الشيخ ابراهيم موسى: الصوفية اليوم بين خطر الركود والجمود والاستغلال المنهك (مقابلة)

خميس, 06/20/2024 - 13:05

قال العالم الموريتاني والمرجعية الصوفية الشيخ ابراهيم ولد موسى ولد الشيخ سيديا إن فرص موريتانيا متعددة في علاقاتها مع شعوب غرب إفريقيا ، خصوصا إذا كان واضعو الاستيراتجيات من ذاتِ المنطقةِ انتماءً وأحاسيسَ ومشاعرَ ،يَجِبُ أن يكونَ عندهم بالإضافةِ إلى المعلوماتِ اللازمةِ ذوْقٌ وإيمانٌ بأهميةِ العلاقةِ مع شعوبِ المنطقةِ"

ورأى الشيخ ابراهيم بن موسى وهو عالم موريتانيا ورجل علاقات نوعية في مختلف دول غرب إفريقيا إن الحديث عن خلافة عامة للطريقة القادرية هو حديث عن "لا وجود"

وتحدث الشيخ ابراهيم ولد موسى ولد الشيخ سيديا في مقابلة خاصة مع موقع ريم آفريك عن واقع وآفاق الظاهرة الصوفية في غرب إفريقيا،مبينا أن التصوف تعرض لضربات كبيرة في غرب إفريقيا لكن موقعه ما زال مؤثرا في شعوب المنطقة

 

نص المقابلة

 

ريم آفريك  تملكون علاقة نوعية في عدد من دول غرب إفريقيا وخصوصا في غامبيا، ما الأسس التي قامت عليها هذه العلاقة؟

 

الشيخ ابراهيم موسى: علاقتِي بغرْبِ إفريقيا علاقةُ رحِمٍ مهّدَ لَها تَاريخٌ جميلٌ وَعريقٌ من العلاقةِ الدينيةِ التي ربطتْ بينَ شعوبِ هذه المنطقةِ وجَدِّنَا الثالثِ الشيخ سِيدِيَ آلكبير رحمه الله تعالى ثمّ ترسّختْ وتعمّقتْ أَكثرَ في زمانِ جدِّنا والدِ أبِي الشيخ سِيدِيَ بابَ رحمه الله تعالى ،

أما الوالدُ الشيخ موسى بن الشيخ سِيدِيَ بابَ رحمهما الله تعالى فقدْ أَضْفَى على هذه العلاقاتِ إضافةً إلى وشائجِ القربى والرحِمِ ،صِبْغةً من الْمحَبّةِ والنقاءِ والْوُدِّ والصدْقِ ،والْإخلاصِ الذي تَعْيَا دونَ نَقْضِهِ صرُوفُ الدهرِ وتَقَلُّبَاتُ الْعصورِ ،

وقد قدّرَ اللهُ لِي منذُ انتِهائي مِن الدراسةِ الجامعيةِ وحصولي عام 1995 للميلاد على المتريز في العلاقاتِ الدوليةِ الْقيامَ بِاسْتِكْشافِ هذا الْجانِبِ بعد الحصولِ على إِذْنِ شَيْخِي ووالدي ،

ولكنني آثرْتُ أن أقومَ بِكلِّ ذلكَ على أساسِ علاقاتٍ شخصيةٍ لا أكونُ فيها مُسْتَغِلًّا لِاسْمِ العائلةِ الْعامِّ ،وذلك هو نَهْجي إلى يومِنا هذا ،

وعلاقاتي بحكوماتِ المنطقةِ كعلاقاتي بشعوبها ولكن طبيعة استغلال هذه العلاقاتِ هيَ في أضْيَقِ نِطاقٍ ممكنٍ بِناءً على أولويّاتِي في الْحياةِ ،

 

ريم آفريك: ما موقع اللغة العربية والثقافة الإسلامية في الهوية العامة لشعوب غرب إفريقيا؟

 

العربيةُ والثقافةُ الإسلاميةُ تَرْكِيبتَانِ مِحوَرِيَّتَانِ في الْهَيكلِ الذي تنبَنِي عليهِ الشخصيةُ العامّةُ لهذهِ الشعوبِ ،

فلو كانتَا مُجرَّدَ وَافِدٍ أَجْنَبِيٍّ لأَضَرَّ ذلك بِهما بِسببِ أنهما لا يَلْقيانِ حِمايةً ولا تشْجيعًا ولا رعايةً تُكافئُ أو تُدَانِي شَراسةَ نفوذِ وطغيانِ الثقافاتِ الِاستعماريةِ وإغراءاتِها المتعددةِ ،ولَمَا صَمدتَا في وجْهِها صُمودَ المنتصرِينَ ،

الناسُ في غرْبِ إفريقيا قبْلَ المذاهبِ والطرقِ مُعتزونَ بالإسلامِ مُستمسكونَ بِهِ ،والإسلامُ مُندَمِجٌ مع ذواتِهم وماهِيتهمْ وهُويَّتِهم ،

والعربيةُ تَبعٌ للإسلامِ ،

ريم آفريك: هل ما زال للمشايخ والزعامات الروحية الموريتانية، تأثير نوعي في غرب إفريقيا

 

الشيخ ابراهيم موسى: تَصْدِيرُ الشيخِ لمُرِيدِهِ يُؤدِّي إلى تَصَرُّفِ المرِيدِ مُستَقِلّا عن شيخِهِ بِحُكمِ أنه صارَ شيخًا ،ثم تكونُ له دائرَةٌ من الْمريدينَ تتبعُ لهُ كما كان يَتْبعُ هو لشيخِهِ وهكذا ،

وبناءً على ذلك فإنه إذا لم يكن هنالك خَيْطٌ جامعٌ تَنتَظمُ فيه هذه الدوئرُ والحِلَقُ فإنه يوشِكُ أن يَفقِدَ اللاحِقُ صِلتَهُ بالسابقِ ،وهذا ما حدثَ ويَحْدثُ ،

وقد يُلْحِقُ عدمُ وجودِ هذا الخيطِ ضبابيَّةً وبُرودةً في علاقةِ المشايخ " المَصدَر " ببقيةِ أتباعِ الطريقةِ ،

لا شكَّ أن مكانةَ المشايخ وزعماءِ الطرق رَغْمَ كلِّ الضرباتِ القاتلةِ التي تلقّتْها من محاربي التصوفِ وغيرهم ،ورغمَ سوءِ استغلالِ الحفدةِ لها ما تزالُ مُحتفظةً بموقعِها في نفوسِ تلك الشعوبِ ،ولكنها بحاجةٍ إلى عمليةِ إِنعاشٍ تتطلبُ حِذْقًا طِبِّيًّا لا أرَى على الساحةِ مَن يتوفّرُ فيهِ للأسفِ ،وهي عمليةُ إنعاشٍ مركبةٌ معقدةٌ دقيقةٌ جدّا وحساسةٌ جِدًّا ،وفي هذه الحالةِ الغامضةِ يتعذّرُ حصولُ تأثيرٍ ذِي بالٍ من مشايخِ وزعاماتِ الطرقِ ،

 

ريم آفريك: كيف ترون التحولات السياسية في منطقة غرب إفريقيا، وتزايد التغييرات غير الدستورية للأنظمة.

 

الشيخ ابراهيم موسى: التحولاتُ السياسيّةُ الحاصلةُ في الْمنطقةِ تُعتبرُ فرْصةً ثمينةً لأيِّ سياسيٍّ بارعٍ يستطيعُ مِن خلالِها فتحَ الملفاتِ العالقةِ واستغلالَ الوضْعِ " غيرِ النِّهائيِّ " للأنظمةِ الشابّةِ الحديثةِ التي ما تزالُ في حالةِ " فوْضَى ذِهنيةٍ " أو " تَشوُّشٍ " مِنْ أجْلِ صياغةِ اتفاقياتٍ وتأسيسِ علاقاتٍ تخدمُ بلادَنا أساسًا والمنطقةَ عمومًا ،لكن ذلك كله يَجِبُ أن يكون بِحرْصٍ بالغٍ ،وأن يكونَ بعيدًا عن متناوَلِ الإعلاميينَ والمدونينَ على الأقلِّ في مراحلِهِ الأولى ،

الخطرُ الداهمُ - حقيقةً - يكمنُ في التحالفاتِ المتضادةِ مع الدول الكبْرَى ،

واحتمالِ جرِّ المنطقةِ إلى حروبٍ بالوكالةِ كما هو حاصلٌ في بعض البلدان الأخرى ،

ريم آفريك: كيف يمكن لموريتانيا أن تستفيد من الطرق الصوفية وثراء المحاظر في تعزيز قوة ناعمة في المنطقة؟

