كبوة جواد
بقلم / محمد الأمين بن الشيح بن مزيد
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد فتوضيحا للحق فيما أكده الأستاذ الفاضل راشد الغنوشي في مقابلته مع الإعلامي أحمد منصور في برنامج بلا حدود الذي أذيع يوم الأربعاء18/4/1435الموافق 19/2/2014
من أن مهمة الدولة ليست أن تفرض الإسلام وإنما مهمتها أن تقدم الخدمات، والحرية الدينية محتجا بأنه (لا إكراه في الدين ).وبأن كل عمل لا ينطلق من حرية الإنسان لا قيمة له عند الله، حيث لا قيمة لحجاب ولا زكاة ولا صلاة إن فرضت من قبل السلطة ولم تمارس تقربا لله تعالى وبأنه
وفي البداية أقول ما قال الإمام ابن العربي وهو يرد على الإمام أبي حنيفة في أحكام القرآن (1/501) قال : "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقلد الهدي ويشعره أي يشق جلده ، ويقلده نعلين ، ويساق إلى مكة نسكا وهذا مستثنى من تغيير خلق الله وقال أبو حنيفة : هو بدعة ؛ كأنه لم يسمع بهذه الشعيرة في الشريعة ، لهي فيها أشهر منه في العلماء ."
وأنا أقول إن وجوب قيام الدولة بجبر الناس على الالتزام بالشرع أشهر في الشرع من الشيخ راشد الغنوشي في الدعاة إلى الإسلام
إن كون الدولة ليس لها أن تجبر الناس على سلوك معين ؟ فلا تعاقب على ترك الصلاة ؟ ولا تعاقب على شرب الخمر ؟
صحيح على مذهب جون ستيوارت مل (1806-1873م) الفيلسوف البريطاني الذي نقل عنه أنه كان يري أن الدولة لا ينبغي أن تقنن حرية الأفراد مع أنني بمراجعة مذهب الرجل وجدته يقول إن الغاية الوحيدة التي يمكن ممارسة القوّة فيها بشكل شرعي على أي عضو في المجتمع المتحضّر ضد إرادته ، هي منع إلحاق الأذى بالآخرين. فهو يضيق تدخل السلطة ولا يلغيها . وإذا صح عنه فهومذهب مهجور في الفلسفة والسياسه مرفوض في النظام السياسي الإسلامي والنظام السياسي الوضعي
فالإمامة في الفقه الإسلامي :" خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا به " وتقتضي هذه الخلافة الأمر بالمعروف وتشجيعه والنهي عن المنكر والمعاقبة عليه وإقامة الحدود الشرعية التي منها جلد شارب الخمر وإقامة الحد على تارك الصلاة والتعزير على المعصية
والله عز وجل يقول (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول : " والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه " وقد قال ابن تيمية في ( السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ): " فالواجب على ولي الأمر أن يأمر بالصلوات المكتوبات جميع من يقدر على أمره ويعاقب التارك بإجماع المسلمين ... فالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات هو مقصود الجهاد في سبيل الله وهو واجب على الأمة باتفاق كما دل عليه الكتاب والسنة وهو من أفضل الأعمال . "
أما بالنسبة للدولة الوضعية المعاصرة فمهمتها هي تنفيذ القوانين التي يشرعها البرلمان وإلزام الناس بها طوعا أوكرها فإذا حرم القانون النقاب حركت الحكومة أجهزتها لجبر النساء على كشف وجوههن ،وإذا منع القانون التدخين في الأماكن العامة حشدت الحكومة قوتها لجبر الناس على تطبيق هذا القانون ، وإذا فرض القانون ارتداء حزام الأمان في السيارة أجبرت الحكومة الركاب على تطبيق ذلك . فإذا كانت الدولة لا تجبر الناس على سلوك معين فما معنى التعليم الإلزامي ؟ وما معنى التجنيد الإجباري ؟
والاستدلال على أنه ليس من مهمة الدولة جبر الناس علي سلوك معين بأن الإخلاص شرط في قبول العمل استدلال بما لا حجة فيه فالدولة تعاقب من ترك الصلاة ولا تعاقب من صلى ولا تفرق في ذلك بين من فعل ذلك لوجه الله ومن فعل ذلك لوجه الناس . فصلاة المرائي تدفع عنه العقوبة الدنيوية إذ أن الدولة تتعامل مع الظاهر ولا شأن لها بالباطن كما في صحيح البخاري عن عبد الله بن عتبة قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول
: إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة
أما في الآخرة فإن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا أريد به وجه الله عز وجل
وقد تنجح حركة إسلامية في الانتخابات ثم لا تستطيع إقامة العدل الإسلامي والمثال على ذلك حالة حزب النهضة في تونس فالمجتمع الذي وصلت إلى سدة الحكم فيه قد تغلغلت فيه العلمانية حتى صارت هي المعروف وغيرها المنكر وتحكمت فيه ثُلَلٌ تخرجت من مدرسة بورقيبة وبن علي وسيطرت في التربية والتعليم والإعلام والقضاء والشرطة والجيش .
وفي حالة كهذه يكون حزب النهضة الذي نجح في الانتخابات عاجزا عن تطبيق الشرع وعاجزا عن تطبيق الديموقراطية .
وفي هذه الحالة هناك مبادئ إسلامية أصيلة يمكن التعامل مع هذه النازلة على أساسها ومنها مبدأ (فاتقوا الله ما استطعتم ) ومبدأ ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )ومبدأ التدرج وترتيب الأولويات وارتكاب أخف الضررين ومبدأ وجوب إقامة العدل حسب الإمكان ، ورفع الظلم حسب الإمكان وسقوط الواجبات بالعجز( وما أمرتكم به فاتوا منه ما استطعتم ) ومن هذه المبادئ انطلق ابن تيمية عند ما قال مجموع الفتاوي (19/217-219)
" وكذلك الكفار من بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دار الكفر وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزل عليه واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره ولم تمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ولا التزام جميع شرائع الإسلام لكونه ممنوعا من الهجرة ممنوعا من إطهار دينه وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام فهذا مؤمن من أهل الجنة .....وكذلك النجاشى هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه فى الدخول فى الاسلام بل إنما دخل معه نفر منهم ولهذا لما مات لم يكن هناك أحد يصلى عليه فصلى عليه النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة ...... وكثير من شرائع الاسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت ..... ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن ......
والنجاشى ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن فان قومه لا يقرونه على ذلك وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا بل وإماما وفى نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك بل هناك من يمنعه ذلك ولا يكلف الله نفسا لا وسعها .......... فالنجاشى وأمثاله سعداء فى الجنة وان كانوا لم يلتزموا من شرائع الاسلام ما لا يقدرون على التزامه بل كانوا يحكمون بالأحكام التى يمكنهم الحكم بها . "
ويخطئ بعض الإسلاميين حين يعجزون عن تغيير الواقع فيجعلون مبادئ الجاهلية المعاصرة إسلاما وقيم الليبرالية دينا، وكان بإمكانهم أن يقروا بعجزهم ويستمسكوا بركن "ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ."
فالحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله والدين ما شرعه الله ( وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم)