قال العلامة الشيخ محمد الحسن بن الددو إن السودان يتعرض لإبادة جماعية وحرب دولية، واتهم العلامة الددو "قوات الدعم السريع" بأنهم لم يتركوا محرما لله تعالى وإلا انتهكوه، من تدمير للمدن ونهب للبيوت وسلب، وتهجير لأكثر من 13 مليون سودانيا.
وقال الشيخ الددو في مقابلة خاصة مع موقع ريم آفريك إن ما يجري بين في السودان مؤامرة دولية، بدأت بإسقاط الحكومة الشرعية التي كان فيها نفع وخدمة وولاء للإسلام والمسلمين، ثم استمرت بعد ذلك عبر قوات الدعم السريع ومن جلبته من المقاتلين بتمويل من الصهاينة العرب وفق تعبيره.
وفي مقابلته مع موقع ريم آفريك تحدث الشيخ محمد الحسن ولد الددو عن فتواه بشأن عدم اشتراط التصريح في الحج، مؤكدا أنه عبر عن موقف شرعي لا لبس فيه، معتبرا أنه ليس ضد أي إجراء تنظيمي لخدمة الحجاج وتفويجهم وتوسيع المطاف والمسعى، لكن لا يجوز أن يمنعوا من الحج بحال من الأحوال
مقابلة الشيخ محمد الحسن بن الددو
السؤال الأول: لو حدد لنا الشيخ محمد الحسن بن الددو خمس قيم كبرى ينبغي أن تسود حياة المسلمين، أو هي الأهم من بين قيم الإسلام، فماهي هذه القيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القيم أصول وثوابت في الإسلام، ويؤسف أنها لم تخص بعلم مستقل، كما خصص الفقه والعقائد والسير، ولا يمكن أن يجزم بترتيب حدي للقيم، بحيث يقال هذه القيمة الأولى، ولعل من أهم القيم في نظري:
- قيمة العبودية لله تعالى: وهي أعظم القيم، والإيمان بها أعلى النعم، وأجلها، وهي منطلق كل تصرفات المسلم في كل شيئ، سعيا إلى نيل رضى الله في كل اعتقاد وفعل وقول وتصرف يمارسه الإنسان حتى يكون على نور من الإخلاص وبيان من موافقة الشرع، ثم الرضا عن كل قدر قدره الله على الإنسان، وبذلك تتأسس معالم العبودية لله جل جلاله.
- قيمة العدل: وهي من كبريات القيم التي أقام عليها الله السماء والأرض فقال جل جلاله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) .
وقال: يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
وقال وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون.
ويشمل هذا العدل مختلف جوانب الحياة، ومختلف تفاصيل حياة الفرد والمجتمع، فيدخل العدل في القيم ترتيبا لها، في الجمع العادل بين حسنة المعاد ودرهم المعاش، وفي توزيع الطاقات والقوى التي أنعم الله بها على الإنسان
وفي العدل بين الخلائق والمحكومين والأقارب والأولاد والأزواج، فلا يخرج عن العدل فعل ولا تصرف ولا عمل من أعمال البشر، إلا اختل نظامه، واضطربت أركانه، ولذلك كان العدل أساس كل نظام ولب كل فضيلة.
- قيمة الإحسان: وقد كتبتها الله على كل شي، فقال صلى الله عليه وسلم إن الله كتب الإحسان على شيئ، وفصل القرآن كل مجالات الإحسان، وأعلاها إحسان العبادة، وهي أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وأن تدرك أنك مستخلف في هذه الأرض ومأمور بالإحسان إلى كل من فيها وكل ما فيها، وكذا الإحسان في الإيمان بعدم الابتداع وبالتقيد بالسنة، والإحسان في العلم تلقيا وأخذا وتنزيلا، وفي العمل بموافقة الشرع ومجانبة الهوى، والإحسان في المعاملة للناس والأشياء المحيطة بها، حتى النباتات والبهائم.
وأول مقامات الإحسان عمل القلب وتخليصه مما ينافس الإحسان من بواعث الغضب والغل والحقد، وكذا الإحسان في المقال، فيقول خيرا أو يصمت.
