هجمات غير مسبوقة في مالي.. الأهداف والأطراف المستفيدة

ثلاثاء, 08/02/2022 - 11:00
جماعة ماسينا المتحالفة مع القاعدة تستهدف في هجمات منسقة وغير مسبوقة قاعدة عسكرية يقيم بها الرئيس المالي الانتقالي وقاعدة جوية وعدة معسكرات وتقول إنها تسعى لمحاصرة باماكو

في هجمات منسقة ومتسلسلة وغير مسبوقة منذ 2012، استهدف مسلحون لجماعة ماسينا، المتحالفة مع تنظيم القاعدة، عدة معسكرات للجيش المالي، وسط البلاد، وعلى رأسها معسكر كاتي، القريب من العاصمة باماكو، ومقر إقامة الرئيس الانتقالي العقيد عاصيمي غويتا.

 

هذه الهجمات وإن تسببت في مقتل عدد ليس بالقليل من الجيش المالي، إلا أنها لم تتمكن من إسقاط أي من المعسكرات والمدن التي هاجمتها، بعد تصدي القوات الحكومية لها، على عكس هجمات 2012، التي تحالفت فيها عدة تنظيمات إرهابية مع حركات الطوارق المسلحة، ما أدى إلى سقوط شمال البلاد بالكامل في يدها؟.

 

لكن هذه المرة كان الجيش الحكومي أكثر استعدادا وجاهزية، رغم الثغرات الأمنية التي مكنت جماعة ماسينا من الوصول إلى أكثر نقطة تحصينا وتسليحا في البلاد، ومركز إقامة الرئيس الانتقالي، ومنها انطلقت عدة انقلابات للإطاحة بنظام الحكم في باماكو.

 

ويتحدث الجيش المالي عن عدة هجمات رئيسية ومنسقة في وسط وغرب البلاد، في الفترة ما بين 22 و27 يوليو المنصرم، استهدف عدة بلدات على غرار كالومبا، وسوكولو، وكاتي، دوينتزا، وكورو، وتي، وبافو، وسيغو، وكولوكاني.

 

أخطر هذه الهجمات استهدف مقر إقامة الرئيس الانتقالي عاصيمي غويتا، في قاعدة كاتي العسكرية، في 22 يوليو، عبر سيارتين مفخختين وجوم مباغت، خلف مقتل جندي، و7 مهاجمين والقبض على 8 آخرين، بحسب مصادر إعلامية.

 

ولكن بعد خمسة أيام من هجوم كاتي، نفذت جماعة ماسينا هجمات أوسع وبأعداد كبيرة من المسلحين استهدفت نقاط عسكرية على غرار قاعدة في منطقة سيفاري القريبة من مدينة موبتي (وسط)، وفي سوكولو (وسط) وكالومبا (غرب/ على الحدود مع موريتانيا)، أوقعت 18 قتيلا بينهم 15 جنديا و3 مدنيين، بينما زعمت القوات الحكومية أنها قتلها 63 إرهابيا، وحجز عدد من الدراجات النارية التي يستخدمها مسلحو القاعدة بكثافة في تنفيذ هجماتهم، بالإضافة سيارات دفع رباعية.

 

والملاحظ في بيان للجيش المالي، أنه استخدم طائرات هيلوكوبتر مقاتلة في صد هجمات المسلحين، وهذا ما يفسر لماذا استهدفت جماعة ماسينا قاعدة سيفاري الجوية.

 

كما تحدثت وسائل إعلام غربية عن مشاركة مرتزقة فاغنر، التي يبلغ عددها نحو ألف عنصر في مالي، في صد هذه الهجمات.

 

** حصار باماكو

تشكل هجمات تنظيم القاعدة على قاعدة كاتي العسكرية التي لا تبعد عن العاصمة باماكو سوى بنحو 16 كلم من الشمال الغربي، خطوة نحو تكرار سيناريو طالبان بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.

