الأبعاد الاقتصادية وأثرها في أزمة تشاد

ثلاثاء, 04/20/2021 - 22:11

هناك متغيرات كثيرة تلعب أدوارا مختلفة في تأجيج الصراعات والتحكم في اتجهاتها. كل متغير يقدم لنا تفسيرات عديدة ويكشف لنا الأطراف المستفيدة من الأزمة والصراع. المتغير الاقتصادي أو المالي يعتبر أهم تلك العوامل والمتغيرات؛ ولكن كثير من المحللين والمتابعين يتغافلون عنه أو يتجاهلونه عن قصد أو عن سهو أو عن عدم إلمام وخبرة.

عزيزي المتابع، في هذا المنشور سآخذك بسرعة لنتوقف على أهم الأبعاد الاقتصادية في أزمة تشاد الراهنة. فهو مجرد تقرير أولي ليضيف إليك بعدا تحليليا يساعدك على فهم خلفيات الأزمة الخالية، ويطمنك نسبيا عن المستقبل المجهول والمخيف.

❶ النفط التشادي
تشاد أكبر دولة منتجة رئيسة للنفط الخام في منطقة وسط أفريقيا؛ حيث كانت أول دولة تُدرج نقل النفط (خط أنابيب تشاد-الكاميرون) والتكرير (مصفاة جرمايا) في نطاق تقارير المبادرة الخاصة بها. وقد أدى ذلك إلى فهم عام أفضل لقطاع الهيدروكربونات.

وتحتل تشاد المرتبة العاشرة بين الدول الأفريقية التي تمتلك احتياطيات نفطية مؤكدة، مع 1.5 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة اعتبارًا من عام 2018 وإنتاج أكثر من 140 ألف برميل يوميًا في عام 2020. البترول (النفط) هو المصدر الرئيس للإيرادات العامة لتشاد، وحوالي 90 في المائة من النفط يصدر كإنتاج. تهيمن شركة البترول الوطنية الصينية في تشاد (CNPCIC) على إنتاج النفط في تشاد، وتحالف شركة Esso Exploration & Production Chad Inc. (EEPCI) بقيادة ExxonMobil الأمريكية، وشركة Glencore، وشركة البترول الصينية التايوانية (التي تعمل تحت اسم OPIC). شركات النفط الأخرى تشكل تكتلات جديدة. افتتحت EEPCI إنتاج النفط التشادي في عام 2003 وتمتلك حصة مسيطرة في خط أنابيب تشاد والكاميرون بطول 1100 كيلومتر والذي تصل من خلاله جميع صادرات النفط التشادي إلى ميناء دوالا بالكاميرون.

هناك مشروع مشترك بين CNPCIC وشركة النفط المملوكة للدولة، Societé des Hydrocarbures du Tchad (SHT)، لتكرير البترول للتصدير والاستهلاك المحلي في مصفاة 20000 برميل يوميًا على بعد 40 كم خارج نجامينا. قطاع الغاز الطبيعي في تشاد ما زال يعتبر ناشئا.

❷ القروض المرتبطة بالنفط
كانت الحكومة سابقا تأخذ قروض من مؤسسات وشكرات دولية من غير أن تعلن عن ذلك. فلما رفضت بعض الشركات التعامل معها اضطرت غلى إنشاء مبادرة تسعى إلى الكشف العلني عن معلومات حول شروط القروض المدعومة بالنفط الممنوحة من شركة جلينكور خاصة. فاتضح أن معظم عائدات تشاد من قطاع النفط كانت موجهة في المقام الأول لسداد القرض وليس التنمية. وتشارك تشاد أيضًا في الجهود المستهدفة لمبادرة EITI بشأن تجارة السلع، وتحقيق تقدم في الكشف عن معلومات حول بيع أسهم الحكومة من النفط. هذه الإجراءات كلها ألزمت الحكومة أن تفتح أنظمتها الخاصة، مع تقديم تقارير وملاحطات ربع سنوية مفصلة حول قطاع النفط على موقع وزارة المالية والوصول إلى البيانات المالية المدققة.

❸ قطاع الذهب
يعتبر قطاع الذهب الذي اكتشف بشكل واسع مؤخرا مصدرا مهما للدخل، وقد اعتمدت إليه بعض الحركات المسلحة في فترة من الفترات فضلا عن التعدين الصناعي للحجر الجيري.

❹ مستويات التنمية
مع وجود كلّ ما سبق، تحتل تشاد المرتبة 187 من بين 189 دولة في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2019. نشأت الصراعات الاجتماعية والنقاش العام حول إدارة عائدات النفط -بما في ذلك القروض المدعومة بالنفط التي منحتها شركة جلينكور في عامي 2013 و 2014- والأثر البيئي للصناعات الاستخراجية والتخفيف من حدة الفقر.

بعد أن التزمت الحكومة بالإفصاح عن جميع عقود النفط والغاز في أبريل 2018، قامت مبادرة تشاد بنشرها على الإنترنت. في ديسمبر 2020، نشرت مبادرة EITI في تشاد تقرير مبادرة EITI في إطار إعداد تقارير مرنة للسنة المالية 2018.

❺ فرص التنقيب

نشرت جهات غربية تقارير حول الفرص للتنقيب عن البترول وإنتاجه وتكريره، فضلاً عن التنقيب عن الغاز الطبيعي. مع تزايد تركيز شركات النفط الكبرى على المشاريع الضخمة، فإن الودائع المعتدلة في تشاد هي الأنسب للشركات الصغيرة والمتوسطة. يجب على الشركات المهتمة بالتنقيب عن النفط في تشاد الاتصال مباشرة بوزير النفط والمناجم لتقديم عرض مفصل ودليل على الخبرة السابقة. هناك فرص للتعاقد على مراحل مختلفة من الإنتاج.

➏ خلاصة

هذه المعلومات تعطي مؤشرات قوية بأن الشركات التي ضخّت أموالا هائلة في قطاع النفط والتي باشرت عملها منذ فترات طويلة لا تراهن في استقرار تشاد، ولن تسمح بأيّ فوضى تؤدي إلى تفكك البلاد ومن ثم خسارة استثماراتها.

الجيش التشادي النظامي على عاتقه مسؤولية الأمن والاستقرار، وهو جُهّز لهذه المهمة التي من المفترض أن تكون أحد مقدساته التي يفديها بروحه ودمه. ولكنه سُحّرَ لحماية مصالح الشركات الأجنبية قبل مصالح البلد والمواطن؛ مع الأسف الشديد.

أما المعارضة المسلحة فهي فصائل ومجموعات قد تتناحر فيما بينها في أي لحظة. لأن أهدافها مختلفة تماما وولاءاتها مبنية على أسس إثنية وقبلية في الدرجة الأولى. منهم من كان هدفه الانتقام من ديبي فقط ولكنه لا يتمنى زوال حكومته؛ لأنه جزء منها. ومنهم من كان هدفه أن يحصل على منصب رفيع في الدولة ليستطيع أن ينهب أكثر. وهناك مخلصون للوطن ويبحثون عن تغيير حقيقي لكنهم -مع الأسف الشديد- قلة وتنقصهم الخبرة والحنكة.

الأيام القادمة ستكشف لنا العديد من الخبابايا وستتضح الأمور أكثر.

✍ محمد زكريا