا يزال يقودنا    على الخسف غاو من دعاة جهنما

وفي شيعة الدجال نبقى وحزبه   وأسرتنا جند المسيح بن مريما

فيا عجبا من كافر قاد مسلما    ومن عربي شاقه صوت أعجما

وضمن هذا السجال يختار أحمد بن عينينا حزبا آخر

على حين لا تدر البرية من فرط     مناواتها الحزب المصيب من المخطي

جعلت إلى حزب النبي - صلى الله عليه وسلم – معيتي

وألقيت في أوراق كصيهم كرطي

وضمن هذا السجال يحمل الشيخ محمدن بن بيي على حزب النهضة ويرى أنه أصبح فريضة سادسة لدى بعض الشباب

نهوض الفتى حتم لدى كل مفترض   وما كل عذر يسقط الفرض إن عرض

ورب مراد يزعم الناس رشده   وقد جهلت منه النتيجة والغرض

وقد زيد أسماء الفروض بنهضة   أبيحت بها أسماء من لم يكن نهض

وأغفل ما في الكتب واعتيض دونه   جرائد أحداث ألا ساء ذا الغرض

ويرد عليه المختار بن ابلول الحاجي

وقد زيد أسماء الفروض بنهضة

إلى كل من قد سنه الله مفترض

ولا زيد في المعن لمن كان ذا حجى

لذاك أباح العرض من لم يكن نهض

 

أما القيادي النهضوي سيدي أحمد بن الدي فقد كان واضحا في الانتصار لحزبه

إن التحرر والجلا قد أغلقا

والنهضة الوطنية المفتاح

والاحتلال دجى بليل دامس

والنهضة الوطنية المصباح

اسم يصور في القلوب شجاعة

وصرامة وبه الربى تنزاح

لله ما اشتلمت عليه حروفه

مما عليه قلوبنا ترتاح

من بيئة عربية وطنية

لا السيف يرجفها ولا الأرماح

ويختار المختار بن حامدن سبيلا ثالثا

لست بناهض ولا ناقض   أو ناقد أمر الفتى الناهض

ولا لتحرير يد باسط  ولا على التعمير بالقابض

واسطة من بين هذا وذا   فلست بالبكر ولا الفارض

وطريق المختار هو ما عبر عنه بقوله

خل السياسة إلى جانب   وارم لها الحبل على الغارب

لا تك مغلوبا ولا غالبا   كن ثالث المغلوب والغالب

 

ولم يخل شعر التحرر من حضور الملف الخارجي فأحمد باب بن أحمد مسكه يختار الانتماء إلى مالي والمعسكر الافريقي ويفضله على الاندماج مع المغرب

إن الذي بين ليلى

والغيد ذات الدلال

مثل الذي عند مثلي

بين الرباط ومالي

 

ويبدو أن هذا الرأي ليس محمودا عند محمدي ولد أحمد فال الذي يعبر بصراحة

فما لنا في انضمام السود مصلحة

لكنهم إخوة قدما وجيران

نحن الألى أوجب التاريخ وحدتنا

حكما وأوجبها جنس وأوطان

يا قائلا طاعنا في أننا عرب

لقد كذبت لنا لسن وألوان

وسم العروبة باد في شمائلنا

وفي أوائلنا عز وإيمان

آساد حمير والأبطال من مضر

حمر السيوف فما ذلوا وما هانوا

قد أسس الدولة الغراء يوسفنا

له بمراكش الحمراء عنوان

ويتوقف العلامة محمد سالم ولد عدود متأسفا على الموقف العربي من موريتانيا المستقلة حديثا

العالم العربي يعمل جاهدا

ليضمنا قسرا لعرش المغرب

يحمى مواطننا دخول بلاده

يا حيرة المتعجب المستغرب

لم يرع فينا ذمة عربية

حقت على العربي والمستعرب

ما إن لنا ببلاده من حاجة

إلا بمكة أو مدينة يثرب

فالدين فينا لا تشد رحالنا

لطلابه في مشرق أو مغرب

وبلادنا كبلاده في حاجة

للمال والعلم الحديث المعرب

إن يرغب العرب الوصال نصلهم

أو يضربوا سور القطيعة نضرب

ما مصر إذا ونى في نصرنا

في رأينا إلا كجنة مأرب

لكن تونس قلدتنا منصة

فجوابها أعيى جواب بيان المطرب

 

آمال الاستقلال

 

احتفى الشعراء الموريتانيون بالاستقلال ويورد المؤلف نصوصا متعددة من أدب الاستقلال تتفاوت من حيث مداخل التناول بين الفرح بهذا الحدث المهم في تاريخ الشعوب وبين النضال من أجل استقلال حقيقي، وممن رفعوا راية الإشادة الشيخ محمد سالم بن عدود حين يقول

بشرى لنا ببراعة استهلال

لاحت من استقبال الاستقلال

نلناه في سلم بأهنأ غبطة

من غير ما ضغط ولا إذلال

لكن بتدبير وحسن سياسة

بالرفق والإحسان والإذلال

لم يعتقل منا بدار فتية

عانوا شدائد هذه الأغلال

كلا ولم تضرم حروب ضخمة

يجتاح فيها المال باستغلال

 

ويتقاطع العلامة النحوي الحسن بن أبا مع الشيخ عدود في نفس المنحى حين يقول

لله يوم عظيم القدر والشان

قد استقل به الشعب المريتاني

يوم كسا أرضنا ثوب السرور على

رغم العدى وطوى أثواب أحزان

يوم به أصبح الإسلام متصفا

بالنصر والكفر موصوفا بخذلان

لقد أتانا بلا حرب مضرمة

ولا إغارة فرسان وركبان

يا أيها الشعب إن الله أنقذكم

بالفضل من رق ذي ظلم وكفران

 

أما القيادي النهوض محمد الحنشي ولد محمد صالح فله في الاستقلال رأي آخر

زعم المعمر همه إرشادنا

والحق لا يخفاك حين يقال

حكموا وقالوا دولة أصبحتم

ما الحق إلا أننا تمثال

حيث السياسة والدفاع لديهم

والحكم والأقوال والأفعال

ها نحن أرض نالت استقلالها

تبا لكم أنى لنا استقلال

بل نحن في استعمار قوم شرعهم

أن التحرر للشعوب محال

 

ويختم الباحث القدير محمد ولد عم الأمين كتابه بفصل للمقارنة بين الأدب التحرري في موريتانيا ودول المغرب العربي عارضا أوجه التشابه والتقاطع بين قضايا الأدب التحرري في المغرب العربي

ويبقى كتاب "الشعر التحرري في موريتانيا" واحدة من الدراسات الجادة التي تناولت جوانب مهمة من قضايا الأدب العربي في موريتانيا وبأسلوب علمي رصين