ثم الإحسان في التعامل مع المحيط الإنساني وأوله الإحسان إلى الوالدين، لقوله تعالى: وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا"
ثم الإحسان إلى بقية الناس، والأقربون أولى بالمعروف، والجار أولى بسقبه، إلى غير ذلك من النصوص التي ترتب مستويات الإحسان إلى الناس وبين الناس
- قيمة الإنصاف: بأن يتعود الإنسان الإنصاف من نفسه وللناس، فينصف الناس ويعرف أنهم فقراء وضعاف، فليتمس له العذر ولا يرفع إليه حاجاته، بل يزهد فيما في أيديهم، ويلتمس لهم العذر في ما يرد عليهم أو يرد منهم من تصرفات
وأن ينصف نفسه فيجعلها دائما في قفص الاتهام، ويحذر غوائلها، وهذا من التعامل الحسن فالإنصاف من شيم الأشراف، وقد قال الحكيم:
لو أنصف الناس استراح القاضي
وراح كل عن أخيه راض
لو عمل الناس على الإنصاف
لم تر بين الناس من خلاف
- قيمة المحبة: ومدارها على معرفة أن هذه الدنيا واسعة، وأن الله لم يضيقها على عباده، وإنما تضيق حلوم الناس وأفهامهم.
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها
ولكن أحلام الرجال تضيق
وقد قال الشنفرى أيضا
وفي الأرض منأى للكريم عن القلى
وفيها لمن رام القلى متعزل
وأساس المحبة محبة الله تعالى، فإذا أحببته أحب كل ما يحبه، وكل من يحبه، وأحببت كل ما يقرب إليه، وبهذا الحب تزكو النفوس وينمو الإيمان، وتتوثق الأواصر، بين الناس، وتتقارب الأفئدة، وتتكامل الضمائر والجهود، ويسير الناس في صف من العبودية لله، تحت ظلال العدل، وفي محاريب الإحسان والإنصاف.
غزة أحييت الأمل في صفوف المسلمين وحطمت أصنام الغرب
مالذي أضافته أحداث غزة إلى الوعي الديني والثقافي للمسلمين؟
الشيخ محمد الحسن بن الددو: وعي المسلمين قائم بذاته في دينهم وفي ضمائر كثير منهم، ربما اعتراه بعض الوهن والضعف، وغلب عليه بعض الران والإحباط بسبب ما يرى الإنسان وما يسمع، ثم تأتي نفحات من الله تغسل ذلك الران وتزيل ذلك الوهن، فربما أتت مرة منحة صافية، وربما جاءت محنة في طيها منحة، كما هي الآن في أحداث غزة وما أعقب طوفان الأقصى.
وقد أحيت سواعد المقاومة وإباء الشباب وصبر الشعب الغزي، الضمير الميت، والوعي الغافي، والروح المتوهجة للإيمان والإسلام والشرف في نفوس المسلمين بشكل عام، رغم ما لاقى هذا الشعب المبارك من مجازر مؤلمة، ومن حرب إبادة تصب نيرانها من فوق ومن تحت، ومن الجو والبحر، إلا أنه قابل ما لا يتصور ولا يتخيل من لهب العدوان الغاشم بما لا يتخيل ولا يتصور من الصبر والإباء والمقاومة، والاستناد على الله والتمسك بحبله والثقة بنصره.
وقد أزالت مقاومتهم القنوط من نفوس المسلمين، وأكدت لهم أن تلك الأصنام التي كانت تروع الناس وتهز قلوبهم، هي أضعف من أن تهز إباء هذا الشعب القليل عددا، الكثير إباء والعظيم مقاومة وصبرا.
وقد أثبتوا أن التسليح ليس مختصا بجهة ولا فئة، وليس حكرا على عقول ووسائل الكفار، فالأحلاف الكفرية سخرت إمكانياتها من كل وسائل الإبادة لصالح الكيان الصهيوني.
