أسدل الستار في قطر على نهائي مسابقة شاعر الجامعات، خلال الأيام الماضية، بعد فترة من السباق الشعري بين محبي الشعر وصياغة قصائده من الجيل الطلابي بجامعات دولة وقطر وأكاديمياتها وذلك بتنظيم من وزارة الثقافة ممثلة في مركز قطر للشعر وبالتعاون مع جامعة قطر.
كان الصدح بالأوزان الأدبية والشعرية المجال الذي التقى في دربه المشاركون في المسابقة من المواطنين والمقيمين بدولة قطر وهم يترسّمون طريقا شعريا لم يزل ديدنا للكلمة الشعرية العربية منذ القديم ومن يوم أن كانت مضارب العرب في سهول ونجاد الجزيرة العربية مسرحا لتجاوب تيارات الشعر ما تعاقبت رياح الصَّبا والنسائم المختلفة على هذا المسرح والمهاد الحافل بأسماء نجوم الشعر الذين شكلوا حضورا خاصا في ثقافة مجتمعاته بدءا من رعيل ابن "خذام" المذكور في أشعار امرئ القيس أقدم شاعر عربي احتفظ الزمان بديوان شعره، وذلك في قوله: (نبكي الديار كما بكى ابن خذام).
حاول الشعر العربي ما استطاع أن يتجاوز مرحلة ذرف الدموع تلك التي شكلت عنصرا من طينته الأولى، ولم تكن سياقات الجغرافيا والحقب التاريخية أحيانا مواتية في سبيل النجاة من ذلك التحدي، ولكن الطابع الكرنفالي والاحتفائي والاحتفالي في طبيعة تقديم الشعر وإلقائه في التجمعات العربية ومن ذلك فكرة المساجلات والفعاليات كان تعويضا من جانب عن تلك البكائيات وعنصرا ابتهاجيا ثابتا يقابل روح الوجع والألم التي تتلبس مضامين القصيدة وهي مرآة واقعها بالطبع منذ أن كانت صورة حية نابضة بيوميات امرئ القيس.
ابتهج العرب بفكرة التنافس الشعري فضربوا لها الخيام في أنحاء أسواقهم وجلس النقاد للقصائد يقوّمون "ميلها وسِنادها" على لغة عَدِي بن الرِّقاع ويتحدثون عن قيمة أسهمها الفنية في المداولات الشعرية، وذلك النهج سيرافق نصوص أوزان الخليل الفراهيدي عبر نهر أناشيدها المنحدرة من أعلى نقطة بجبل "أبَان" المذكور في معلقة امرئ القيس بقوله "كأن أبانا في أفانين ودقه"، وإلى اليوم… حيت التيار متدفق وخريره سمّوه علم العروض وآذانهم في إطراق للرنَم والعيون معلقة بمشاهد التنافس والتباري بين تلك الأمواج في رسم لوحات لا تنتهي حتى تبدأ على صفحات المياه ..أوراق الشعر.
الميل الحضاري إلى فن الشعر ميزة أصيلة للوجدان العربي باقية ما بقي المَلوان للأثر النبوي "لن تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين"، ومصداق ذلك اندثار أسواق عكاظ والمربد ومِجنة وغيرها من مواقع تقديم الشعر في العصور الساحقة عند العرب وبقاء خاصية ربط الشعر بالتجمعات وإنشاده لها كما هي طريّة كيوم كان حالها في تلك الأسواق بل وبشكل يستخدم اليوم أحدث الأشكال العصرية والإعلامية والرقمية للبقاء في دائرة الضوء وفي تواصل وثيق مع فئات الجمهور والمتلقين من المتذوقين للشعر والمتابعين لفاعلياته وبرامجه وأحدثها في قطر شاعر الجامعات التي كانت الفعالية الثقافية التي تفتح المجال للمواهب الشابة وتمثل تنقيبا عنها بين صفوف طلبة الفصول بالكليات المختلفة للوصول للجواهر الشعرية المكنونة وإبرازها للمجتمع بما يعمل على تطوير قدراتها ويساهم في منح الفرصة للتجارب الصاعدة لتحجز المكان وتمضي راشدة في طرائق صناعة المعاني والأوزان.
نادى منادي مسابقة شاعر الجامعات بقطر، فكان المشاركون متعددي المشارب، وبينهم ظهر زي "الدراعة" الموريتانية التي واصلت عبر المراحل إلى آخر لحظة في البرنامج ثم كان نصيبها التتويج بالمرتبة الأولى، وكم يمُتُّ الشعر الموريتاني بصلة إلى هذه الربوع وهو ينال بها هذا التتويج محييا عهد الانتماء، فمن مسارح الدهناء القريبة من قطر وربوع (يَبرين) ورمل (عالج) وطريق (هَرْشى) شكّل الشعر الموريتاني هوية وجدانه ومثلت هذه المفردات ومثيلاتها وحدات ملهمة في قاموس لواعجه الأدبية، كما تتجدد للزي الموريتاني (الدراعة) في لحظة التكريم في ختام هذه المنافسة الشعرية بقطر، أصالته في البقعة العربية مشرقيا، تلك الأصالة التي تشي بها تقنية حياكة أطراف الدراعة عند النفر اليمانين:
إذ النفر الغرّ اليمانون نمنموا .. له حَوْك بُرديه أجادوا وأوْسعوا.
وأوضح الشعر القديم ذلك من خلال الإشارة للدراعة بين الأزياء:
رأيت أبا جعفر في المنام .. كساني من الخز دراعه.
---
*بقلم: أحمد مولود اكاه - مهتم بمجالات الإعلام والأدب