يعقوب ولد حمود يكتب: قراءة في مشهد الموالاة بمقاطعة بتلميت

أربعاء, 06/29/2022 - 18:07

في تجربة الانتقال من المعارضة إلى الموالاة خواطر وآراء حول المشهد السياسي في مقاطعة بتلميت من حق الفاعلين والمهتمين – عموما – والداعمين لنظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني – خصوصا – أن يطلعوا عليها، لاسيما إذا تعلق الأمر بساحة في حجم ودور بتلميت التي مثلت صرحا من صروح السياسة في البلد، وتميزت نخبها بالوعي المستنير وبالمشاركة النوعية في تدبير الشأن العام عبر مختلف المحطات التي مر بها مجتمعنا ودولتنا. 
لقد راكم صف الموالاة المحلي بمختلف رموزه وتياراته من التجربة العملية ومن أساليب العمل السياسي – خدمة للوطن وللمواطن – ما لم تستطع أن تصل إليه أي جهة أخرى. غير أن القادم من خارج المربع – ممن يقدر الجميع ويستعد لبذل قصارى الجهد معهم دون استثناء – باستطاعته أن ينظر من زاوية مركبة فيتلمس في آن ما يعكسه المشهد من جوانب القوة وما يظهره من مكامن الخلل، إسهاما في التفكير المبكر الذي يستثمر في تحسين الإيجابيات وتقويم الاختلالات.  
من نقاط القوة البارزة أن النخبة السياسية الموالية للنظام والمتصدرة للمشهد البوتلميتي منذ بعض الوقت استطاعت أن تؤدي دورها الريادي في خوض غمار التدافع المحلي وحسم غالبية الاستحقاقات الانتخابية – إن لم تكن كلها –، كما استطاعت تدبير التناقضات الذاتية بمستوى عال من الحرفية – رغم ما يحصل هنا وهناك من خلاف في التقدير –، وظلت تراهن – بمستويات متفاوتة – على مصالح الساكنة، وتبادر من أجل طرحها والإسهام في حلها كلما أتيحت لذلك فرصة.. وتلك مزايا تذكر فتشكر وتقتضيها القراءة الموضوعية للأحداث. 
لكن في المقابل ثمة تحديات بارزة من الوارد استحضارها واتخاذ ما يلزم بشأنها: 
1. لم تستوعب هذه النخبة عمليا بما فيه الكفاية حجم التحولات العميقة التي تمر بها مكونات المجتمع المتنوعة، وبالتالي لم تتحمل المسؤولية الكافية للتعاطي معها، ولم ترتب من الإجراءات الاسترتيجية ما يلزم للاستجابة لمقتضيات تلك التحولات، إن على مستوى إشراك وترميز القيادات النوعية أو على مستوى بذل قصارى الجهد لمعالجة الهشاشة النفسية والاقتصادية لقطاعات عريضة من الساكنة... وقد بات توجه الدولة في الوقت الراهن (برنامج تعهداتي، خطاب وادان...) في أبرز أبعاده الجديدة يعطي عناية لمعالجة المشكل الاجتماعي وبناء دولة المواطنة والمساواة والعدالة التي تُمحى فيها الفوارق بين المواطنين ويتمتع الجميع بحقوقهم كاملة، كي ينعموا بالسكينة والرخاء ويضمنوا مستقبلا آمنا لأبنائهم... 