وفي مقابل ذلك تصنع المقاومة سلاحها، وتفتك بأعتى وسائل الإبادة التي بيد الصهاينة، وفي كل فترة يعلنون عن سلاح جديد، وهم في تصنيعهم رغم ما يعانون من حصار ودمار وتشريد، فإنهم آية من آيات الله، كما هو آيات من آياته في الصمود والجود بالأرواح، كما قال بدوي الجبل
يعطي الشهيد فلا والله ما نظرت
عيني كإحسانه في الناس إحسانا
وغاية الجود أن يسقي الثرى دمه
عند اللقاء ويلقى الله ظمآنا
وأقول لأخوتي في فلسطين وفي المقاومة العظيمة في غزة، ثقوا بنصر الله تعالى فإن الله قد توعد عدوكم بالذلة والصغار إلى يوم القيامة فقال جل من قائل" وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم "
وكذلك فقد كشفت هذه الحرب زيف وبطلان كثير من النظريات الأرضية التي شغلت الناس كثيرا لعشرات السنين مثل القومية العربية، ومثل الليبرالية وحقوق الإنسان، والقيم الديمقراطية، فقد سقطت كل هذه المقولات والقيم في اختبار المقاومة والعدوان، فأين كل الهيئات والمنظمات والإيديولوجيات العالمية، بل وأين الجامعة العربية، لقد أظهر كل ذلك أنه أوهام وهيئات أباطيل، وأنها بالفعل أفيون لتخدير الشعوب لا أكثر.
وأكثر من ذلك للأسف أظهرت هذه الأحداث الفارقة عمالة كثير من الأنظمة وخصوصا العربية للصهاينة، وأظهرت حث بعض الزعماء على استئصال المقاومة الفلسطينية، وإطالة أمد الحرب الآثمة، واليهود يفضحون بين الحين والآخر مخفيات تلك العلاقات الآثمة.
وما من شك أيضا أن أحداث الطوفان كانت إحدى رسائل الإسلام التي عرفت به، وأظهرت أنه دين الحق، فدخل فيه أفواج من شعوب العالم، وتعاطف معه ومع قضاياه عدد كبير من نخب العالم وشبابه وفئاته الوازنة، وما الحراك في الجامعات الأمريكية، وغيرها إلا دليل على ما أحدثه طوفان الأقصى من هزات في وعي الشعوب، ومن انهيار لكثير من الأباطيل التي كانت تحول بينهم وبين الحقيقة الصافية.
كما أضافت هذه الأحداث وعيا بأن إسرائيل هي كيان مصالح متناقضة، وإرادات متصارعة، وليس دولة وحدة دينية، فالصراع في عمقها متفاقم، والمصالح متضاربة.
وأشد ما أظهرته هذه الأحداث أن هذه الأمة رغم ما برهنت عليه من حياة ومساعدة ودعم تبرع، فإنها مكبلة بآصار من الأنظمة البالية، وما إغلاق معبر رفح ومحاصرة الجيش المصري للغزيين، والقمع الشديد الذي تعرض له الأردنيون جراء دعمهم لأخوتهم في الأرض والدين والتاريخ، كل ذلك يدل على أن هذه الأمة معطلة الأوصال، وأن واقعها الحالي لا يمكن أن يستمر، بل ينبغي أن تحقق ما أمرها الله به من حياة الجسد الواحد، فقد قال جل جلاله " وأن هذه أمتكم أمة واحدة"
والنبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ)
وقد أسقطت المقاومة وهم المفاوضات والتعويل عليها في إنهاء الاحتلال، ومتى كان العدو الغازي الغاصب يترك ما تحت يديه بالمفاوضات، لقد أثبتت المقاومة أن ما أخذ بالسلاح لا يمكن أن يستخلص إلا بالجهاد والقتال في سبيله، وطلب الحسنيين، خصوصا أن كل هذه الاتفاقيات التي تمخضت عنها المفاوضات، كانت خدمة للصهاينة، وتفريطا في الأرض والمقدسات، وعليه فلا عبرة بها ولا أثر لها شرعا، وكذلك كل ما في بابها من التطبيع الذي أقدمت عليه بعد الدول العربية والإسلامية، فهو باطل ولا ينبغي أن يستقر ولا أن يستمر ليوم واحد، خصوصا أنها بوابات للإضرار الشديد بالمسلمين في فلسطين، وللأسف الشديد، فقد رأينا أن بعض الدول تبدي ما لا تخفي وأن ما تخفي ليس إلا خدمة الصهاينة، فقد رأينا الطريق البري الذي يمونهم، ورأينا زيادة في صادرات المواد الغذائية وغيرها إليهم من دول العربية ومن تركيا أيضا.
تقتربون من بعض الأنظمة، ومغضوب عليكم في أخرى، فما هي محددات علاقاتكم الدولية أو مواقفكم السياسية من القضايا ذات البعد الدولي؟
الشيخ محمد الحسن الددو: أنا لست سياسيا وليست لدي مصالح شخصية أهتم بها، وأرجو أن يكون موقفي بناء على الحكم الشرعي وعملا به في اقترابي أو ابتعادي.
