ثلاثة أسباب لهيمنة الفيدرالي الأمريكي على اقتصاد إفريقيا والعالم

أربعاء, 09/28/2022 - 09:45

مشكلة التضخم مشكلة عالمية، ففي نهاية شهر أغسطس الماضي، كان معدل التضخم في الولايات المتحدة 8.3٪ وفي منطقة اليورو 9.1٪. وبلغ المعدل 20.3٪ في نيجيريا، و25٪ في ملاوي، وأكثر من 30٪ في إثيوبيا وغانا.

 

وتأثير التضخم على إفريقيا مدمر؛ حيث تُقدّر وكالة الطاقة الدولية أنه بحلول نهاية العام، لن يتمكن 30 مليون إفريقي إضافي من تحمُّل تكاليف وقود للطهي. ويُقدّر البنك الدولي أن عدد الأفارقة الذين يعيشون في فقر مدقع سيرتفع من 424 مليونًا في عام 2019م إلى 463 مليونًا هذا العام.

 

وبينما لا يوجد اتفاق حول سبب حدوث ذلك؛ يجادل البعض بأنها مشكلة عرض وطلب في المقام الأول؛ حيث أدَّت الاضطرابات في سلاسل التوريد الناجمة عن آثار جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا إلى انخفاض المعروض من السِّلع مثل الوقود والأسمدة والمواد الغذائية؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعارها.

 

ويرى آخرون أن ما يحدث هو نتيجة للسياسات النقدية الفضفاضة للبنوك المركزية الرائدة في العالم مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. فقد أبقت البنوك المركزية أسعار الفائدة منخفضة، وشاركت في التيسير الكمّي لعدد من السنوات. وتضمّن ذلك أيضًا شراء السندات في الأسواق المالية لزيادة الأموال المتاحة للمؤسسات المالية؛ مثل: البنوك التجارية والبنوك الاستثمارية، وشركات إدارة الأصول وشركات الأسهم الخاصة، وصناديق التحوط وصناديق التقاعد، وشركات التأمين وصناديق أسواق المال، وصناديق الثروة السيادية.

 

يختلف أصحاب كل رأي أيضًا حول كيفية إدارة المشكلة؛ إذ يجادل أصحاب الرأي الأول بأن التضخم سيتقلّص مع حلّ مشكلات جانب العرض؛ حيث يؤكدون أن الأسعار المرتفعة الحالية ستحفّز الشركات على زيادة الإنتاج، وسيؤدي ذلك إلى كثرة توفُّر السلع مثل الغذاء والوقود والأسمدة؛ الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى انخفاض أسعارها –وانخفاض التضخم بالطبع-.

 

بينما يرى أصحاب الرأي الثاني أن البنوك المركزية يجب أن ترفع أسعار الفائدة، وتتوقف عن التيسير الكمّي. وهم يجادلون بأن هذه الإجراءات ستجعل اقتراض الشركات والأُسَر والحكومات أكثر تكلفة؛ مما سيؤدي بدوره إلى إبطاء الاقتصاد وتقليل الطلب (وربما العمالة أيضاً). ويُصرّون على أن هذا سيؤدي إلى انخفاض الأسعار وإنهاء التضخم في النهاية.

 

لسوء الحظ؛ فإن حقائق الإدارة المالية العالمية تعني أن حرية القرار بشأن النهج الذي يجب اعتماده مِن قِبَل الدول الإفريقية قد تمَّ سحبه من أيديها؛ أي أن الأمر لم يعد بأيدي الأفارقة لاختيار أحد من النهجين.

 

لماذا تقل الاختيارات أمام الدول الإفريقية؟

من جهة أخرى قرَّر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أنه يجب معالجة المشكلة باعتبارها مشكلة نقدية. وبالتالي، فهو يرفع أسعار الفائدة ويزيل التيسير الكمي. ويجب على البنوك المركزية في الدول الإفريقية أن تحذو حذوها لثلاثة أسباب على الأقل:

 

أولاً: الدولار الأمريكي هو العملة الأكثر أهمية في العالم. ففي عام 2021م، استحوذت العملة الأمريكية على 59٪ من الاحتياطيات الأجنبية العالمية، وأكثر من 70٪ من جميع الفواتير التجارية، وأكثر من 60٪ من الودائع والقروض بعملات غير محلية حول العالم. في عام 2019، 80٪ من معاملات الصرف الأجنبي حول العالم كانت بالدولار.

 

وتعني هيمنة الدولار الأمريكي أن الرفاهية الاقتصادية لجميع البلدان مرتبطة بقدرتها على الحصول على الدولار ومتوسط سعره بعملتها المحلية. كما أنه يمنح الاحتياطي الفيدرالي، المسؤول عن حماية قيمته، نفوذًا عالميًّا كبيرًا.

 

ثانيًا: يُعدّ سوق سندات الخزانة الأمريكية البالغ قيمته 27 تريليون دولار، الأكبر والأكثر أمانًا في العالم. عندما تكون هناك مشكلة أو عدم يقين في الاقتصاد العالمي، يندفع المستثمرون لشراء الدولار والاستثمار في الأسواق الأمريكية. كما يزداد حافزهم للقيام بذلك مع تقلُّص الفرق بين المعدلات الأمريكية وتلك الموجودة في البلدان الأخرى.