 

فالقاعدة لا تريد انتظار انسحاب آخر جندي فرنسي وقوات تاكوبا الأوروبية من مالي نهاية هذا الصيف، بل بدأت ضغطها على المدن والبلدات القريبة من باماكو، انطلاقا من معاقلها في وسط البلاد، خاصة حول مدينة موبتي، مركز قبائل الفلاني، التي ينتمي إليها زعيم جماعة ماسينا، أمادو كوفا.

 

وهذا ما أشار إليه أحد قيادات تنظيم القاعدة في الساحل (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) ويدعى محمود باري، الذي تحدث في فيديو عن "خطة تم وضعها لمحاصرة باماكو"، بحسب كالة الصحافة الإفريقية.

 

فالقاعدة تستغل المشاكل التي يواجهها نظام عاصيمي غويتا، مع فرنسا والدول الغربية، وكذلك مع دول الجوار خاصة كوت ديفوار ودول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، وحتى مع البعثة الأممية "مينوسما"، لتشديد الضغط على حكومة باماكو.

 

وهدد القيادي في تنظيم القاعدة في نفس الفيديو بمواصلة هذه الهجمات، مما يعني أن هناك موجة تصعيد قادمة.

 

وتعتبر الجهات المقربة من الحكومة هذه الهجمات انتقامية، بعدما قتل الجيش الحكومي نحو 200 إرهابي في منطقة مورا (وسط)، بينما تطالب هيئات حقوقية دولية بفتح تحقيق في الهجوم الذي تقول إنه سقط خلاله 300 شخص يعتقد أن غالبيتهم مدنيون.

 

ويبدو أن الولايات المتحدة أخذت هذه التهديدات محمل الجد، وطلبت من العمال الحكوميين غير الضروريين العاملين في سفارتها بباماكو مغادرة مالي، بسبب ما قالت إنه "تهديد أمني تشهده العاصمة".

 

** هجمات إرهابية أم مؤامرة خارجية؟

ورغم تبني "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تنتمي لها جماعة ماسينا، لهذه الهجمات، إلا أن السلطات المالية تحاول ربطها بالانسحاب الفرنسي من البلاد، وبقضية اعتقال 49 جنديا من كوت ديفوار دخلوا البلاد بطريقة مشبوهة.

 

وحاولت السلطات الانتقالية المالية الترويج لفكرة أنها تتعرض لمخطط فرنسي بالتنسيق مع دول الجوار لإسقاط نظام الحكم في البلاد.

 

ولجعل هذه الرواية أكثر منطقية، تم عرض اعترافات مصورة لأحد الأشخاص، زعم أنه "شارك في الهجوم على قاعدة كاتي العسكرية، وأنه تدرّب في بوركينا فاسو، وكان بينهم تنسيق مع بعض الغربيين".

 

ويسعى نظام غويتا من خلال ربط هجمات جماعة ماسينا، بدول غربية مثل فرنسا، ودول الجوار على غرار كوت ديفوار وبوركينا فاسو، لتعزيز شعبيته، ونفخ الروح القومية لدى الماليين ضد "التهديد الإرهابي والأجنبي المشترك" الذي لا يهدد نظامه فحسب وإنما "الدولة المالية ككل".

 

وهذا الدعاية تلقى صدى لدى وسائل الإعلام المحلية وبعض الأوساط الشعبية، وتم اللجوء أيضا إلى الوازع الديني من خلال دعوة "جميع الطوائف والجمعيات الدينية إلى "جلسات صلاة من أجل السلام والاستقرار في مالي".

 

وبين الوضع الأمني والاجتماعي المتردي، وضغوطات الدول الغربية والجيران الأفارقة بضرورة العودة بسرعة إلى الوضع الديمقراطي، فإن نظام غويتا، يواجه تهديدات وتحديات من أطراف متعددة تجعل من استمراره خلال الأشهر المقبل مسألة محل جدل، رغم الدعم الروسي.