في الذكرى السابعة والأربعين للإطاحة بأول رئيس للبلاد، يتجدد دائما تعلق الموريتانيين، وخصوصا الشباب الذين لم يعايشوا فترة حكم الرجل، بتاريخه ومواقفه، التي تبدو أكثر نصاعة في رأي الكثيرين من كثير الحقب التي أعقبته.
وبشكل عام تحتفظ الذاكرة غير المتسيسة للرجل بكثير من التقدير والاحترام، وحتى أولئك الذين أطاحوا به، تحدثوا لاحقا عن كثير من التقدير به، كما أن معارضيه باتوا أكثر إنصافا له، بعد أن لاقوا من بعده كثيرا من الأغلال والهوان، وضعف أداء الدولة وانتشار الفساد فيها، كما يقول أنصار الرجل الذي غادر الدنيا منذ 21 سنة.
- معركة التعريب: رغم أن الرئيس كان متحدثا بارعا باللغة الفرنسية التي ألقى بها خطاب الاستقلال، إلا أنه كان يسير بهدوء وروية تجاه التعريب الذي طالما نظر إليه على أنه واجب ومطلب وطني.
يتحدث رائد معركة التعريب في موريتانيا محمذن ولد باباه عن جهود خاصة ونوعية بذلها ولد داداه من أجل السير في هذا الاتجاه.
في سنة 1966، طلب ولد داداه من محمذن ولد باباه الشروع في مسار التعريب، وإطلاق مرحلة انتقالية مزودجة تنتهي إلى مرحلة تعريب شامل.
ورغم الاحتجاجات الشديدة من بعض القوميين الزنوج، والنخب الفرنكفونية من العرب فإن ولد داداه كان مصرا على مسار التعريب الذي أقر في مؤتمر حزب الشعب سنة 1965 في لعيون.
وقد مكن التعريب من استيعاب آلاف التلاميذ، وخصوصا من طلاب المحاظر الذين فتح أمامهم الباب للحصول على شهادتي ختم الدروس الابتدائية والإعدادية، وهو ما أحدث توازنا نوعيا في مسار ولوج المدارس، وانطلقت العبقرية الموريتانية من عقالها، عبر أجيال كبيرة من المتعلمين الذين توزعوا بعد ذلك في مختلف مجالات التأثير.
- إنشاء عملة وطنية: قرر الرئيس المختار وبشكل سري إقامة عملة وطنية، وكان حريصا جدا على أن يتم الأمر دون علم فرنسا، وفي النهاية تم اختيار ستة أشخاص، كانوا هم المتخصصين في المجال الاقتصادي والمالي والضريبي، وبدأوا مسارا تكوينيا في تونس، وألمانيا، وسويسرا، وبشكل سري، حيث لم يجتمع منهم ثلاثة في مسار تكويني واحد، ليتم إعلان العملة وبشكل مفاجئ سنة 1974، وفي نفس اليوم تم استبدال الفرنك الإفريقي، وحلت الأوقية محله، وذلك عبر إجراءات سريعة نفذها محافظ البنك المركزي أحمد ولد داداه، أكمل بموجبها المواطنون والتجار والهيئات الرسمية استبدال ما بحوزتهم من الفرنك، واعتماد الأوقية من خلال لجان عمل أكملت مهمتها قبل منتصف اليوم، لتطوي مسيرة الفرنك وبشكل نهائي، وليصدح فنان الأمة سيداتي ولد آبه: يا عملتي يا عملتي يا ذهبي وفضتي يا من تسمى الأوقية.
كانت الجزائر الداعم الأساسي للتحول الموريتاني الجديد، الذي أشرفت عليه لجنة وزارية مصغرة جدا، ضمت وزراء المالية والمصادر البشرية ومحافظ البنك المركزي
- قرار ميفرما: في الثامن والعشرين من نوفمبر 1973، استدعى الرئيس المختار ولد داداه أعضاء حكومته إلى منزله في القصر الرئاسي، وبشكل مفاجئ خاطبهم: سألقي خطابي عند الساعة التاسعة صباحا، أي بعد قليل، وأريد أن أخبركم أنني قررت تأميم ميفرما، سادت لحظة صمت طويلة جدا، فقد كان وقع القرار صعبا، خصوصا أن ميفرما كانت دولة أكبر من الدولة الموريتانية، ومع ذلك استقر الأمر وكانت الدول العربية وخصوصا الكويت والسعودية أهم داعم لموريتانيا في قرارها السيادي هذا.
- الهدايا الشخصية التي شيدت مؤسسات التعليم: يمكن اعتبار بنايتي المعهد التربوي الوطني والمدرسة العليا للأساتذة في موريتانيا نموذجين مهمين لسلوك المختار ولد داداه، حيث تم بناء التربوي الوطني بهدية شخصية منحها الرئيس الكونغولي الحاج عمر بونكو إلى الرئيس المختار ولد داداه، فحولها ولد داداه إلى بناء المعهد التربوي الوطني، بمساحته الكبيرة ومنشأته النوعية التي ما زالت شاهدة على الفرق الشديد بين المنشآت التي شيدت في فترة الاستقلال وما شيد بعدها.
أما مدرسة الأساتذة فقد كانت هي الأخرى هدية شخصية أيضا من الرئيس موبوتو سيسيكو للرئيس المختار ولد داداه، من أجل أن يشتري بذلات وملابس عصرية تليق برئيس ينظر إليه الأفارقة بكثير من التقدير والاحترام، لكن ولد داداه حول المبلغ إلى وزارة التعليم لتؤسس منه مدرسة تكوين الأساتذة.
- الدولة فوق القبيلة: أثر شجار عارض قتل مواطن موريتاني في بداية السبعينيات مواطنين آخرين، ورفع الأمر إلى القضاء الذي حكم بعد ذلك على الجاني بالقتل قصصا، فرفض أقاربه تنفيذ الحكم، وسعوا إلى منعه، تدخل المختار ولد داداه، وأبلغ المعنيين أي أي حكم سيصدره القضاء سيتم تنفيذه، مستطردا لا يمكن بحال من الأحوال ان تعود السيبة واقتتال القبائل من جديد.