هل القوة العسكرية حل دائم في مالي؟

أربعاء, 08/04/2021 - 12:30

يبدو أن استيلاء العقيد أسيمي غويتا على السلطة يؤكد الوجود الطويل الأمد للجيش على رأس مالي، لكن ما آفاق هذا البقاء على رأس السلطة؟

 

 أظهر الجيش المالي مرة أخرى استعداده للاحتفاظ بالسيطرة على مقاليد السلطة من خلال التدخل في 24 مايو للإطاحة بالرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس وزرائه مختار وان، علمًا بأن هذا الانقلاب جاء في أعقاب قيام ثنائي نداو/ أوان بإقالة وزيري الدفاع والأمن: العقيد ساديو كامارا والعقيد موديبو كوني. ووفقًا لقائدي الانقلاب فإن الثنائي في المجلس التنفيذي لم يحترما الميثاق الانتقالي الذي ينص على أن قضايا الدفاع والأمن تدخل ضمن اختصاص نائب الرئيس، العقيد أسيمي غويتا.

 

ويتواصل الجيش الآن مع حركة 5 يونيو لتجمع القوى الوطنية (M5-RFP) ، وهو التحالف السياسي الوحيد الذي شجب إدارة المرحلة الأولى من هذا الانتقال.

 

وفي هذا السياق، أصدرت المحكمة الدستورية حكمًا، عقب تواصل مكتب نائب الرئيس معها، يشير إلى شغور السلطة، معترفةً في الوقت نفسه بالعقيد أسيمي غويتا كرئيس للانتقال عشية القمة الاستثنائية للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بشأن هذا الانقلاب الجديد.

 

ويبدو أن هذا الانقلاب الجديد يؤكد شهية الجيش المالي للسلطة. لكن في مواجهة الأزمة في مالي، هل يظل الجيش هو الحل؟ وكيف يمكن أن يكون مستقبل تعايشه مع M5-RFP؟

 

الجيش يُركّز على الاستيلاء على السلطة:      

 

منذ أكثر من خمسين عامًا، أشار عالم الاجتماع جورج بالاندييه إلى أن الانقلابات العسكرية في إفريقيا قد تُفسَّر برغبة الجنود الشباب في تغيير الوضع. كان يشير بالفعل إلى "الكولونيسِم الجديد" لتوضيح استيلاء الكولونيلات الشباب على السلطة؛ بدعوى الرغبة في إعادة النظام إلى الفوضى السياسية.

 

ومن جانبه سار عالم الاجتماع فرانسيس أكينديس على نفس المنوال عندما لاحظ أن العسكريين والمدنيين يتصرفون بنفس الطريقة عندما يتولون قيادة الدولة؛ لأن السلطة تسبّب إساءة استخدامها، ويوضح أن "الوافدين الجدد" ينتهي بهم المطاف في اللعبة؛ حيث يؤدي الانقلاب دائمًا إلى نوع من مصادرة السلطة مِن قِبَل الجيش. والتدخل المتكرّر للجيش في الحياة السياسية كان له أثره في تجديد وزيادة عدد الجنود الذين شاركوا بشكل مباشر، على مختلف المستويات، في إدارة السلطة السياسية. ومن جهته، استخدم المحلل السياسي محامان تجاني علو تعبير "السياسيون العسكريون" لوصف الضباط الذين يشاركون بشكل مباشر في ممارسة السلطة.

 

أما نياندو سولي، فقد لفت الانتباه إلى حقيقة أن الجيش عادة ما يَستخدم الفوضى المؤسسية ذريعة للاستيلاء على السلطة، وغالبًا ما تكون نيتهم ​​الأولية هي إجراء تصحيح ديمقراطي عن طريق "تعديل" النصوص الأساسية الموجودة. ولكن بعد ذلك، لا يقتصر الأمر على قيام الرجال الذين يرتدون الزي العسكري باستبدال نظام رئاسي قوي بالنظام شبه الرئاسي السائد في الماضي، وإنما يسعون أيضًا، بشكل عام، إلى الاحتفاظ بالسلطة.

