أحلام عابرة/قصة قصيرة بقلم خدي محمد عبد الله

اثنين, 09/28/2020 - 19:43

كم فرحت كثيرا، - وأنا مراهق - بزيارة عمي لنا في العاصمة، كان يوما مشهودا، فقد ذبحنا كبشا وجاءنا الكثير من الضيوف كان عمي مشغولا جدا بالحديث مع القادمين للسلام عليه، فقد كان مغتربا في دولة نيجريا لسنوات لم أره قبلها ولابعدها إلا يوم وفاة أبي فقد زارنا وقضى معنا أسبوعا، كان عمي يحبني ويحكيلي عن مقامه في الغربة، وعن ابنته ليلى، ويبلغني سلامها 
مرت الأيام وبعد أن أكملت دراستي، وأنهيت مشوار فشلي في المسابقات، لم يعد أمامي إلا البحث عن لقمة عيش لي ولأمي وكنت تعلمت السياقة في سيارات أصدقائي، فعملت سائقا أجيرا في سيارة أجرة، كانت مهنة متعبة، وكنت آتي بمحصول اليوم كله لصاحب السيارة ويعطيني ألف أوقية لليوم إضافة إلى المرتب الشهري الذي لم يتجاوز عشرين ألف أوقية مع نهاية كل شهر، و مع ذلك فحالنا مستور بحمد الله، إذ نسكن دارنا التي علمت فيما بعد أنها لعمي 
كنت أوجن من محبة النساء وأتمنى أن اقيم علاقات مع جميع النساء إلا انني لا أستطيع، فاليد قصيره، فالنساء صنفان : شريفات يردن الزواج،  وهاعرات يردن الفلوس، وهذا ما لست جاهزا له، كثيرا ما حدثت نفسي بالذهاب إلى عمي فهو رجل أعمال كبير، وقد عرض علي الأمر مرات، لكن والدتي رفضت، فهي لاتحب أن أذهب عنها وأتغرب مثل عمي، الذي تزوج واستقر هناك فآثرت قربها ورضاها وأنا في الحقيقة لا أطيق فراقها 
وذات يوم رجعت من العمل متعبا وفوجئت برجل زنجي في البيت ، سلم علي بعربية فصحى، يبدو من شكله وملاحمه أنه شخصية مرموقة وأثناء تبادل السلام ، قال لي أعزيك في وفاة عمك أنا محاميه وسكرتيره الخاص فقد كتب كل ثروته مناصفة بينك وبين ابنته ليلى طبقا للشريعة الإسلامية
والآن ستذهب معي لتتسلم ميراثك 
حزنت وفرحت اختلطت مجموعة من المشاعر في قلبي أبكتني، أحسست أن حياتي تغيرت، وبدأت حياة جديدة ،المحامي طلب مني بطاقتي وجواز سفري  ليحجز لي في الطائرة كانت أول مرة أركب الطائرة 
كان للخوف والفرح والمفاجئة صراع داخلي في أعماقي 
نزلت في مطار العاصمة وذهبت مع مرافقي إلى الفندق ومن الفندق جاءتنا سيارة فخمة، أقلتنا إلى المدينة الساحيلة الجميلة، كانت الخضرة تعلو الجبال، والحيوانات تترآى  بأشكالها المختلفة، وبعد ساعة دخلنا ذلك القصر الفخم كانت ساحته كبيرة ومزروعة بشتى الأزهار الملونة، والأشجار الغريبة، وبنيانه غريب دائري الشكل، مظهره مرايا ونقوش، وفيه الكثير من العمال، عشر دقائق ونحن نسير داخل القصر قبل أن تقف السيارة عند باب ضخم يفتح نفسه ويغلقها تملكني بعض الخوف قليلا، وقد صرت بين يدي هؤلاء الغرباء، لا أعرف لغتهم، ولا حتى طباعهم فقد ذهب المحامي الذي ألفته وبقيت مع عمال القصر الذين لا أفهم لغتهم، ذهب بي أحدهم إلى غرفتي، طبعا كانت غرفة عصرية مجهزة بكل شيء ، قدموا لي الشرب والأكل والفواكه في غرفتي، لكنني لم أنم، ولم أطمئن، وفي