الحج لا يحتاج إلى تصريح ولا يجوز منع الحجاح من أداء مناسكهم، ولكن ينبغي تنظيم تفويج الطواف
رأي بعض المراقبين في فتواكم بعدم اشتراط التصريح للحج ثورة على الأنظمة والقوانين التي تقيمها الدول لتنظيم أمورها وشؤونها الداخلية، وهل تنطبق الإجراءات التنظيمية على الحج؟
ليس صحيحا أنني حرضت ولا حثثت على شيئ مما ذكر في السؤال، وموقفي لا يضر أحدا مهما كان، وإنما هو بيان للحكم الشرعي، ووقوف ضد صد الناس عن المسجد الحرام، وقلت إن الله أمر نبيه ابراهيم عليه بالسلام بنداء البشرية إلى بيت الله الحرام فقال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"
وقد حذر الله من الصد عن المسجد الحرام فقال: يسألونك عن المسجد الحرام قتال فيه
وقال تعالى: وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوْلِيَآءَهُۥٓ ۚ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
وقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾
وقد صح عن النبي صلى الله عليه أنه قال يا بني عبد مناف
وهذه النصوص لا ينكرها أي من أهل العلم، ولا من له أدنى مسكة من العلاقة بشرع الله ونصوصه الثابتة القطعية التي لا تقبل النقاش.
ودعوتي وموقفي ليست ضد التنظيم، بل التنظيم جزء من المصالح المرسلة، مثل تفويج الطائفين، وفق فواصل زمنية قليلة، أو وقف الطواف حتى يصدر بعض الطائفين وتنفرج لغيرهم فرصة جديدة.
أما ما يقوله بعض الناس من الطاقة الاستيعابية، فلا وجه له، فلم يجعل الله تعالى الطواف ولا الرمي ولا الوقوف في دقيقة واحدة، بل جعله في وقت موسع من زوال الشمس إلى طلوع الفجر، وهو ما يمكن أن يؤدي فيه أعمال الطواف والرمي عدد لا يحصى من الملايين من البشر.
وكذا المبيت بمنى إذا ضاقت بأهلها كان ما حولها تبعا لها، مثل المسجد إذا ضاق بالناس يوم الجمعة ألحق به ما حوله من رحبة وطرق متصلة، والمشاعر بمثابة المساجد، وقديما كان الفقهاء يذكرون أن الطواف في البيت لا يجوز بالسقائف، ثم فرقوا بين السقائف القديمة والمحدثة، فأجازوه في الأولى ومنعوه في الثانية، أما الآن فقد اتسع الأمر، وأصبح الطواف جائزا من وراء المسجد، وكذلك المسعى فقد قال تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق، وكذلك إن الصفا والمرة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما.
فوسع الله تعالى وقال ليطوف بهما ولم ولم يقل ليطوف بينهما، والمقصود الابتداء بالصفا والانتهاء بالمروة، وإذا أدرك الناس أن هذه مسلمات شرعية، فلن ينسبوا لي ولا لغيري موقفا، بل هو شرع الله تعالى، وإنا لم آت بشيئ جديد، وإنما هي أحكام معروفة ذكرها العلماء في كل المذاهب، وحددوا شروط الحج وليس من بينها التصريح عند أي أحد من أهل العلم، ولن تجد من أي مذهب من المذاهب أن من شروط الحج التصريح.
وما يتعرض له الحجاج اليوم من الأذية والتعرض للهلكة، لا يختص به من ليس لهم تصريح، فقد نال حجاج الوفود والبعثات الرسمية شيئ من تلك الأذية، والحج في الأصل جهاد لا قتال فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها أجرك على قدر نصبك، فلا بد للحاج أن يتعب وينصب، ويعرف الأوقات التي يخرج فيها والأوقات التي قد تعرضه لضربات شمس، والذين تعرضوا لضربات الشمس لم يتعرضوا لها إلا على نقص فقه.