 

يجب النظر إلى تكريس العقيد أسيمي غويتا رئيسًا جديدًا للمرحلة الانتقالية على أنه علامة على الإصرار الشرس للجيش للاحتفاظ بالسلطة، وذلك في الواقع، ضمان عدم التعرض لمشاكل قانونية؛ حيث يتذكر غويتا عن سابقة حدثت في مالي من وقت ليس ببعيد؛ وعليه، فإن الجيش لاعبون أساسيون في المجال السياسي في مالي، بمعنى أن الاستيلاء على السلطة -بالقوة - جزء من استراتيجياتهم.

 

في مالي، لم يستوعب الجيش حقًّا القواعد المؤسسية، ولا سيما مسألة خضوع الجيش للسياسة؛ حيث تم استبعاد باه انداو في المقام الأول؛ لأنه كان يسعى للخروج من وصاية المجلس العسكري الذي أوصله إلى السلطة. لكن محاولة باه نداو ومختار وانْ تهميش اثنين من "الكولونيلين الوزيرين" وإقصائهما من مناصب استراتيجية كان يُنْظَر إليها مِن قِبَل أسيمي غويتا والوفد المرافق له على أنها محاولة لتخفيف القبضة التي فرضها الأفراد العسكريون على المرحلة الانتقالية.

 

ومن خلال التدخل بالقوة، يشرع الجيش في عملية من أجل بقائه سياسيًّا؛ نظرًا إلى أن الانقلاب جريمة غير قابلة للتقادم وفقًا للدستور المالي، فلا شيء يضمن الحصانة السياسية من لحظة نهاية مهامه في قيادة زمام الأمور. لكنَّ السياسي الذي يطلب عدم الكشف عن هويته يذهب إلى أبعد من ذلك، مؤكدًا أن "السبب الحقيقي الذي يمكن أن يفسّر الانقلابات في مالي هو رغبة الجيش في الكسب المادي؛ حيث يمثل الجيش حاليًا طريقًا مَلكيًّا للثراء. وفي الحقيقة، قيامهم بالانقلابات يرجع لعدم رغبتهم في الذهاب والقتال في مسارح العمليات، بل التشبث بالسلطة في باماكو ،"على حد قوله.

 

وتجدر الإشارة إلى أن آفة الفساد كثيرًا ما أُثيرت فيما يتعلق بالجيش المالي، على سبيل المثال، أُثير اختلاس أكثر من 1،230 مليار فرنك سِيفا من البرامج العسكرية خلال الفترة 2014-2019م؛ عطفًا على إمكانية ملاحظة تفضيل الجنود ممارسة السياسة على حساب تأمين البلاد ومحاربة الإرهاب التي تعتبر مهماتهم الأساسية.

 

تحالف M5-RFP والجيش: زواج عاطفي أم منطقي؟

 

في ليلة 24 إلى 25 مايو، تم توجيه دعوة إلى ممثلي M5-RFP إلى كاتي ، معقل الانقلابيين. وفي 11 يونيو، تم تشكيل حكومة جديدة عُيِّن فيها شوجيل مايغا أحد رموز حركة M5-RFP  رئيسًا للوزراء؛ غير أن الجيش لا يزال يهيمن على الحكومة.

 

 لكن المقولة "لا يوجد موت في السياسة إذا لم يكن موتًا طبيعيًّا" تنطبق على حالة حراك M5-RFP التي استعجل البعض في دفنها، كما أن مساحة الجيش للمناورة تبدو مضغوطة حتمًا مع هذا الانقلاب الثاني كونهم يلعبون أوراقهم الأخيرة. لكن هذا الاتفاق مع M5-RFP جاء على حساب إنكار بعض النقاط التي اعتبرتها الحركة سابقًا غير قابلة للتفاوض. لكنَّ اللافت للنظر هو تراجع شوجيل ك. مايغا بالفعل عن حل الكونفدرالية، والذي ربما سيقدم قبل ذلك بيانه السياسي واقتراحه بشأن اتفاقيات السلام في الجزائر العاصمة؛ حيث إنَّه يتعهد بالعمل مع CMA (تنسيق حركات أزواد)، فضلاً عن أنه وافق أخيرًا على العمل مع رئيس عسكري ندَّد بـ "عسكرة المرحلة الانتقالية" على حد تعبيره.

