افتتاحية - يرتفع صدى المبادرة الأطلسيية المغربية لتكون واحدة من أهم الرهانات في علاقة المغرب العربي ومنطقة الساحل، في ظل تنافر شديد للرهانات الدولية المتوجهة إلى المنطقة، والتي تأتي غالبا مع كثير من التعالي الأمني، والارتكاز على التفوق العسكري، وبشكل عام فإن الرهانات الغربية في المنطقة تبدو العنصر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لشعوب الساحل، حيث تنتقل من الاستنزاف الشديد للثروات وحكم الديكتاتوريات مثل النموذج الفرنسي الذي استقر في المنطقة منذ أكثر من قرنين، لتدخل المنطقة لاحقا في زمن روسي مفعم بالعنف وصناعة الأنظمة العسكرية.
ومع التراجع الشديد للنفوذ الغربي، تواجه المنطقة شحا شديدا في المبادرات النابعة من عمق المنطقة وشعوبها، وقيمها وتراثها، فإن المبادرة المغربية التي تتأسس على تاريخ طويل مع علاقة الملوك العلويين مع شعوب المنطقة، وانفتاح مغربي طويل على السياق الإفريقي، تمثل عنصر قوة جديد، وبوابة دبلوماسية مهمة، خصوصا أنها فتحت نقاشا واسعا داخل دوائر النفوذ والنخب السياسية والأمنية والفكرية في المنطقة، زيادة على تداولها أيضا كرهان جديد قد لا يكون متناقضا تماما مع الرهانات الدولية الأخرى في المنطقة، وإن كان متمايزا معها في علاقته مع الشعوب.
وتتأسس المبادرة على البعد الاقتصادي بشكل عام، وخصوصا أن منطقة الساحل والصحراء والمغرب العربي تستحوذ على قرابة 55% من الناتج المحلي لإفريقيا، كما أنها أيضا تمثل عنصرا أساسيا في التجارة الدولية بحصة أسد تصل إلى 57% من حركة المال والأعمال في إفريقيا.
ويمثل الغاز أيضا عنصرا أساسيا في هذه المبادرة خصوصا عبر خط غاز المغرب - نيجيريا الذي سيمثل أيضا عامل تنوع في مصادر تغذية العالم بالطاقة، حيث يمثل مشروعا استيراتيجيا بالنسبة للمغرب التي لا تدخر أي جهد من أجل وصوله إلى أهدافه المحددة بدقة، ويمثل هذا المشروع وفق الملك المغربي محمد السادس " مشروع السلام والاندماج الاقتصادي الأفريقي والتنمية المشتركة، مشروع من أجل الحاضر والأجيال القادمة”، أطول أنبوب غاز بري وبحري في العالم، حيث يصل طوله إلى أكثر من 5600 كيلومتر." كما أنه يتحرك في منطقة يصل سكانها إلى أكثر 440 مليون نسمة.
ويظهر أن الدبلوماسية المغربية تعمل بشكل نشط من أجل توسيع دائرة التلاقي والتوافق حول مشروعها الإفريقي الذي يتعزز أيضا بمشروع آخر لمحاربة الإرهاب وتوطيد الأمن بناء على قدرات وتنسيق الجهود الذاتية للدول والقوى الإفريقي، ضمن مقاربة نابعة من الصدى والمصالح والقيم الإفريقية وفق المنافحين عن هذه الرؤية من الكتاب والمفكرين المغاربة والأفارقة.
تتكامل على ما يبدو أضلاع المقاربة المغربية تجاه إفريقيا بضلع آخر بالغ الأهمية وهو جمعية الملك محمد السادس للعلماء الأفارقة، والتي تمثل جناحا مغربيا إسلاميا تجاه إفريقيا التي تنتشر فيها المساجد والمراكز الدينية المغربية، وينضاف إليها تاريخ طويل من التقدير للعلماء المغاربة.
ودون شك تواجه هذه المبادرة تحديات متعددة، منها مستوى التغيير المتواصل وغير الدستوري للأنظمة في غرب إفريقيا، وهو ما يعني التناقض المستمر لمقاربات الحكم في المنطقة، إضافة إلى تصاعد الإرهاب في منطقة الساحل، ومع ذلك تبقى آفاق تمدد المبادرة المغربية الأطلسية أكثر من عوائقها