الصباح وبعد الفطور جاءني أحدهم وقال كلمات لم افهم منها سوى ليلى، ففهمت أنها تريدني فلبست ثيابي ونزلت مسرعا اتبعه الى الصالون الكبير ، وأتخيل شكلها ، حجمها، لغتها ، لم يطل التخيل حيث فوجئت بليلى، وما أدراك ماليلى، ابنة عمي، شابة من أجمل نساء الدنيا، بيضاء البشرة، سوداء العينين والشفتين، بارزة النهدين ، حلوة المنظر والمبسم، طويلة الشعر، ترتدي ملحفة، لاتحسن لباسها، تلبس بنطلونا من الجيز وقميصا تحت الملحفة 
سلمت علي بالفصحى، ورحبت بي يبدو عليها الحزن، لذا بدوت حزينا أمامها وسألتها كيف تعلمت العربية، قالت في القاهرة أناخريجة من جامعة القاهرة، كانت امي تعمل هناك ملحقة بالسفارة، تناولنا بعض الأحاديث الجافة في السياسة والاقتصاد والتكنلوجيا، لاحظت انها امرأة جدية وملتزمة من النساء الرجاليات، لم الحظ في خطابها رغم جمالها وأنوثتها الطافحة أي ليونة أومرونة بل كان مركزا كله ومحسوبا كله ، أعتقد أنها لم تخاطب الرجال من قبل ، ولم تعرف مشاعر الحب، اما أنا فوقعت في حبها فجأة وبدون مقدمات، ونسيت أمي وثروتي، صرت أتحجج بالتعب فطلبت تأخير تنفيذ الوصية حتى تنتهي أربعين عمي كل ذلك لأتقرب اليها لأتحدث إليها، لكنها كانت صلبة كالمستحيل ، ومتماسكة كتخطيط القدر ، تكرمني وتعاملني كما لو كنت ضيفا 
ذات يوم خاطبتها بجرأة ذكورية وأنت ماذ ستفعلين بعد رحيل عمي؟ هل ستقيمين في هذا القصر وحدك؟ أجابتني وهل أنا وحدي، هؤلاء جميعا أليسوا أشخاصا؟ كان جوابا قاطعا 
قلت لها أحب ان أطمئن عليك قبل ذهابي أراك متزوجة أو مخطوبة 
قالت لي غاضبة أبي رحمه الله لم يقل لي يوما هذا الكلام لأنه يثق بي أكثر من كل الرجال، أنا لست كنسائكم اللاتي يحميهن الرجال، أنا احمي نفسي وكفيلة بذلك فلا تقلق علي شكرا لاهتمامك ، خذ نصيبك من المال وعد إلى وطنك 
أنا لا استطيع البعد عنك، أحبك لاحاجة لي بالمال، تعالي معي إلى وطني ووطنك وطن أجدادك لنعش هناك 
لم تجبني لم تبتسم حتى خرجت مسرعة 
بت أنتظر ردها وأنا لا أعرف سبب صمتها، هل هو قبول أم رفض، إنها عصية، ولكني أحبها لا أعرف ما الذي جرى لي، 
وفي الغد لم أرها، فسألت عنها بعض الخدم قالوا ليلى سافرت البارحه إلى القاهرة 
بحثت عن المحامي لأخذ ميراثي وأعود أدراجي لكن المحامي قال لي لقد حجز البنك على كل أملاك عمك، لقد كان عمك مدينا للبنك بمبالغ كبيرة لكني سأسفرك على حسابي إلى موريتانيا بمالي الخاص وفاء مني للمرحوم، وفعلا سفرني عدت إلى انواكشوط، وكأنني استيقظت من حلم جميل، بعد فترة جاءتني رسالة من ليلى في ظرف مغلق فتحتها ومازلت أحبها، ماذا عساها تقول؟! ربما تشاركني الحب والعذاب ولوعة الفراق وألم الهجران... لقد خانني التوقع ليلى تسلم علي سلاما باردا كأطراف المريض الذي تغازله الموت، وتطلب مني بيع الدار التي نسكن، وأن أرسل لها نصيبي من الميراث سلفا لتقضي بعض الديون .

خــدي بنت محمد عـبـد اللـه 
صحفية في إذاعة موريتانيا