 

وكان هناك ثمة تناقض في صفوف الحراك M5-RFP  حول توصيف انقلاب 24 مايو، فبينما امتنع رئيس الوزراء الجديد، شوجيل.ك. مايغا، عن إصدار إدانة ضد الانقلاب مُكتفيًا بالحديث عن "تصحيح المرحلة الانتقالية"، دعا كلٌّ من موديبو سيدبي والسيدة سي كادياتو سو، بلا تحفُّظ، إلى إدانة الانقلاب.

 

هل تصحيح الانتقال ممكن؟

 

في ضوء تطور الديناميكيات السياسية في مالي، يبدو أن هذه المرحلة الثانية من الانتقال هي الفرصة الأخيرة للبلاد باعتبار الفترة الانتقالية فرصة مناسبة للتغيير والانفتاح حسب نظرية سيلين تيريوت وآدم برزورسكي التي ترى أن التحولات تنشأ من هاتين العمليتين المتزامنتين للاستئصال والتكوين: ويقصد بالاستئصال عملية الانفصال عن النظام القديم، وعن طريق الدستور، عملية التكوّن الاجتماعي لنظام جديد.

 

وخلال الفترة الانتقالية، وهي الفترة التي يلعب فيها الجيش دورًا أساسيًّا، يؤكد آدم برزورسكي أنه حيثما ظل الجيش متماسكًا ومستقلًا، فإن عناصر الانقطاع تهيمن على عملية الانتقال. وفقًا لهؤلاء المؤلفين، يتطلب الانتقال الناجح قطعًا عن النظام القديم. ومع ذلك، فإننا نشهد عودة نفس الأعراف السياسية التي جلبت الماليين إلى الشوارع ذات يوم، وهي ممارسات المحسوبية، والفساد وما شابه ذلك. وقد عاد الجيش إلى مركز اللعبة أقوى من أيّ وقت مضى.

 

على الرغم من أن أحد ممثليها يشغل الآن منصب رئيس الوزراء؛ يبدو أن الحراك M5-RFP  هو الخاسر الأكبر من هذه الحكومة الجديدة، بالنظر إلى أنها ساعدت في إضفاء الشرعية على الانقلاب على المسرح الدولي. وفي ظل هذه الظروف، هل يمكن أن يكون الجيش المالي هو الحل للأزمة التي تمر بها مالي؟ من الصعب أن تكون الإجابة بالإيجاب علمًا بأن الفساد الذي تسلل إلى صفوف الجيش يكاد يكون أكثر من الطبقة السياسية. وكما أن التشابه مع الجيش التشادي، الذي تولى السلطة بعد وفاة إدريس إيتنو ديبي في 20 أبريل، ليس مقنعًا أيضًا؛ حيث كان الدور الذي لعبه الأخير في مكافحة الإرهاب حاسمًا.

 

جدير بالذكر أن الجيش التشادي جيش متمرس، ويقاتل على الأراضي المالية، على عكس الجيش المالي، على الرغم من ضخّ المليارات في إصلاحه إلا أنه لم يسجل أيّ انتصار ملموس في مكافحة انعدام الأمن، وإنما المجال الذي يحقق فيه يزدهر فيه هو التنافس على السلطة مع المدنيين.

 

 

يبدو أن هؤلاء "السياسيين العسكريين" يمارسون السياسة بشكل لا تشوبه شائبة منذ انقلابهم الأول ضد إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس 2020م. لكن يبدو أن رأس مال الثقة الأولى الذي تمتعوا به آخذ في التآكل، ومن الآن فصاعدًا، لن يعودوا قادرين على عزو الصعوبات إلى هذه القوة أو تلك؛ لأن زمام السلطة في يدهم.

*بقلم: لامين سافان. وفوسيني توري

*ترجمة: سيدي .م. ويدراوغو