لعنة الفساد : موريتانيا الأرض الغنية والشعب الفقير. الإمام ولد محمد محمود

اثنين, 03/27/2017 - 09:03

 

في سنة 2010 عقدت الحكومة الموريتانية أول مؤتمر للمعادن ، وقد عكس الإقبال على هذا  المؤتمر ونوعية المشاركين فيه  أهمية قطاع المعادن الموريتاني ، حيث شارك في المؤتمر 513 مندوب يمثلون 52 شركة من 26 دولة حول العالم.                                                                                                      

نعم كل هذه الوفود لشركات عالمية مهتمة بالإستثمار في قطاع المعادن الموريتاني، لكن ما قد يغيب عن المتلقي لهذه المعلومات التى توحي  بحجم الثروة التى تملتكها موريتانيا هو أنها من أفقر بلدان العالم و من أكثرها تخلفا و من أضعفها أداءا في مؤشر التنمية البشرية ومن أكثرها إنتشارا للفساد والمحسوبية والزبونية.                                                                            

تعتمد موريتانيا بشكل كبير على قطاع المعادن حيث تصل مساهمة هذا القطاع في الدخل القومي 29% (احصائيات 2013) ، وعلى الرغم من انخفاض أسعار هذه المواد في السوق الدولية خاصة الحديد ، إلا أن كمية الإنتاج ظلت في ازدياد متواصل حسب تقرير  الشفافية الدولية (EITI).

 

بنية قطاع المعادن

في سنة 2013  بلغ  عدد الشركات المحلية والدولية العاملة في  قطاع المعادن الموريتاني 80 شركة ، تعتبر أسنيم أكبر هذه الشركات و تصدر أكبر حصة من إنتاجها من الحديد إلى الصين بنسبة 78% ، الشركة الموريتانية للنحاس MCM: وهي شركة خصوصية تعمل في منطقة أكجوجت، توظف 1000 عامل وتنتج 32000 طن من النحاس، و100,000  أوقية من الذهب (2.8 طن ذهب). ويبلغ دخلها السنوي 191 مليون دولار.

شركة تازيازت TASIAST MAURITANIA: تدير ثاني أكبر منجم للذهب 250 كلم شمال العاصمة انواكشوط تعمل من سنة 2007 ضمن أسوء اتفاقيات الاستغلال التي شهدها التاريخ حيث تصل نسبة الدولة من هذه الاتفاقية 4% مع وجود الكثير من إشارات الاستفهام والغموض الذي يلف هذه الاتفاقية. تنتج الشركة 140000 أوقية ذهب (4 طن سنويا) وتوظف الشركة 480 عاملا.

الموارد الطبيعية لموريتانيا

حسب تقرير الوكالة الأمريكية للعلوم الجيولوجية  USGS2013Mauritania  فإن موريتانيا إحدى الدولة الإفريقية القليلة التى تمتلك مخزونات هائلة من المعادن وفي مقدمتها : الحديد الخام ، الذهب بشكل أساسي كما توجد احتياطات مهمة من النحاس ، الفوسفات ، الجبس  ونشر التقرير الإحتياطات الموريتانية من المعادن على النحو التالي:

النفط :    120 مليون برميل

الغاز :    1.2 تريليون متر مكعب

الذهب :  25 مليون أونست

النحاس :  28 مليون طن

الحديد  :  1.5 مليار طن

الكوارتز  :  12 مليون طن

الجبس   :   9  مليار طن

الفوسفات :  29 مليون طن

 

مدخلات القطاع حسب تقرير EITI2014

 

في آخر تقرير لمنظمة الشفافية  في قطاع الإستخراج عن مدخلات القطاع في موريتانيا 2014 ، أوضح التقرير أن الحكومة استلمت 390 مليون دولار تشكل مداخيل قطاع الإستخراج وأكثرها على شكل ضرائب ، ثلاثة أرباع هذا المبلغ جاء من قطاع المعادن وهذا المبلغ موزع على النحز التالي:

25% حصص للمستثمرين المشاركين في مشاريع الإنتاج

21% تذهب إلى خزينة الدولة

11 % ضرائب وروسوم تم إستحداثها خلال العام 2014

 

ضعف كفاءة البيانات

 

في مايو 2015 كتبت كريستينا برغرمن منظمة الشفافية الدولية أن المؤشرات والبيانات المقدمة من طرف الحكومة الموريتانية تنقصها الدقة بشكل كبير ، وهو ما يجعلنا أمام تحديات كبيرة للتأكد من صدقية هذه البيانات. على الرغم من أن جميع الشركات العاملة في قطاع المعادن قدمت تقارير عن عملها لكن لم تقدم أي من هذه الشركات شهادة تدقيق من المدققين المالين الذي أشرفوا على تدقيق الحسابات، كذالك لم تقدم أي من الوكالات الحكومية الخمس أي دليل على صحة ودقة المعلومات المقدمة إلينا.

مؤشرات في الحضيض

لنخرج قليلا من الواقع الخرافي التي نعيشه من خلال وسائل الإعلام العمومية ونسبر أغوار تقارير دولية معروفة بعراقة تجربتها في مجال الدراسات الإستراتيجية.  ولنكن أوفياء للحقيقة بالإعتراف بها وتقبلها فإن التمادي والتعامي لا يغير من الواقع شيئ بل يزيد واقعنا بؤسا ويفاقم أزمتنا و يهدد مستقبلنا.

 

 

مؤشرات تقريرBTI  الألماني  2016

 

تقرير BTI الألماني هو تقرير شامل عن التغيرات الإقتصادية والإجتماعية والسياسة لأكثر من 129 دولة حول العالم ، يصنف التقرير موريتانيا في قائمة الدول الأقل تطورا ، حيث سجل معدل التنمية فيها 0.487  محتلة بذالك المركز 161 في التصنيف العالمي (تقرير BTI2016).

يعتبر التقرير أن 40.7% من السكان يعيشون في فقر مدقع ، و47.7% يعيشون بأقل من دولارين يوميا.  يرتكز الإقتصاد الموريتاني علي مجموعة قطاعات تشمل: (البترول، المعادن، الصيد)، تشكل هذه القطاعات الثلاثة 75% من مدخلات الدولة وتوفر 3% فقط من العمالة.                                                          

تعتبر الزبونية إحدى أهم الوسائل للاستفادة من مشاريع الدولة لذالك يحظي الأفراد والجماعات ذات الصلة بموظفين الدولة الكبار على  الكثير من الإمتيازات علي حساب بقية الشعب.                                                                                   

 يعتبر التقرير أن الفساد هو أهم المعوقات التي تواجه موريتانيا لجلب الإستثمارات الخارجية، إضافة إلي الضرائب المرتفعة، ضعف البنية التحتية، ضعف مهارات الكادر البشري. من أكثر القطاعات التي يخيم في وباء الفساد ، القطاع الحكومي بشكل عام ، القروض البنكية ، رخص الصيد ، توزيع الأراضي ، اضافة الي الضرائب. تقديم او إستلام الرشوة يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون الموريتاني بالسجن من سنتين إلي عشر سنوات وغرامة مالية تقدر ب 700 دولار. لكن تطبيقات هذا القانون محدودة جدا وتتم بشكل انتقائي ، تدفع الشركات الوطنية والدولية رشاوي من أجل الاستفادة من ، الخطوط الهاتفية ، الكهرباء، الماء، رخص البناء.                                                                                                                                   

                                                                                                                                                             مؤشر التنافسية الدولية   2016  

 

تقرير التنافسية الدولي هو تقرير سنوي يصدر عن المنتدي الإقتصادي العالم World Economic Forum (WEF)   وهي مؤسسة سويسرية غير ربحية مقرها في جينيف ، وتهدف المؤسسة من خلال هذا التقرير إلى تسليط الضوء على مختلف المؤشرات الإقتصادية للدول و دراسة مستوي الإنتاجية وذالك لخلق سياسات إقتصادية دولية وإقليمية لتطوير إقتصادات الدول.

رغم الثروات الهائلة التى تزخر بها أرض موريتانيا ورغم القروض السخية من مختلف الهيآت التمويلية الدولية فإن موريتانيا لا تزال تعيش في الحضيض سواء من حيث مستوى معيشة السكان أو التعليم أو الصحة أو البنية التحتية وقد ظهر هذا الفشل جليا من خلال مؤشرات التنافسية الدولية للعام 2016 ففي مجال جودة التعليم الأساسي احتلت موريتانيا المرتبة 137 من أصل 140 دولة شملها التقرير بفارق 50 دولة عن الجارة السنغال التى احتلت المرتبة 87.

الصحة والتعليم العالي والبنية التحتية و الرشوة وكفاءة العمل الإداري كانت موريتانيا في أواخر الترتيب وبالضبط في الدول الخمس الأخيرة من اللائحة.

 

غياب الوعي الوطني

مما فاقم أزمة الفساد وإنتشاره وتجذره بشكل واسع في قطاع المعادن هو غياب الوعي الوطني لدى غالبية الشعب بما في ذالك الطبقة المتعلمة ، والأحزاب السياسية ، والمنظمات المدنية ، والمثقفين والإعلاميين الكل غائب أو مغيب عن أحد أهم المشاكل التى تسبب في فقر البلد وتخلفه . فالكثيرون من هؤلاء لا يعلمون شيئا عن الثروة الموجودة في باطن الأرض والتى يتهافت عليها العالم في سبات عميق منا، لا يعلمون عن شيئا عن الصفقات التى تتم وعن الشركات التى تعمل ولا عن حجم الأموال التى تدخل الخزينة. يشمل غياب الوعي أيضا غياب البرامج التلفزيونية والتحقيقات الصحفية التى تكشف جوانب من هذا الفساد الذي سيكون سبب لخراب هذا البلد.                                                                                                                

حتى على المستوى السياسي يلاحظ غياب تام للإهتمام بقضايا الثروة الوطنية وغياب المؤتمرات الصحفية والتحقيقات التى من المفترض ان تقوم بها الهيآت الإقتصادية في الأحزاب السياسية ، غياب الوعي بأهمية مراقبة الثروة الوطنية و الحفاظ عليها والإهتمام بمداخيلها ومراقبة الإتفاقيات من قبل هيآت المجتمع المدني والصحافة والإعلام والكتل البرلمانية جعل هذه الثروة ضحية لتلاعب كبير من نظام الجنرال و مقربيه واعوانه وسط غياب أي اثر ملموس على حياة الناس و معيشتها.                  

                               

                                    المراجع :

The Bertelsmann Stiftung's Transformation Index (BTI). Mauritania2016/2014

World Economic Forum (WEF) / Competitiveness Report 2015- 2016

USGS2013/ Mauritania/ 2013 Mineral Yearbook

2014 Investment Climate Statement BUREAU OF ECONOMIC AND BUSINESS AFFAIRS June 2014.

The Extractive Industries Transparency Initiative (EITI) / 2014