وبالمحصلة فالذين منعوا من الحج بعد أن وصلوا إلى المناسك، لا يقتضي منعهم تغير الفتوى ولا الحكم الشرعي، وإثمهم على من منعهم، والإثم على مانع الحق لا على المطالب به
وكونهم عرضة للهلاك، نعم هم في بعض الأحيان عرضة للهلاك، ومتى غلبت النسبة بمستوى الثلثين في التقدير أن يمنع الإنسان من المسجد الحرام ومن عرفة، فإن الأصل حينئذ أن لا يقدم الإنسان على الحج، أما الواقع الآن أن نسبة كبيرة جدا من الذين يحجون بدون تصريح يصلون في النهاية إلى المناسك ويؤدون الحج.
وهذه الأحكام التعللية تجري على مدار الغالب، فإذا غلبت السلامة عمل بمقتضاها، وإذا غلب الصد والإحصار عمل بذلك أيضا، ومن يزعم أن الذين ماتوا إنما ماتوا بسبب الفتوى، فهذه دعوى رخيصة ومغالطة، فكثير من المعنيين بها لم يسمعوا بهذه الفتوى ولا بصاحبها، وكثير منهم يؤدي حجه بهذه الطريقة منذ عقود، فيأتون في عمره رمضان وينتظرون أداء الحج.
وليس في هذا حجة تمنع بها الحكومات ضيوف الله عن بيته، فقد دعاهم جل جلاله إلى حرمه ولبوا نداءه فلا يحق صدهم عن سبيل الله.
السودان يتعرض لإبادة جماعية ومؤامرة دولية يمولها الصهاينة العرب
موقفكم مما يجري الآن في السودان؟
السودان مثل غزة تتعرضان لمؤامرة دولية ولحرب إبادة مقيتة، وقصد بها إذلال هذا الشعب العزيز الأبي وانتهاك حرماته، وقد بدأت بإسقاط الحكومة الشرعية التي كان فيها نفع وخدمة وولاء للإسلام والمسلمين.
وما يسمى الآن بكتائب الدعم السريع مع من جلبوا من آلاف من المرتزقة المعتدين لم يتركوا محرما لله إلا وانتهكوه، وقد شردوا لحد الآن قرابة 13 مليون من السودانيين، ودمروا المدن، ونهبوا البيوت وسلبوا ونهبوا، وحطموا هذا البلد بما فيه من الخيرات والمقدرات، وأعادوه إلى الصفر، ليصبح دولة منهكة، بعد أن كان دولة ذات سيادة ونماء وتصنيع لغذائه ودوائه وسلاحه، أما الآن فسيعود إلى دولة من أفقر الدول، وهذا ما أريد له عالميا، والحرب ما زالت على أشدها والصهاينة العرب يمدونهم بالسلاح والمال لإبادة شعب السودان وإذلاله.
وأمام هذه المأساة ينبغي لكل المسلمين وأحرار العالم أن يقفوا مع الشعب السوداني حتى يستعيد حقوقه ودولته، وتنتهي المأساة التي يعيشها، فهو مشرد في وطنه، ومقدرات الدولة منتهبة للأسف الشديد.
ماهي النصحية التي توجهونها إلى الرئيس الموريتاني القادم
أدعو الرئيس الموريتاني المنتخب وسائر حكام المسلمين إلى بذل الجهد في الإصلاح وخدمة الإسلام والحكم بشرع الله تعالى، وليعلم أن الله تعالى سائله عن كل صغيرة وكبيرة قال جل من قائل " يَوْمَئِذٍۢ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ
ودون شك فإن الشعب الموريتاني محب لله ولرسوله ولشريعته، ولا يبغي بها بديلا، ولذلك فإن على الرئيس المنتخب أن يعلم أنه يحكم شعبا مسلما ذا تاريخ عريق وانتماء إسلامي، وأنه شعب يريد أن يحكم بشرع الله تعالى ولا يريد قوانين الكفر، مثل قانون النوع، وقيم الجندرية والنسوية، وغيرها من الأباطيل التي تفسد الأسرة.
ولابد للحاكم أن يعلم أن للشعب الموريتاني تاريخا وتراثا، وأسلافا سطروا تاريخا مجيدا ولا يمكن أن يفصل هذا التاريخ وهذه الهوية عن حاضر ومستقبل الشعب الموريتاني.
وعليه أن يحفظ للناس أمنهم على دينهم وأنفسهم وأموالهم، وأن يعمل فيهم بالعدالة، ويسهل لهم ظروف الحياة، ويعمر الأرض ويجري بين الناس خيراتها، إذا لا يقوم أمر الدنيا إلا على عدل شامل وأمل فسيح.
شكرا لكم فضيلة الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو