على الدعاة والمشتغلين بالنصح والإرشاد أن يكُفّوا عن الفتوى والكلام في الحلال والحرام في غير ما لهم به علم، فإن ميدان الإصلاح فسيح، وباب الفتوى متخصّص فليُترَك لأهله.
عجبت من فتوى منسوبة لأحدهم تُبيح للمعتدّة السفر لغير ضرورة، وهذه مسألة معلومٌ إجماع الأئمة على حرمتِها، ومعلومة نصوصها من الكتاب والسنة وأقضية الصحابة ومتون الفقه، والإقامة في البيت حقٌّ محضٌ لله تعالى لا يملك الزوجُ ولا غيرُه إسقاطَه.
أما سفرُ المطلقة فمن أدلة حرمته قوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن} [الطلاق: 1] الآية، فوجب أن لا تخرج من بيتها الذي طلقت فيه إلى انقضاء عدَّتها، وأما في عدة الوفاة فلحديث الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها حين قُتل زوجها: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" قالت: فاعتددت فيه أربعةَ أشهر وعشرا، فقضى به بعد ذلك عثمان رضي الله عنه.
أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي والذهلي وابن حبان وغيره.
بل ذهب الحنفية إلى أنها إن كانت معتدة في نكاح صحيح، فإنها لا تخرج ليلاً ولا نهاراً سواء كان الطلاق ثلاثا أو بائناً أو رجعياً.
وخروج المعتدة من بيتها الذي كانت به وسفرها من المنكرات الشنيعة الشائعة في مجتمعنا، وقد أنكرها العلماء في القديم والحديث:
الطالقات لاقياتٌ حرجا ** إذا خرجن للأهالي مخرَجا
لقول ذي العزّة جلّ الأسنى ** لا تُخرجوهنّ ولا يخرُجنَ
فنُسِي النهيُ كأن لم يكُنِ ** حتّى الجيادُ لن تُقَدْ بأرسُنِ
وقد بالغ الفقهاء في التحريج في هذه القضية حتّى قالوا إنها إن خشيت عورة أو خافت انتقلت لأقرب مكان.
ألا فاتّقوا الله، واعلموا أن القول عليه بغير علم قرينُ الشرك في كتابه، قال سبحانه: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منهاومابطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}.