هل يتفكك داعش بالساحل وغرب إفريقيا بعد "مقتل" زعمائه؟

خميس, 10/28/2021 - 08:50
تلقى تنظيم داعش الإرهابي ضربتين قويتين في منطقتي الساحل في غرب إفريقيا

تلقى تنظيم داعش الإرهابي ضربتين قويتين في منطقتي الساحل في غرب إفريقيا، بعد مقتل زعيمي التنظيم في المنطقتين، التي تحولت إلى معقل جديد لقيادة التنظيم بعد انهيار معاقلهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

ففي 15 أكتوبر الجاري، أكد جيش نيجيريا مقتل أبومصعب البرناوي، زعيم "داعش غرب إفريقيا"، بعدما أعلن عن ذلك أول مرة في سبتمبر الماضي، وقال رئيس هيئة أركان الدفاع النيجيري الجنرال لاكي إيرابور، "إنه ميت ولا يزال كذلك"، دون تقديم تفاصيل حول كيفية مقتله، سواء في غارة جوية أو عملية عسكرية، أم تمت تصفيته داخليا في صراع على الزعامة.

 

بينما أكدت فرنسا، في 15 سبتمبر، مقتل عدنان أبو وليد الصحراوي، زعيم "داعش الصحراء الكبرى"، متأثرا بجراح أصيب بها في ضربة نفذتها عملية برخان، في أغسطس الماضي.

 

وإن كان "داعش" أقرّ بمقتل أبو وليد الصحراوي، إلا أنه لحد الآن لم يؤكد أو ينفي مقتل البرناوي على يد الجيش النيجيري، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ومؤسساتها الرسمية، التي تتابع ملف الإرهاب عن كثب، ولم تصدر بيانا في هذا الصدد.

 

كما أعلن مستشار الأمن القومي النيجيري، باباغانا مونغونو، في 22 أكتوبر، مقتل "مالام باكو"، الذي "خلف أبو مصعب البرناوي مؤخرا كزعيم لتنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا، في وقت سابق من الأسبوع الجاري".

 

وإن تأكد مقتل البرناوي وباكو إلى جانب أبو الوليد الصحراوي، فإن داعش يكون قد تلقى ضربة مؤلمة على الرأس، في أهم معقلين جديدين له في إفريقيا، بعد انهيار معاقله في سوريا والعراق وليبيا.

 

لكن مازالت التساؤلات تطرح حول مدى تأثير القضاء على زعيمين مؤسسين لداعش في الصحراء وغرب إفريقيا على تماسك التنظيم واستمرار نشاطه في أهم معقلين نشطين لديه؟ أم أن ذلك سيمهد لتفككه واضمحلاله تدريجيا.

 

** ضربة مؤلمة لكنها ليست قاضية

قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن بداية تفكك داعش في منطقتي الساحل وشمال شرقي نيجيريا، رغم مقتل زعيمين مؤسسين بحجم أبو الوليد الصحراوي، مؤسس جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، والذي بايع داعش عقب اتحاده مع جماعة مختار بلمختار (الموقعون بالدماء) رغم معارضة الأخير مما أدى إلى انقسامهم.

 

وخاض داعش الصحراء الكبرى مواجهات محدودة، مع الجماعات الموالية للقاعدة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لكنه فشل في القضاء عليها أو الاستيلاء على معاقلها.

 

وبينما تمركزت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تضم 4 تنظيمات مسلحة مقربة من القاعدة، على شمالي مالي، تمركز "داعش الصحراء الكبرى" في منطقة الحدود الثلاثة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

 

وهذه المنطقة التي ركزت عليها عملية برخان الفرنسية، وجيوش الساحل الخمسة (تشاد، النيجر مالي بوركينا فاسو وموريتانيا)، بالإضافة إلى الدعم الاستخباراتي واللوجيستي للقوات الأمريكية في المنطقة.

 

أما أبو مصعب البرناوي (يوسف حبيب) فهو نجل محمد يوسف، مؤسس جماعة بوكو حرام، والذي اختاره داعش لقيادة ولاية "غرب إفريقيا" وفضلته على أبوبكر شيكاو، زعيم جماعة بوكو حرام، الذي بايع التنظيم الإرهابي في 2015، ما أدى إلى انقسام الجماعة بين شيكاو والبرناوي.

 

وبينما تمركز البرناوي في منطقة بحيرة تشاد، تحصن شيكاو في "غابة سامبيسا" الكثيفة، شمال شرق نيجيريا، وانتهت المواجهات بينهما بسيطرة داعش غرب إفريقيا على معقل بوكو حرام، وتفجير شيكاو نفسه حتى لا يقع أسيرا في يد البرناوي، في مايو الماضي.

 

مقتل شيكاو، أدى إلى تسليم آلاف العناصر التابعة لبوكو حرام أو المتعاطفة معها إلى الجيش النيجيري، وليس مستبعدا أن يكون الأخير استفاد من المعلومات التي تحصل عليها من قيادات بوكو حرام، التي سلمت نفسها، للإطاحة بالبرناوي وخليفته مالام باكو.