الشيخ ابراهيم موسى واضعُو الاستراتيجياتِ في بِلادِنا يَجِبُ أن يكونوا من ذاتِ المنطقةِ انتماءً وأحاسيسَ ومشاعرَ ،يَجِبُ أن يكونَ عندهم بالإضافةِ إلى المعلوماتِ اللازمةِ ذوْقٌ وإيمانٌ بأهميةِ العلاقةِ مع شعوبِ المنطقةِ ،وأن يكونوا ممن يتْقِنُ فَنَّ اللعِبِ بالْمتناقضاتِ والحساسياتِ في مجالِ العلاقةِ مع أنظمةٍ يجمعُها أكثرُ مِما يُفرِّقُها نَادِرًا ويُفرِّقُها أَكْثرُ مِما يَجْمعُها غالِبا.

وبِحسَبِ المعلوماتِ والِانطباعاتِ التي تَعقُبُ أيَّ لِقاءٍ لي بشخصياتٍ موريتانيةٍ ذاتِ علاقةٍ بالموضوعِ أُدْرِكَ بأن هنالكَ ضرورةً ملِحةً لعمليةِ مراجعةٍ حقيقيةٍ جادةٍ لكل المعلوماتِ المُتوافرةِ ،وأنه يَجِبُ اسْتحداثُ وسائلَ وآلياتٍ جديدة كُلِّيًّا للتعامُلِ مع المعطياتِ المُستجِدّةِ ،

لا بُدَّ من التغييرِ الجذريِّ والقطيعةِ الكاملةِ مع أساليبِ تعامُلٍ انتَهَتْ صلاحيتُها ،

بذلك فقط يمكنُ لِبلادِنا أن تَجنِيَ من علاقاتِها بهذه الشعوبِ الطيبةِ جَنًى مِّنْ غَيرِ شوْكٍ ،وَسِدْرًا مخْضودًا ،وطَلْحًا مَّنضودًا ،

 

ريم آفريك: -  تختلف أنماط التأثير الصوفي في غرب إفريقيا، وهنالك من يربط بين الطرق الصوفية وبعض مظاهر الدجل والشعوذة في القارة السمراء، فكيف تصنفون المسارات الصوفية في المنطقة؟

 

الشيخ ابراهيم موسى: الصوفيّةُ ظُلِمُوا بِأَنهمُ اعْتُبِرُوا " حَجَّابَةً" بِالْأساسِ ،وتوَسَّعَ ذلكَ الِاعْتِبارُ فشمِلَ اتِّهامَهم بالدجَلِ والشعوذةِ ،

ولقد ساعدتِ القطيعةُ الابسْتمولوجيةُ الناجمةُ عن تَمَرُّدِ الأبْناءِ على الآباءِ في مرحلةٍ تاريخيّةٍ معروفةٍ على كَشفِ ظهورِ التصوفِ وتعريضِها لجلْدٍ ذاتِيٍّ وغَيْرِيٍّ مريرٍ ومُتلاحقٍ ،

فالسحرُ كان وما يزالُ منتشرًا في تلك الربوعِ انتِشارَ الْوباءِ شَدِيدِ الْعَدْوَى عَميمِ الْبَلْوَى ،وكانَ مِنْ هَدْيِ السلفِ أّنهم يُحوِّلونَ الْأشياءَ المْحرمةَ إلى أشياءَ مُباحةٍ بِتعْديلاتٍ في جَوْهرِها ومضامِينِها فالقوالبُ كالأرْحامِ لا تأثيرَ لها في حُكمِ النطفةِ ،

وهؤلاءِ المشايخُ لم يُضيفوا في هذا الْبابِ إضافاتٍ تُمَيزُهم أو تجعلُ ميدانَ لِحْجاب والشعوذة والدجلِ والخرافةِ مربوطا بهم وسِيمَى لهم ،ولكن بعض خصومِهم اعتبرَها صفةً عامةً عليهم مميزةً لهم ،بينما هِيَ صفةٌ عامةٌ على جميع مكوناتِ وانتماءاتِ هذه المجتمعات وغيرها على اختلافٍ في التفاصيل ،

والطريفُ أن بعض مَنْ يعدونَ مشايخَ يتعلمُ من المشهورينَ بهذه الأعمالِ ،

وبعضُهم يقومُ بِها جَبْرًا لخواطرِ مَن يطلبونَها منهم ولا يزيدُ على آياتٍ كريمة يتلوها على حفنةٍ من ترابٍ أو ماءٍ يسيرٍ ونادرًا ما يكتبُ لهم ،

