محمد سالم - خلال شهر واحد بعد تعيين الوزير الأول المختار ولد أجاي باتت القرارات التي اتخذتها الحكومة الموريتانية، مثار اهتمام واسع لدى المواطنين، والمسؤولين الذين يتوقعون بين الحين والآخر، أكثر من قرار يمكن أن يعيد تشكيل الأولويات والاهتمامات، وسط مخاوف لدى قطاعات واسعة من "الراسخين في المسؤولية" من وضع جديد، قد لا يروق لخصوم الحرب على الفساد.
في عمق دائرة الضوء
يعتبر ولد أجاي أحد أكثر المسؤولين الموريتانيين قدرة على شغل مساحة الصلاحيات، وامتلاك القدرة الاقتراحية، إضافة إلى الوصول إلى ما يريد، وخلال أكثر من عقد ونصف استطاع الرجل أن يكون محط أنظار الجميع، وأن تتمحور حوله كثير من الروايات والمواقف، لكن الجميع لا يختلف حول قدرته على الإنجاز، واتخاذ المواقف حتى وإن كانت صعبة.
من وزارة التهذيب الوطني بدأ ولد أجاي تجربته المهنية، ووضع على السكة المسار الأولي لرقمنة المصادر البشرية، وبحكم خبرته البارعة في الإحصاء، أصبح مصدر الثقة الأهم بالنسبة للمرأة الحديدية التي تولت إدارة القطاع خلال سنة ونصف من حكم الرئيس الأسبق المرحوم سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
لاحقا سيكون ولد أجاي العقل الإحصائي في سلطة متابعة المشاريع، وخلال السنوات القليلة التي أمضاها الرجل هنالك، تمكن من تسريع وتيرة أهم المشاريع التي رعتها الدولة الموريتانية في العشرية المنصرمة، قبل أن يتولى إدارة الضرائب
استطاع ولد اجاي خلال هذه الفترة رفع محاصيل الضرائب، ومكافحة التهرب الضريبي، ودون أن يتجاوز القانون كان التصريح الضريبي كفيلا، بإضافة مئات المليارات إلى ميزانية الدولة الموريتانية، ورغم الحملات المتعددة التي شنت على الرجل، فإنه كان دائما يجد نفسه في موقع المنتصر، لأنه لا يزيد على " تطبيق القانون"
لاحقا سيتولى الرجل وزارة المالية الموريتانية، قبل أن تجتمع له لاحقا وزارتا المالية والشؤون الاقتصادية، وخلال هذه الفترة استطاع تنفيذ المحاور الكبرى للإصلاح المالي سواء على مستوى رقمنة الأداء المالي، أو منع ازدواجية الرواتب، أو تطوير نظام الرشاد، وطوال تلك السنوات ظل الرجل عرضة للانتقاد والهجوم المتكرر، لكن القانون كان دائما في صالحه.
وبتحد مفتوح خرج ولد أجاي من العشرية المنصرمة، متحديا الجميع بأن يثبوا عليه تهمة فساد أو الحصول على مصادر مالية غير مشروعة، وفي النهاية ما زال التحدي مفتوحا لحد الآن.
استطاع ولد أجاي خلال نهاية العشرية "إفشال الانقلاب المالي" وذلك من خلال تجميد سلسلة من الإجراءات المالية التي كان النظام السابق يسعى لتوريثها لخلفه، وتسليمه دولة متأزمة.
مهندس في عمق السياسة
لم يكن القطاع المالي ميدان الإنجاز الذي لا يمكن أن تمحى منه بصمات ولد أجاي، فبصماته في الملف السياسي تبدو أكثر رسوخا وقوة، حيث استطاع تأسيس حلف سياسي عابر للجهة، رغم تمركز قاعدة أساسية منه في مكطع لحجار، وخلال السنوات المنصرمة، أصبح ولد أجاي العنصر الأكثر تأثيرا في السياسة، خصوصا بعد أن استطاع إدارتها بشكل معقلن، واستقطاب نخبة من السياسيين والخبراء الفنيين، الذي حولوا "المزايدة السياسية للأطراف والأحلاف " إلى حالة رقمية قابلة للقياس" ومن خلال تطبيق "تحديد الأوزان السياسية" تمكن من رسم خارطة القوى والنفوذ السياسي في مختلف أنحاء البلاد، لينتهي بتحصيل أكبر تمثيل للأغلبية في البرلمان، وأكبر نسبة للحزب الحاكم في البلديات، بما في ذلك استعادة بلديات نواكشوط التسع، وحشر المعارضة في "زاوية ضيقة"
واليوم بعد أن أصبح الرجل الرقم السياسي الأكثر حضورا وتأثيرا في الساحة، يمسك الآن بملف تنسيق العمل الحكومي، في ظل متغيرات جديدة، أبرزها حجم المتغيرات الاقتصادية التي تستقبلها البلاد خلال السنوات القادمة، والتي تتطلب تسييرا قادرا على محاربة الفساد، وعلى إدارة روح نهضوية، إضافة إلى حجم متغيرات الإقليم، وانهيار سلاسل التوريد والعلاقات الاقتصادية في كثير من أطرافه، مما يجعل موريتانيا مرغمة.
ورغم أن ولد أجاي كان المنسق الفعلي خلال سنتين تقريبا لكثير من المشاريع الحكومية التي أنقذتها متابعته من التأخر أو التعثر، فإنه اليوم يحمل "خارطة طريق جديدة" تتضمن متغيرات جديدة خصوصا في مجال القطاعات الخدمية، وإدارة سياسية اجتماعية مع القوى الحية، وخصوصا الشباب والموظفين
ومن بين القطاعات التي يتوقع أن تشهد تغييرات متسارعة خلال الفترة الوجيزة القادمة
- قطاعات: الصيد - المالية- الزراعة والتنمية الحيوانية- التعليم - المياه والسدود- الضرائب- الاتصالات- المناجم والطاقة، وهو ما يعني فتح الأوراش الوطنية الكبرى، بالإضافة إلى ملف آخر أكثر صعوبة وإثارة وهو "محاربة الفساد" بعد أن أصبحت المفتشية العامة للدولة في حكم التابع الفعلي للوزير الأول
إضافة إلى ذلك لا يمكن قراءة تعيين الرجل في المنصب الأول في الحكومة، بمعزل عن حجم الثقة العالية التي يمنحها الرئيس الغزواني لساعده الأيمن المختار ولد أجاي، ولا حجم القوة التي يمثلها حلفه السياسي، وهو ما يعني أنه الرجل الثاني في النظام، والرجل الأول في ملفات السياسية والتنمية في المأمورية الثانية لولد الشيخ الغزواني
وبين مختلف المحطات التي خاضها الرجل، تبدو قوته مرتكزة على أسس متعددة منها" الاستناد على القانون، وعمق القوة الاقتراحية، وشغل دائرة الصلاحيات"