في ظل اهتمام موسكو بالقارة.. تطوير استراتيجية إفريقية للتعامل مع روسيا

اثنين, 08/29/2022 - 08:08

سلَّطت زيارة وزير الخارجية الروسي لإفريقيا الضوء على أهمية تطوير استراتيجية قارّيَّة للتعامل مع روسيا؛ لتجنُّب تحوُّل الدول الإفريقية إلى قِطَع شطرنج في لعبة القوى العالمية.

 

خلال خمسة أيام من شهر يوليو 2022م، سافر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أربع دول إفريقية؛ للتنويه بالاهتمام الروسي بالقارة؛ فالزيارة التي شملت كلاً من مصر وجمهورية الكونجو الديمقراطية وأوغندا وإثيوبيا كانت إشارة إلى رغبة روسيا لكسب وتعزيز الدعم الدولي.

 

الزيارة أكدت على أهمية أن تكون للدول الإفريقية مواقف محكمة الصياغة عند التعامل مع القوى الخارجية، بدون ذلك، تخاطر إفريقيا بأن تكون عالقة في النزاعات الجيوسياسية، مما يقلل من تأثيرها الدولي.

 

بعد تدهور علاقة الكرملين مع الغرب؛ بسبب ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014م، وسَّعت روسيا علاقاتها مع الدول الأخرى، خصوصًا بالجنوب العالمي. وفي حين لم تُحْرِز زيارة لافروف في يوليو الماضي إلا بعض الأهداف الملموسة؛ انتقد لافروف السياسة الغربية في التعامل مع إفريقيا، مع إظهار إعجابه بالنهج المستقل الذي تتخذه القارة.

 

تكثيف العلاقات مع إفريقيا:

كانت القمة الروسية - الإفريقية الأولى، برئاسة مشتركة بين روسيا ومصر في سوتشي عام 2019م، محاولةً لتعزيز الشراكة بين روسيا والقارة؛ حيث شارك في القمة ثلاثة وأربعون رئيس دولة، وكان من المرتقب أن يتم عقد قمة ثانية في أواخر 2022م، ولكن بسبب الحرب في أوكرانيا، تم تغيير موعدها إلى منتصف 2023م.

 

وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، واجهت الدول الإفريقية انتقادات بسبب تصويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ففي مارس 2022م، تبنَّت الجمعية العامة قرارًا يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد امتنعت حوالي 48٪ من الدول الإفريقية عن التصويت (أو لم تُصوّت)، وصوَّت 48٪ من الدول الأعضاء لصالح القرار، وبشكل مُلاحَظ لم تفرض أيّ دولة إفريقية عقوبات على روسيا منذ بداية الحرب.

 

منذ عقد على الأقل وروسيا تعمل على تكثيف علاقاتها العسكرية مع العديد من الدول الإفريقية، وغالبًا ما يكون هذا تحت تأثير العلاقات الوثيقة بين جهات صناعة الأسلحة الروسي ومجموعة فاغنر، المقاول الأمني غير الحكومي سيئ السمعة.

 

ووفقًا لمؤسسة (سيبري)، وهي مؤسسة أبحاث سويدية، كانت روسيا أكبر مورّد للأسلحة في إفريقيا عام 2021م، حيث تمثل 44٪ من واردات القارة من الأسلحة، وفي المجموع وقَّعت روسيا اتفاقيات عسكرية مع أكثر من 20 دولة إفريقية.

 

وعلى الرغم من أن روسيا ليست ضمن أهم شركاء التجارة للقارة؛ إلا أن مكانتها التجارية لا يمكن التغاضي عنها، ففي 2020م تم تقدير مجموع حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الإفريقية بأكثر من 14 مليار دولار، وتمثل التجارة مع مصر وحدها 30% من هذا المجموع.

 

ومن الناحية الاقتصادية، كان للزيادة الحادة في أسعار الحبوب الدولية تأثير بالغ؛ حيث إن أوكرانيا وروسيا مُنتِجتان ومُصدِّرتان رئيسيتان للحبوب. فبين عامي 2018 و2020م، جاء حوالي 32٪ من واردات القمح في إفريقيا من روسيا و12٪ من أوكرانيا. وعند النظر لارتفاع التضخم العالمي وارتفاع أسعار النفط والجفاف في القارة، وتداعيات وباء كورونا؛ فإن كل هذا يمكن أن يكون له تأثير كارثي على القارة.