 

لكن تجارب العديد من الجماعات الإرهابية والمتشددة، تكشف أن مقتل زعاماتها يضعفها لكنه لا يقضي عليها، حيث تقوم بتجديد قياداتها بشكل روتيني نظرا لطبيعة نشاطها، واحتمال مقتل زعمائها القائم في أي وقت، بالنظر إلى مطاردتهم من عدة جيوش محلية وقوى كبرى.

 

ويصبح مقتل زعيم أي جماعة مسلحة مدمرا لها عندما يحدث صراع على خلافته، ما يؤدي لانقسام التنظيم، والاقتتال بين عناصره، ويستنزفه داخليا، حتى يتلاشى تحت ضربات الجيوش المحلية، مثلما حدث "للجماعات الإسلامية المسلحة" في الجزائر (جيا) ما بين 1993- 1997.

 

كذلك الأمر بالنسبة لمقتل عبد المالك درودكال، زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي، ومختار بلمختار، زعيم كتيبة المرابطين، وكلاهما ضمن تحالف "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تضم أيضا جماعة أنصار الدين، وجماعة تحرير ماسينا، إذ لم يؤدِ مقتلهما إلى توقف نشاط تنظيم القاعدة في الساحل، ولكنه قد يفتح الباب للحوار بين الحكومة المالية والتنظيمين الأخيرين الأقل تطرفا.

 

** إعادة تنظيم داعش بإفريقيا

حسب عدة مراكز دراسات متخصصة في متابعة نشاط الجماعات الإرهابية، فإن داعش في الصحراء الكبرى وغرب إفريقيا، دخل مرحلة إعادة تنظيم نشاطه في المنطقة.

 

فبعد أن سيطر على معظم أجزاء ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا بما فيها مناطق في حوض بحيرة تشاد، واكتمال القوس مع معاقله في الصحراء الكبرى، يسعى داعش لإعادة توحيد هذه المنطقة الشاسعة وتقسيمها إلى ولايات.

 

وفي هذا الصدد، تحدثت دراسة لمعهد الدراسات الأمنية فى جنوب إفريقيا عن اقتراح خطط لإعادة هيكلة "داعش" في المنطقة، بإنشاء 4 ولايات في كل من بحيرة تشاد، وتمبكتو (شمالي مالي)، وتومبوما (غينيا). وغابة سامبيسا، تحت قيادة مركزية في بورنو.

 

واستفاد داعش الصحراء الكبرى وغرب إفريقيا، من التحاق آلاف العناصر من التنظيم في كل من العراق وسوريا وليبيا، ما عزز من قوته في المنطقة وساعده في هزيمة بوكو حرام في شمال شرقي نيجيريا.

 

حيث ذكر "مركز غرب إفريقيا لمكافحة التطرف"، في تقرير له عام 2018، أن نحو 6 آلاف عنصر يتحدرون من بلدان غرب إفريقيا، الذين قاتلوا مع "داعش"، عادوا إلى ديارهم من العراق وسوريا بعد انهيار الخلافة التي أعلنها التنظيم.

 

ولا يستبعد أن يكون عدد من هؤلاء العائدين انضموا مجددا إلى داعش في الصحراء الكبرى أو غرب إفريقيا، مما يضاعف مخاطر انتشار التنظيم في المنطقة نظرا لخبرتهم القتالية والتنظيمية.

 

وما يعزز ذلك ما نشره "معهد الدراسات الأمنية" في إفريقيا (مستقل/ مقره في بريتوريا)، في أغسطس الماضي، أن 130 مقاتلاً سابقًا أو أكثر التحق بداعش غرب إفريقيا، بعد عودتهم من ليبيا على ثلاث دفعات بين أبريل/نيسان ويونيو الماضيين.

 

وتوقع المعهد وجود 70 مقاتلا آخرين على الأقل، في ليبيا يستعدون للالتحاق بداعش غرب إفريقيا، دون تحديد متى سيتم ذلك.

 

وتعكس هذه التقارير الأمنية أن منطقة غرب إفريقيا أصبحت تستقطب عناصر داعش الفارين من العراق وسوريا وليبيا، ما يعني تضخم قوة التنظيم الإرهابي، ما يدفعه إلى إعادة هيكلة نفسه، وقد يؤدي ذلك إلى صراعات بين قياداته المحلية والقادمة من الخارج.

 

إذ ليس مستبعدا وقوع تصفيات داخلية من أجل سيطرة القيادات القادمة من الخارج على داعش في الصحراء الكبرى وغرب إفريقيا، وقد نشهد إعادة تمدد التنظيم في دول أخرى مطلة على خليج غينيا.

 

كما قد يصطدم داعش مجددا بالتنظيمات الموالية للقاعدة في شمالي مالي لابتلاعها، مثلما فعل مع بوكو حرام، عبر القضاء على قياداتها، وضم عناصرها تحت شعار "الوحدة" بين التنظيمات المسلحة.

 

ما يحتم على دول المنطقة إعادة تنظيم نفسها وتحالفاتها وعدم انتظار اكتمال إعادة هيكلة التنظيم لنفسه، خاصة وأن دول أخرى في غرب إفريقيا قد يطالها التهديد مثل: توغو وبنين وكوت ديفوار وغينيا وغانا وغينيا بيساو والسنغال..