لذلك علينا أن نفرِّقَ بين التصوُّفِ وبين مزاولةِ لِحجاب ،فأحدهما عبادةٌ والآخرُ تكسبٌ وصفَ كِبارُ مشايخهم الاشتغالَ بِهِ والِاشتهارَ به بِأنه عملٌ مذمومٌ من كلِّ وجْهٍ فنصحوا أبناءهم ومُرِيدِيهم بالأعمالِ المُباحةِ للكسبِ ،وبالِابتعادِ عن لِحجابْ كمِهنةِ اسْتِرْزَاقٍ ،

ولقد اخْتلطَ على كثيرٍ من المريدينَ مفهومُ التبركِ بِمفهومِ لِحْجابْ فلم يَهْتَمُّوا بالتمْيِيزِ بينهما ،

 

ريم آفريك: هل توجد خلافة عامة متفق عليها للقادرية في غرب إفريقيا؟

 

الشيخ ابراهيم موسى: الحديثُ عنْ خلافةٍ موحدةٍ حديثٌ فِي لَا وُجودٍ ،وهنالك ثلاثُ جهاتٍ أو خمسٌ أو أكثرُ تَنشَطُ في هذا الْمجالِ الْهُلامِيِّ ،وباقِي العوائلِ الصوفيةِ الأُخرى لها هي الأخرى نشاطاتُها البعيدةُ نِسبيًّا عن الإعلامِ ،

وفي عام 1997 للميلادِ دُعيتُ إلى اجتماعٍ تأسيسيٍّ في داكار لما أُطْلِقَ عليه في حينِه جمعيةُ أو تنظيمُ مُرِيدِي ومُحِبِّي أهلِ الشيخ سِيدِيَ ،ثم حضرتُ في باريس في نهايةِ العامِ الموالي تَفْكِيكَ هذا التنظيمِ بعدما قرّرَ البرلمانُ الفرنسيُّ اعتمادَهُ رسمِيًّا ومَنْحَهُ مُساعاداتٍ وامتيازاتٍ ،وكانَ أحدُ كبارِ الشخصياتِ السياسيةِ الفرنسيةِ وهو نائبٌ برلمانيٌّ مرموقٌ وغيرُهُ يزورونَ وُدِّيًّا رئيسَ هذا التنظيم الذي كان على اتصالٍ وثيقٍ بِي ،وكانوا يُتابعونَ مراحلَ الِاعتمادِ الرسمي للتنظيمِ وسبلَ دعمِهِ ،ويوافونَهُ بتفاصيلِ ذلك ،وقد عبَرَ التنظيمُ القارةَ الأوربيةَ فشملَ الأمريكيتين وبلدانا آسيوية ودولا في مناطقَ متفرقةٍ في إفريقيا ،

ولو أنه قُدِّرَ لهذا التنظيمِ أن يبْقَى إلى يومِنا هذا لكانَ كِيانًا دينيًّا عظيمًا جِدًّا بالقياسِ إلى كلِّ التنظيماتِ الحاليةِ ،فالقائمون عليه كانوا ذوِي علاقاتٍ عالميةٍ متشعبةٍ عاليةِ الْمستوى ،وكانوا قياديينَ من الطرازِ المُمْتازِ ،

أَمَا وَقَدْ ضُيِّعَت تِّلْكَ الْفرصةُ العجيبةُ ،فإن تَحرِّيَ مِثْلِها أو مَا هو دونَهَا حَتَّى ،شبيهٌ بِتَحَرِّي أَوْبةِ الْقارِظَيْنِ ،

السّعْيُ إلى تأسيسِ خلافةٍ صوفيةٍ جامعةٍ مع أنه حُلُمٌ مشروعٌ إلا أنه يَضعُ مفهومَ التصوُّفِ موضِعًا يَترَدَّدُ بيْنَ التعلُّقِ بِخلافةٍ تابعةٍ للأنظمةِ السياسيةِ بِما يَدْفعُ إليه ذلكَ مِن مداراةٍ للأنظمةِ ومُسايرةٍ لها ،والقبولِ بالتالي بخلافةٍ منزوعةِ الفحْوى فارِغةِ الْمضمونِ ،وبين النظرِ إلى ما هو أبْعدُ مِن ذلك فتتغير علاقاتها بالنظام من وئام وانسجام إلى نزاع وصدام.