 

وساهمت الزيارة التي قام بها رئيس الاتحاد الإفريقي لعام 2022م، الرئيس السنغالي ماكي صل، إلى روسيا في يونيو الماضي، في اتفاق يوليو بين روسيا وأوكرانيا (بتسهيل من تركيا والأمم المتحدة) لمحاولة استعادة حركة التجارة في البحر الأسود.

 

العمل الجماعي:

ليس من الصعب أن نفهم لماذا يمثل الانحياز إلى طرف من الأطراف إشكالية بالنسبة للدول الإفريقية. ولكن في حين أن اقتصاد روسيا وحجم جيشها أكبر بكثير من أيّ دولة إفريقية وحدها، فإن القارة إذا تعاونت بشكل جماعي يمكن أن يكون لها نفوذ أكبر.

 

في عام 2021م، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا حوالي 2.7 تريليون دولار، في حين بلغ الناتج المحلي الإجمالي لروسيا حوالي 1.7 تريليون دولار.

 

ولعل أهم وسائل المضي قُدمًا في هذا الأمر هي أن تعمل البلدان الإفريقية على التعاون مع بعضها البعض، وبالتالي، فإن تطوير العلاقات بما يتجاوز التأثير قصير المدى أمر بالغ الأهمية لضمان عدم هيمنة مصالح القوى العالمية الأخرى على القارة.

 

ويذكر هنا أن مشروع تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول القارة من خلال (منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية)، فرصة كبيرة للقارة السمراء، وكما رأينا في أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية؛ فإن تعزيز التكامل الإقليمي يؤدي إلى نتائج تتجاوز التدابير التجارية، كما أنه يخلق مساحة للترابط؛ حيث ترى الدول الإفريقية بعضها البعض كشركاء في سوق عالمية تنافسية.

 

التغلُّب على السلبية:

بالنظر إلى موقف القارة الدولي الضعيف نسبيًّا، سيكون من السذاجة أن نتوقع أن تتخذ الدول الإفريقية موقفًا موحدًا من كل موضوع يتعلق بروسيا، مع ذلك يجب على الدول الإفريقية التغلب على السلبية الحالية في علاقاتها، والعمل على إنشاء قنوات اتصال أكثر تنظيمًا وفاعلية.

 

أي أن إفريقيا بحاجة ماسَّة إلى استراتيجية للتعامل مع روسيا؛ لذا فإن الاتحاد الإفريقي ينبغي عليه أن يتفاعل مع أعضائه بشكل أكثر تنظيمًا، ويساعدهم على وضع مواقف مشتركة بالنسبة للقضايا المهمة المتعلقة بروسيا والشركاء الآخرين مثل الولايات المتحدة، الصين، أوروبا وغيرهم.

 

الخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي تعزيز قسم (إدارة الشراكة والتنسيق) في الاتحاد الإفريقي، فيمكن أن يكون القسم مكانًا أكثر ملاءمةً للتفكير في كيفية قيام الدول الأعضاء بالدفاع بشكل أفضل عن احتياجات القارة، وضمان سماع الأصوات الإفريقية في النقاشات مع دول مثل روسيا. ومن المتوقع أن يظل دور روسيا في إفريقيا مثيرًا للجدل ومتنازعًا عليه، فمن الواضح أن روسيا تعرف ما تريده من القارة: الوصول إلى الأسواق، الدعم السياسي والنفوذ العام.

 

ما تريده إفريقيا من روسيا:

في الفترة التي تسبق القمة الروسية الإفريقية 2023م؛ يجب على الاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء تعزيز مواقفهم فيما يتعلق بالشراكات الخارجية، وإلا فإن القارة تخاطر بالتخلُّف عن الركب واستخدامها كحجر شطرنج في نظام عالمي منقسم بشكل متزايد.