مجال الفنون التشكيلية متنوع ومعقد بشكل كبير جدا، ويشمل مجموعة واسعة من الوسائط والأساليب والموضوعات، وهو ما قد يعقد الإجابة عن سؤال بسيط مثل: ما الفن المعاصر؟
يرى مؤرخ الفن وأستاذ الفنون والأفلام والدراسات المرئية بجامعة هارفارد ديفيد جوسيليت أن الفن المعاصر -في جوهره- يشير إلى العمل الإبداعي الذي يتم إنتاجه وتقديمه في الوقت الحاضر، وهو فن صنعه فنانون أحياء، وتعكس مواضيعه اهتمامات ووجهات نظر الفنانين والجمهور، ويعد الوسيلة التي تتيح للفنانين التفاعل مع العالم من حولهم.
وترى مؤسسة ووكر للفنون أن الموضوعات التي يطرحها الفنانون المعاصرون، ولكونها تعكس القضايا الوجودية أو الأسئلة الفلسفية المعقدة التي تضج بها العقول البشرية؛ تصبح هي الأخرى معاصرة، خاصة عندما يتم توظيفها عبر وسائط -مثل الرسم أو التركيب- للوصول لمعنى أو هوية ثقافية.
هذا بالطبع لا يعني أن العمل الفني لا يكون معاصرا إلا إذا تناول أو ناقش هوية ثقافية أو معنى شخصيا فقط، بل يكون كذلك أيضا حين يقدم انتقادات للبنى الاجتماعية والمؤسسية، أو حتى يعيد تعريف الفن نفسه. فالفن بشكل عام يطرح أسئلة، وعملية طرح الأسئلة تلك صعبة في حد ذاتها ومثيرة للتفكير ولا تنتهي بإجابات سهلة؛ وهذا بالتحديد ما يعطي العمل الفني قيمة وعمقا كبيرا.
كيف تُميّز الفن المعاصر عن غيره؟
ترى الناقدة الفنية ليندا نوكلين أن الفن المعاصر يستشكل تمييزه عن غيره من المدارس والاتجاهات لأنه يتطور باستمرار بسبب ظهور حركات وأساليب واتجاهات جديدة طوال الوقت. ومع ذلك، هناك بعض الخصائص التي يمكن على أساسها أن نصنف العمل ضمن الفن المعاصر، بالإضافة إلى كونه من صُنع فنان حي.
وأشارت نوكلين إلى أن موضوع العمل في الفن المعاصر يعكس السياق الثقافي والسياسي الحالي، ونجد غالبا أن هذا العمل تم بطرق مبتكرة، فقد صارت الألوان الزيتية المرسومة على قماش وسيطا كلاسيكيا قديما، وظهرت بدلا منها وسائط مثل ألواح الرسم الإلكترونية الحديثة وكاميرات التصوير الرقمية، وغيرها.
الخروج من الأنا نحو الجميع
يعد الفنان الصيني آي ويوي من أبرز الفنانين المعاصرين، واكتسب شهرة دولية بسبب أعماله الفنية المشحونة سياسيا بقضايا الرقابة والقمع الحكومي وانتهاكات حقوق الإنسان، وتحمل أعماله عادة رسالة كونية؛ فالعالم يصير رحبا وجميلا حين يتسع لجميع الناس. وبالنسبة له فإن الفن المعاصر منوط به إعادة زرع المعاني الرائعة في نفوس الناس.
ويظهر التوجه نفسه في أعمال الفنان الأميركي كهيندي وايلي المعروف عنه تحدي المفاهيم التقليدية للسلطة والتمثيل، حيث يصور الأفراد السود في أوضاع بطولية أو ملكية، مشيرا إلى افتقار عالم الفن عبر التاريخ لحضور أعمال شهيرة عن الأشخاص الملونين.
العين الوحيدة للعالم
لا يخرج الفن المعاصر بذلك عن الدور الأساسي المنوط بكل عمل فني مهما كانت مدرسته، وهو أن يحرر العقل البشري من شرك الدوغمائية (الأحكام القطعية)، وفي حالات مثل الحروب العالمية والأوبئة والكوارث النووية حريٌّ بالفن أن يكون عينًا للعالم الذي فقد بصره وبصيرته.
يقوم الفنان البريطاني داميان هيرست منذ ثمانينيات القرن الماضي بتلك المهمة المفاهيمية؛ فيستكشف عبر فنه موضوعات مثل الفراق والحياة والموت وهشاشة الحالة البشرية بشكل عام في مواجهه الألم. وتظهر تلك المعاني جلية في عمله "حطام اللامعقول" (Wreck of the Unbelievable) المعروض حاليًا في قلب لندن.
نجد بذلك أن الفن المعاصر مجال فني شديد الثراء لأنه يُحدَّث بشكل شبه يومي وفقًا لمعطيات الوضع الراهن على المستويات العالمية والمحلية والفردية. وهو بالطبع ينطوي على نوع من النشاط السياسي حيث يستكشف الهوية الشخصية والجماعية أحيانًا بطرق لطيفة وجديدة، وأحيانًا أخرى بطرق استفزازية، سواء من خلال الرسم أو النحت أو التركيب أو الأداء.