من نوادر الأخبار أن يرى الأطفال رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه في المنام، وإذا حدث هذا فإن هذا الطفل الرائي سيكون من ذوي الشأن والمقام، فتعاهدوا هذا الطفل، ونمّوا غرسه، فإنه من أهل الكرامة والبركة والشرف إن شاء الله!
2. وقد شدّني هدوؤه وسكون حاله وسلامه الداخليّ، وقد تلبّسته براءة الطمأنينة، ومشاعر الرضا، وكأنّ ما رآه ما زال يحيط به ويرعاه في كنفه رغم ما يظهر على هيئته من علائم الترويع الذي تعرّض له في جحيم هذا التوحّش.
3. وقد سقاه رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه بيديه الشريفتين الماءَ المحلّى بالعسل، وقد أحسّ الطفل بحلاوة الطعم وتأثّر به بالغ التأثر، وهذا يعني أن ما سيأتي من حاله سيكون أطيب وأنجَى مما عاناه من مرار من قبل؛ وبما أنّه شرب من يد رسول الله فقد نالته بركة معنويّة وحسّيّة خاصّة، ولاسيما أنه سقاه ما يكفيه ويدفع حاجته، ويعلّمه الزهد أيضاً، وبما أنّه قد بسط له يديه غاية البسط وجمعهما له، فهذه علامة رزق قريب ناجزٍ عاجل له، وللمعنيين بهذه الرسالة من أهل بقعته.
4. ورؤيا الماء والعسل أبلغ من رؤية الماء وحده أو العسل وحده، فرؤيا الماء حياة، ورؤيا العسل رزق وسعة، فإذا اجتمعا مع بركة يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يسقيه ولا ينقط عليه ولا يجعله يلعقه لعقة لعقة، فهذا يعني قيام حياة جديدة متصلة مباركة كحياة أهل سفينة نوح وبركتهم بعد الطوفان وإرغامهم لعدوّهم (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم).
5. وبما أنّه أعطاهم شربة الحياة والرزق فإنّه أعطى الإشارة أيضاً أنهم أهل حقّ، وأن اتّباعهم أشرف وأكرم وأغنَى، وأن خذلانهم خسارة وهوان وانحطاط.
6. وكان الطفل يركز بشغف واهتمام بالغ على تجلّي رسول الله له في رؤيته، وهذا دليل على تجرّد رؤيته لرسول الله، وأنّ ثمّة سرّاً لاختصاصه بهذه الرؤية، حتى شعر الطفل بأنّه صاحب رسول الله وصديقه وأخوه، ولكنه أعطى لأمّه تفصيلاً هامشيّاً في آخر حديثه لأمّه أنه شاهد والده الـ.ـ.ـشـ.هـ.يد حيّاً مع رسول الله، وهي جزء صغير من فحوى هذه الرؤيا، فغشِيَت الطمأنينة أمّه الثكلى، وفرحت لمقام زوجها، وفرحت أكثر لمقام ابنها الذي وهبه الله هذا الحضور الاستثنائي المهيب، ولا شكّ أن الأمّ مقصودة في هذه الرؤيا، وأنها من أهل الكرامة أيضاً إن شاء الله.
7. وقد سألت عدداً ممن رأوا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه في المنام، فكلّ واحد أدلَى بوصف هو أقرب إلى ما يعرفه ويألفه، وكأنه جاء على صفة يعرفها ويحبّها من الأوصاف السائرة لرسول الله التي عرف الناس بعض معانيها لأن الوصف المذكور في الكتب يصعب تصوّره إلا لمن يعرف العربيّة بعمق وخبرة، وكثيرون لا يوفّقون في دقة الوصف لصعوبة إجراء التوصيف لدى كثيرين وعدم وجود مفردات دقيقة لديهم، لكن هذا الطفل وفقه الله لذلك فشبّه وجهَه بوجه رسول الله، وشعره بشعره، وعينيه بعينيه؛ وكأنّ رسول الله قد تغيّر وجهه غضباً مما يحلّ بطائفة من أمّته بعدوان هؤلاء الأوغاد وبخذلان أولئك الجيران الأقربين، وقد فهمنا ذلك من اتساع عينيه وانفتاح نظره كما وصفه الفتى في رؤياه.
8. وأغلب الظنّ عندي أن رؤية هذا الفتى منقوصة لم يُكمل روايتها لأمّه الملهوفة، وأننا لو سألناه أكثر فسنجد عنده تفاصيل أوْعَب وأوعى، وفيها ما يريح الروح، ويَجْبر الفؤاد، ويؤمِّن الروعة بهذه الرسالة المبارَكة، فأبشروا يا أهل غـ.ـ.ـزّة!
د. أسامة الأشقر