 

يتعين على البنوك المركزية الإفريقية الراغبة في إدارة هذه التحركات رفع أسعار الفائدة. وإن لم يفعلوا ذلك؛ فإنهم يواجهون احتمال انخفاض قيمة عملاتهم؛ حيث يبيع المستثمرون الأصول المقوَّمة بالعملات المحلية لشراء الدولار. وسيؤدي انخفاض قيمة عملتهم المحلية إلى زيادة تكلفة شراء الدولار الذي يحتاجونه لسداد ديونهم المقوَّمة بالدولار ودفع قيمة الواردات. وهذا بدوره يُهدّد بالتسبُّب في ارتفاع التضخم المحلي.

 

ثالثًا: في الواقع، يعتبر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أهم جهة فاعلة في إدارة النظام المالي العالمي. على سبيل المثال، في بداية جائحة كورونا سارع المستثمرون في جميع أنحاء العالم لتحويل استثماراتهم إلى الدولار، مما قلَّل من وصول الجهات السيادية والشركات والأسر للائتمان في جميع أنحاء العالم. استجاب البنك الاحتياطي الفيدرالي الامريكي، لتجنُّب حدوث أزمة في الأسواق الأمريكية، بقوَّة وبسرعة. في غضون أسابيع، ضخَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي أكثر من 2.3 تريليون دولار أمريكي في الأسواق المالية، ونشط خطوط المقايضة التي وفَّرت الوصول إلى 30-60 مليار دولار للبنوك المركزية المختارة.. كما أنشأ أيضًا تسهيلًا خاصًّا لمساعدة البنوك المركزية الأخرى.

 

وفَّرت تحرُّكات البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السيولة للمؤسسات المالية التي، بدورها، قررت بحث آليات تخصيص وتمويل تريليونات الدولارات من السيولة الإضافية هذه بين عملائها من الجهات السيادية والشركات والأفراد. بحلول منتصف عام 2020م، نما الائتمان بالدولار الأمريكي للأسواق الناشئة والبلدان النامية بنحو 7٪ ليكون 4 تريليونات دولار أمريكي.

 

بينما كان صندوق النقد الدولي، الذي يُزعم أنه المؤسسة الرائدة في الحوكمة الاقتصادية العالمية, يتحرك بشكل أبطأ. بين مارس 2020م ومارس 2022م، قدم الصندوق ما مجموعه 171 مليار دولار أمريكي في شكل دعم مالي طارئ إلى 90 دولة.

 

دور الاحتياطي الفيدرالي:

الآن بعد أن قرر البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي محاربة التضخم، فإنه، في الواقع، يعكس الدعم الذي كان يقدّمه للاقتصاد العالمي. وتساهم سياسات البنك في انخفاض قيمة العملات، وارتفاع الأسعار وزيادة مخاطر التخلُّف عن سداد الديون في العديد من البلدان الإفريقية.

 

إن المنظمات الدولية يمكنها فقط أن تفعل القليل نسبيًّا لمساعدة البلدان النامية على التعامل مع الوضع الحالي. في أحسن الأحوال، يمكن لهذه المؤسسات توفير عشرات المليارات من الدولارات لجميع أعضائها من البلدان النامية. وبالمقارنة، فإن سياسة التضييق الكمي لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ستسحب 95 مليار دولار شهريًّا من الأسواق.

 

إن الدور المتنامي للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الحوكمة المالية العالمية يطرح تحديين: الأول هو أن الاحتياطي الفيدرالي هو من صنع القانون المالي الأمريكي، ومطلوب منه أن يفي بمسؤوليته القانونية باستقرار الأسعار والتوظيف الكامل داخل الولايات المتحدة. لذا فالبنك يأخذ في اعتباره تأثير أفعاله على البلدان الأخرى، فإنه يركز اهتمامه على تلك البلدان التي يعتقد أن لها تأثيرًا كبيرًا على الوضع النقدي والمالي المحلي داخل للولايات المتحدة. ويؤدي هذا إلى تفاقم انحياز النظام المالي الدولي لصالح الدول الأكثر ثراءً. كما قد يؤثر سلبًا على استدامة الاقتصاد العالمي على الأرض.

 

التحدي الثاني هو أن البلدان الإفريقية ليس لديها وسيلة لمساءلة البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن الآثار السلبية لقراراته على القارة الإفريقية.

 

ماذا يمكن للدول الإفريقية أن تفعل؟

من الواضح أن خيارات الدول الإفريقية محدودة ما دام الدولار يحتفظ بمكانته المهيمنة في النظام المالي العالمي والأسواق المالية العالمية تظل قوية للغاية. ولكن بصفة عامة يمكن للدول الإفريقية أن تفعل ما يلي:

 

أولاً: يمكنهم تعزيز الوعي بتأثير هذا الوضع على إفريقيا؛ حيث يمكن للبنوك المركزية الإفريقية، التي تعمل من خلال منظمة مثل رابطة البنوك المركزية الإفريقية، العمل على إحاطة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بمدى تأثيرات سياساته وإجراءاته على إفريقيا.

 

ثانيًا: يمكنهم دعوة هيئة دولية، مثل بنك التسويات الدولية، لإنشاء مكتب مستقل لدراسة دور الإدارة المالية العالمية للبنوك المركزية، والتشاور مع الأطراف المتأثرة، وإصدار تقارير عامة منتظمة. كما يجب أن يطوّر هذا المكتب مجموعة من المعايير الدولية لتوجيه البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وغيره من البنوك المركزية الرائدة حول كيفية تحقيق التوازن بين تفويضاتهم المحلية ومسؤولياتهم خارج إقليمهم كجهات فاعلة في الإدارة المالية العالمية.