الشَّريعَة أمِّية:
مضتْ أربعَة عشرَ قرناً كانَ الناس يصومونَ فيها على رؤيتِهم، لا عبرَة في ذلكَ بموقفِ أهل عرَفة، فكيفَ تصل رؤية أهل الحجَاز صحرَاء شنقيطَ في يومٍ واحد، وقد كانَ دونَ ذلكَ من الأهوَال وقطَّاع الطريق وظلمَات البحَار ما لا يخطرُ على بال؟
فلمَّا تطورَت التكنولوجيَا وصارَ العالم قريةً واحدةً رأينَا رؤيةً مخالفةً لموقفِ أهل عرَفة، أفنقول للعز بن عبد السلام وأحمد بن بابا التنبكتي وخَليل بن إسحَاق، وعشرَات العلمَاء، اعلمُوا أنكم كنتم تصومونَ يومَ العيد، وصيامكم باطلٌ باطل باطل، لأننَا كشفنَا ذلكَ بعدكم بالعلم التأريخي، وقد ثبتَ بالمقومَات التقويمِية أن التاريخَ الهجري وقعت فيه أخطاءٌ كبيرة في الرؤية.
الحق فيه أن النَّبي صلَّـى اللَّـه عليه وسلمَ ما أمرَ في إثبات الرؤية بتَلسكوب - وهو وسيلَة نافعة - ولا أمرَ في نقلهَا بتكنولوجْيا ولا هوَاتف ولا تلفاز، بل قالَ: إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ ولَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وهَكَذَا.
فيوم عرفَة يومُ التَّاسع من ذي الحجة، والتَّاسع من ذي الحجة زمانٌ يثبت برؤية الهلالِ بعدلين في قطرٍ، ولكل قومٍ رؤيتهم، وتوحيد الرؤية في هذا الباب معجوز عنهُ فكوستاريكَا متقدمَة على السعوديَة بتسع ساعات، فإن انتظرتهَا في ثبوتِ هلالهَا أشرقَت الشمس.
فالأمة أمية، والشهر هكذَا وهكذا حيثُ ثبت، ومن صامَ اليومَ فقد صامَ عرفَة لا يومَ العيد.
وفي هذَا يقول ابن عاصم في نَيل المنَى ناظماً موافقات الشاطِبي:
وَكَوْنُهَا أُمِّيَّةُ الْمَقَاصِدِ == يُبْنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي قَوَاعِدِ
مِنْهَا اطِّرَاحُ قَوْلِ مَنْ قَدْ مَالَ فِي == دَعْوَاهُ فِي الْقُرْآنِ لِلتَّعَسُّفِ
إِذْ نَسَبُوا إِلَيْهِ كُلَّ عِلْمِ == مُسْتَنْكَرٍ فِي الشَّرْعِ عَافِي الرَّسْمِ
ولو لم يكن في هذَا الأمر من المثَالب إلا أنه جرأَ العامَّة على العلمَاء وأعطَى لكل عيي لساناً وبياناً يرد فيه قولَ المجتهدينَ المحررينَ لكانَ كافياً في الانصرافِ عنه، واللَّـه أعلَى وأعلم.