لجأت السلطات الجزائرية إلى وصفة من عدة خطوات لتحفيز الناخبين على المشاركة في السباق البرلماني المقرر في الرابع من ماي القادم لمواجهة شبح العزوف الشعبي الذي وصل مستوى قياسي في آخر اقتراع نيابي جرى العام 2012.
وتعيش الحملة الانتخابية لبرلمانيات الجزائر والتي انطلقت في التاسع من أبريل الجاري أسبوعها الثاني لكن وسائل الإعلام المحلية تنقل بشكل يومي وجود "عدم اهتمام شعبي" بهذا السباق رغم حماسة الأحزاب ومرشحيها في خطاباتهم ومهرجاناتهم التي جابوا من خلالها كافة جهات البلاد للترويج لبرامجهم والحث على المشاركة.
وموازاة مع ذلك تتوالى التصريحات الرسمية خاصة من قبل رئيس الوزراء عبد المالك سلال ووزير الداخلية نور الدين بدوي بالدعوة إلى المشاركة الشعبية القوية في هذا الاقتراع الذي وصفاه بـ"المصيري والهام" في بناء مؤسسات الدولة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن عبد الوهاب دربال رئيس الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات تصريحات من محافظة سطيف (شرق) تأسف فيها على "النسبة الضعيفة لاستغلال الفضاءات المخصصة للحملة الانتخابية من طرف الأحزاب والمرشحين".
وقال أن استغلال الفضاءات كان خلال الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية ضعيفا حيث تراوح في عديد المحافظات بين 10 و20 و30 بالمائة فقط لأسباب أجهلها" .
وأعلنت وزارة الداخلية الجزائرية تسجيل قرابة 12 ألف مرشح للسباق يمثلون 53 حزبا وعشرات القوائم المستقلة يتنافسون على أصوات أكثر من 23 مليون ناخب مدعوون لصناديق التصويت في الرابع من ماي القادم لتجديد عضوية 462 نائب في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) لولاية من خمس سنوات.
وصرح أحمد أويحي أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي (ثاني أحزاب الائتلاف الحاكم) أن "العزوف الانتخابي يخوف الجميع لأنه طعن في مصداقية الانتخابات" وذلك في حوار مع فضائية "الشروق نيوز" الخاصة.
شبح انتخابات 2012
وتحسبا لهذا الموعد الإنتخابي بادرت السلطات في البلاد إلى خمس خطوات على الأقل لدفع المواطنين للمشاركة بكثافة وفق مراقبين بعد ان سجلت نسبة عزوف قياسية في آخر انتخابات برلمانية جرت العام 2012 أين توقفت نسبة المشاركة في حدود 43 بالمائة بشكل جعل المعارضة تطعن حتى في شرعية المجلس المنتهية ولايته.
وأولى هذه الخطوات استجابة النظام الحاكم لمطلب المعارضة بإنشاء هيئة عليا مستقلة ودائمة لمراقبة الانتخابات والتي أقرها تعديل دستوري جرى في البلاد مطلع العام 2016 وتم تعيين عبد الوهاب دربال وهو وزير إسلامي سابق على رأسها.
واعتبرت المعارضة إنشاء هذه الهيئة "التفافا" على مطلبها كون وزارة الداخلية مازالت لها صلاحية التنظيم التي كان يتوجب إسنادها للهيئة وإخراج الحكومة نهائيا من العملية الانتخابية.
من جهة أخرى أطلقت السلطات أسابيع قبل هذه الانتخابات حملة إعلامية ضخمة متواصلة إلى الآن عبر التلفزيون والإذاعات الحكومية إلى جانب لافتات كبيرة في الساحات والشوارع الرئيسية للمدن تحت شعار "اسمع صوتك" تحث الناخبين على الإقبال بكثافة على التصويت.
وكخطوة ثالثة اعتبر مراقبون ترخيص السلطات للأحزاب الإسلامية بتشكيل تحالفات ودخول الانتخابات بقوائم موحدة قرارا يصب في اتجاه فسج المجال لمشاركة أكبر شرائح المجتمع في الانتخابات على اعتبار أن الإسلاميين لهم قدرة كبيرة على التجنيد.
كما لجأت الحكومة إلى خطوة رابعة لضمان مشاركة أوسع في التصويت حيث راسلت وزارة الإعلام قبل أيام مسؤولي وسائل الإعلام تدعوهم إلى حجب خطاب المقاطعة وعدم الترويج له لكن أصحاب خطاب المقاطعة وأغلبهم ناشطون مستقلون يخوضون معركة موازية على شبكات التواصل الاجتماعي على الأنترنيت.
وأعلنت أغلب الأحزاب الجزائرية المشاركة في الانتخابات باستثناء حزب طلائع الحريات الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس مقاطعته لهذا الموعد وتبعه في ذلك حزب جيل جديد (علماني) بدعوى "عدم وجود ضمانات لنزاهتها وكذا وجود ازمة في البلاد تستدعي التوافق".
حتى المساجد مدعوة للتحرك
ودعا محمد عيسى وزير الشؤون الدينية الجزائري المؤذنين والأئمة وأسرة المساجد العمل مع كل شرائح المجتمع من أجل المشاركة الايجابية في الانتخابات التشريعية القادمة التي تمثل أهمية كبرى للجزائر" وهي خامس خطوة رسمية لإبعاد شبح العزوف.
وحسب عيسى "هناك حملة مغرضة تطال هذه الانتخابات عبر الشبكات الاجتماعية يقودها أشخاص مجهولون يحملون أسماء جزائرية ويهاجمون المسار الانتخابي ويروجون لمقاطعتها ويشككون في نتائجها ونزاهتها" ومحاولة لإجهاض مسار الإصلاح السياسي في البلاد".
أسباب موضوعية وتاريخية للعزوف
ويرى نصير سمارة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر العاصمة أن "المتابع للأيام الأولى للحملة الانتخابية يشعر فعلا أن هناك شبح عزوف شعبي عن الاقتراع لعدم وجود حماس لدى المواطنين تجاه السباق".
وأوضح للأناضول "هناك عدة أسباب موضوعية تبرر عدم الاهتمام الشعبي أولها قانون الانتخابات المطبط والذي يضع إجراءات معقدة لجمع التوكيلات من أجل الترشح كما أن العرض الإنتخابي سواء من الموالاة او المعارضة يمتاز بالرتابة فهذه الأحزاب مازالت تردد أسطوانة الامن والاستقرار وسط غياب برامج وحلول لمشاكل التنمية".
ووفق سمارة "هناك أيضا شعور عام لدى الناخبين بأن صوتهم ليس له وزن وقد يزور رغم تطمينات السلطة وهذا شعور قديم يعود لعام 1992 عندما خرج الناخبون بكثافة للانتخابات البرلمانية لكنها ألغيت من قبل النظام الحاكم آنذاك (بعد فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ فيها)".
ويقدم هذا الخبير سببا آخر يبرر العزوف الشعبي وهو حسبه "أن البرلمان في الجزائر ليس له وزن كبير في البناء المؤسساتي واتخاد القرار فهو يصوت فقط على قوانين تضعها السلطات وقد أثبتت التجارب السابقة للمواطن أنه لن يحقق له شيئا مما يطمح إليه".
وتابع "البرلمان عندنا تحول إلى مكان للترقية الاجتماعية لنواب يحققون طموحات شخصية أكثر من الدفاع عن آمال من انتخبوهم" على حد تعبيره.
هسبريس - الأناضول