2. ثمة حاجة ماسة إلى تطوير الخطاب السياسي ليستجيب لطموحات وتطلعات الشباب الصاعد (جيل الوسائط الجديدة) ويتمكن من إشراكهم، فهؤلاء ما عاد يطربهم بالضرورة خطاب القبيلة والعشيرة الذي يبالغ البعض في التشبت به كآلية وحيدة لضمان الحشد والتنسيق، ولا يخضعون لحسابات الجهة والمكانة..، وقناعاتهم تتشكل على ضجيج السيل الهائل من المعلومات ومقاطع الفيديوهات والصور والقيم المبثوثة عبر النت، قد أصبحت لهم لغة جديدة بمفرداتها وصياغاتها وسياقاتها، وإيقاع الزمن لديهم يمر بطريقة أسرع ممن حولهم، ويتمتعون بحيوية وقوة تأثير هائلة في العمل الاجتماعي والسياسي قادرة على أن تغير أوضاعا مزرية أو أن تحمل منتخبين من الحضيض إلى مواقع متقدمة وقد شوهدت نماذج لذلك، ويمكن القول إن نسبة كبيرة من الجيل الجديد – الذي يفكر بطريقة مختلفة عن سابقيه – قد اكتسبت حق التصويت بعد آخر استحقاق انتخابي وغدت كتلة معتبرة جديرة بالاهتمام. 
3. أصبح للوسائط الجديدة من مواقع ومنصات رقمية وصفحات فيسبوك ومجموعات واتساب تأثير بالغ على اتجهات الرأي العام، ونشطت فكرة الصالونات الرقمية التي تقام عبر مجموعات الواتساب وما شابهها بهدف طرح المقترحات وإنضاجها وتسويقها كي يتبناها أكبر قدر ممكن من النخب. وميزة هذا الأسلوب أنه يحدث عن بعد تفاعلا حيويا يؤدي إلى التأثير بأقل جهد ممكن. غير أن سيل المبادرات والمجموعات غير المنضبطة وما تزخر به من تعريض وإشاعات وتسيير غير هادف لمواضيع شائكة.. قد يفاقم من حدة النقاشات الدائرة وربما يؤدي – من حيث لا يريد أصحابها – إلى زيادة الشروخ وتباعد وجهات النظر، فاستحق الأمر شيئا من الضبط والتوجيه. 
4. ما زالت العناية الممنوحة لتدعيم مجتمع مدني محلي مضطلع بدوره في البناء والرفع من مستوى الساكنة غير كافية، ومن الواضح أن دولة القانون التي تعهد فخامة رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي بتكريسها تحتاج مجتمعا مدنيا قويا يسهم في التوعية والتحسيس وفي التنمية الاجتماعية من بابها الواسع، وأي إغفال لهذا المدخل المهم أو التأخر في رعايته واحتضانه إنما يفقد العمل الاجتماعي ميزة التكامل والتعاون والقدرة على تحقيق المطلوب، ويفقد الطبقة القيادية أيضا ورقة التأثير التي تشكل – شئنا أم أبينا – مقياس الإنسان العادي لمستوى إخلاص ومردودرة أبناء المقاطعة. 
5. وأبرز المطبات التي قد تفاجئ اللاعبين السياسيين في بتلميت – في تقديري – حصول استقالات حتمية في قادة المشهد السياسي، وذلك راجع إلى أسباب متنوعة منها ما يتعلق بعامل السن الذي ربما يؤدي – عما قريب – بشخصيات إلى العجز عن متابعة أدوارهم، ومنها ما يتعلق بمغادرة رمزيات اجتماعية لمواقع التأثير السياسي استقالة أو إقالة، ومنها ما هو مرتبط باستهلاك بعض المرجعيات وتراجع قدرتها التأثيرية في الساحة، ومنها أيضا ما له علاقة بسعي النظام إلى تجديد الطبقة السياسية وتنويعها استجابة للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وللطموحات التنموية التي تخوضها بلادنا...الخ، ومهما تكن الأسباب يظل الإعداد القبلي لمترتبات هذه الحالة هو الضامن الوحيد لعدم حصول إرباك. 
ويبقى الاستشراف وقوة الاقتراح عوامل للسبق في ميدان التعاطي العام، ومن أجل ذلك أعتقد أن اللحظة باتت مواتية لإثارة التفكير الجماعي حول مختلف الإشكالات المحلية التي ينبغي أن تشغل بال صف الموالاة من قبل أن لا يكون في الوقت متسع لذلك.