الهيبة الشيخ سيداتي يكتب: عن المعايير التي ينبغي أن تسود الحقل الصحفي

جمعة, 05/06/2022 - 11:16

في الأسابيع الأولى من العام 2018، كنت أداوم في المكتب وسط نواكشوط، عندما رن الهاتف، وظهر بشاشته رقم من الولايات المتحدة الأمريكية.
رددت على المكالمة، كان على الطرف الآخر متحدث قدم نفسه أنه من إدارة الاتصال في صندوق النقد الدولي.
بعد حوار لم يطل كثيرا - تركز حول التأكد من أنه لم يخطئ العنوان، وأنه يتصل فعلا بإدارة وكالة الأخبار المستقلة - دخل في الموضوع مباشرة، حيث قال إن نائب رئيس صندوق النقد الدولي السيد ميتسوهيرو فوروساوا سيقوم بجولة تشمل 11 بلدا، وإنهم في إدارة الاتصال يخططون لأن يكون ضمن جدول أعمال الزيارة إجراءات مقابلات مع أبرز وأنجح في وسائل الإعلام في البلدان المزورة.
وأردف: "لقد وقع اختيارنا على مؤسستكم، وذلك بعد العودة لعدة معطيات موضوعية من أعداد المصفحين اعتمادا على معطيات علمية بحتة"، وسكت، قبل أن يستأنف متسائلا إن كنا نوافق على ذلك.
رددت بالإيجاب، وتبادلنا الواتساب والإيميل، على أن نكمل ترتيبات المقابلة لاحقا.
أثناء نقاشنا في أحد الأيام، سمع صوت الأذان، فضحك، وقال سأترك لك فرصة للصلاة، أنتم تصلون خمس مرات في اليوم خلافا لنا في المسيحية.
أجريت المقابلة كما خطط لها، وفي أول يوم لوصول السيد فوروساوا لنواكشوط، وكان ذلك داخل مكاتب صندوق النقد الدولي في عمق مبنى البنك المركزي الموريتاني.
نشرت المقابلة، وكانت صريحة جدا في بعض جوانبها، فقد حذر من ارتفاع مديونية موريتانيا مؤكدا أن مستواها "يضع موريتانيا أمام خطر كبير يهدد بوصولها إلى مستوى المديونية الحرجة"، كما طالب البنك المركزي "بتجميد منح تراخيص البنوك الجديدة"، مشيرا إلى أن عدد البنوك في موريتانيا مرتفع نسبيا بالمقارنة مع حجم اقتصادها.
أدت المقابلة لغضب في كل الدوائر الرسمية، وصل ذورته في الرئاسة، ولدى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، أدى لإلغائه اللقاء الذي كان مبرمجا مع فوروساوا.
في اليوم الموالي لنشر المقابلة، ومع استمرار تداعيات نقاشها، جمعني لقاء مع عدد من الزملاء على شاي الصباح في مكتب الزميل التاه ولد أحمد.
كنت أول الواصلين إلى المكتب، وتوافد الزملاء لاحقا، وكان كلما وصل واحد سأل سؤالا محملا بالاستغراب، عن سبب قبول نائب صندوق النقد الدولي إجراء مقابلة مع الأخبار. ومنهم من سأل بشكل أكثر مباشرة وعامية: "ذا لمنادم جبرتوه منين".
كنت أستغرب كيف تناسى هؤلاء جميعا إمكانية وجود من يعتمد المعايير الفنية في عمله ويحرص على احترامها (عدد المتصفحين – مستوى الإنتاج – احترام التعددية)، وهي المعايير التي جعلت إدارة الاتصال في صندوق النقد الدولي.
بعد أن تكرر السؤال بأكثر من صيغة، قلت لهم محاولا البقاء في مستوى بعض أسئلتهم، إن الأمر أسهل، وأقرب مما تتصورون؛ فكلما في الأمر أن أحد أعضاء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يعمل في إدارة صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما علم بالزيارة اتصل بالمرشد العام، والمرشد العام اتصل بالشيخ الددو، والشيخ الددو اقترح عليهم إجراء مقابلة مع وكالة الأخبار.
ضحك الجميع، وانتبهوا لغياب المعيارية في الأسئلة والاستشكالات المتفدقة من أسئلتهم! وأن جواب كل أسئلتهم قريب جدا، لقد وضع هؤلاء معايير ثم تحركوا على أساسها، دون حاجة لوساطة، ولا استشارة لمشيطن، وإنما ينظر إلى الصحافة من خلال النشر، والمعايير العلمية، لا من خلال محل ميلاد، ولا لمن سيصوت الصحفي في الانتخابات
تذكرت هذه القصة مع مكسب مهني تحققه الأخبار، وتيه بعض المعلقين في البحث عن تفاسير أو تأويلات متجاوزين ما هو أقرب من ذلك من معايير تكاد تكون محل اتفاق لدى جميع أهل الحقل.