ولد مولود:هذه تفاصيل حوارنا مع ولد الطايع (مقابلة الحلقة الثانية)

سبت, 09/19/2020 - 17:52

في الشق الثاني من مقابلته مع موقع ريم آفريك يتحدث رئيس حزب اتحاد قوى التقدم الدكتور محمد ولد مولود عن سلسلة من الحوارات التي قادها مع الأنظمة المتعاقبة في البلاد، ويكشف على وجه الخصوص تفاصيل لم تكن منشورة من قبل عن حوار قوى التقدم مع الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع

 

ريم آفريك :قدتم حوارات سياسية ومفاوضات مع عدد من الأنظمة المتعاقبة، وقد بدأت الحوارات السياسية بين الحركة الوطنية الديمقراطية ونظام ولد داداه بعد مؤتمر الاندماج، واستمرت لاحقا مع أنظمة أخرى، فما أبرز ما ميز هذه الحوارات في مجملها؟

 

محمد ولد مولود: يحتاج هذا السؤال إلى استفاضة إن لم يكن محاضرة مطولة، وعموما يمكن أن نخرج بخلاصة أساسية من الحوارات السياسية التي بدأت منذ العام 1961 أنها كانت تنتهي دائما بشكل سلبي يفضي إلى ذوبان الطرف المعارض في السلطة، وتنتهي القصة بتلاشي الطرف المعارض، وانتشار الإحباط بين القواعد والصفوف الجماهيرية الداعمة له.
لقد حصلت هذه النتيجة السلبية في أول حوار سياسي سنة 1960 عندما اندمجت الأحزاب السياسية في حزب الشعب الذي أصبح الذراع السياسية الوحيدة للسلطة.
وتكرر الأمر مرة أخرى  سنة 1975 بين الحركة الوطنية الديمقراطية التي أذابها الحوار في حزب الشعب، وانتهى الأمر بتفشي الإحباط في صفوف مناضليها، مما ولد ثقافة سائدة من عدم الثقة في السياسيين وحواراتهم ونقاشاتهم.

 

ريم آفريك: ماذا عن حوار حزب اتحاد قوى التقدم مع نظام ولد الطايع؟

محمد ولد مولود: لقد دشننا حوارا سياسيا مع نظام الرئيس معاوية ولد الطايع، وقد امتاز هذا الحوار بخاصيتين: أنه كان حوار نظام وحزب سياسي واحد، وكانت هذه نقطة ضعف بالنسبة لورقة التفاوض التي بين أيدينا لأن كل أحزاب المعارضة الأخرى كانت ترفض الحوار، رغم محاولتنا إقناعهم بالحوار وما قمنا بمن إطالة أمد التفاوض سعيا إلى أن تلتحق بنا المعارضة.
أما الخاصية الثانية، فإن ولد الطايع كان شخصا يمكن الحوار معه، وقد كان يفكر مليا قبل أن يتخذ القرار.

 

ريم آفريك: هل التقيتم ولد الطايع خلال فترة المفاوضات؟

محمد ولد مولود: لقد كان حوارا مباشرا بيني وبينه، وقد كنت مفاوض الحزب طيلة الفترة، وقد التقيت ولد الطايع عدة مرات خلال هذه الفترة، ولقد كان من الصعب جدا أن تحصل على تنازلات من الرئيس ولد الطايع، إلا أنه في المقابل إذا وافق على نقطة أو تنازل عن موقف فإنه يبدأ بالفعل في تنفيذ المتفق عليه، والوفاء به.

لقد بدأ هذا الحوار سنة 1999 وشاركنا فيه منفردين عن بقية أحزاب المعارضة، التي قررت المقاطعة، وواجهتنا بتهم الخيانة والعمالة للنظام، بينما كنا نرى أن النظام راغب في الفعل في حوار مع المعارضة، وكنا نرى أن فيها مصلحة عامة للشعب والدولة.
ورغم قبول ولد الطايع لبعض مطالبنا مثل تخفيض كفالة الترشح، وكذا تسليم نسخة من محضر الانتخابات إلى ممثلي المرشحين، فإن انتخابات 1999 كانت أسوء نموذج للتزوير خصوصا في العاصمة نواكشوط، رغم أننا كنا المنافس الوحيد للحزب الجمهوري، وكان حضورنا الجماهيري والسياسي ضعيفا في العاصمة أصلا.
لقد تجاوز التزوير يومها كل سقف متوقع أو ممكن، وقد أن نصدر بيانا احتجاجيا على ما وقع، أرسل لنا معاوية ولد الطايع وزير داخليته الداه ولد عبد الجليل، وأبلغنا بأنه قرر إلغاء الانتخابات في العاصمة نواكشوط، وإعادتها من جديد، وقد كان الأمر سابقة في إفريقيا.

 

كما أن الرئيس معاوية أبلغنا بعد حادثة التزوير تلك انه سيضع حدا لتلك الممارسة، وكان مما قال ستكون هذه آخر انتخابات تستخدم فيها بطاقة التعريف القديمة، وستتكلف الدولة مليارين ونصف لإصدار بطاقة تعريف رسمية 
وقد كنت قبل هذا الموقف متحفظا على لقاء الرئيس معاوية ولد الطايع، ثم بدا لي بعد هذا الموقف أن هنالك جدية من طرفه للحوار والنقاش مع المعارضة، وربما قبول بعض مطالبها.
لقد التقينا ولد الطايع بعد إعادة الانتخابات في نواكشوط، واحتفى كثيرا بلقائنا، وكنت يومها ضمن وفد يضم الأستاذ محمد المصطفى ولد بدر الدين، الأستاذ دافا باكاري، والأستاذ ألفا بوبكر.
وكان مما قال لنا ولد الطايع: لقد كان بالإمكان أن ننظم لقاءنا هذا قبل عشر سنوات، ونكون بذلك قد تجنبنا الوصول إلى هذه المرحلة التي نحن فيها الآن.

لقد كنت حريصا على أن يكون هذا الحوار شاملا، وسعيت مع الرئيس معاوية ولد الطايع إلى أن يشمل التفاوض كل أطراف المعارضة، لكن تلك الأطراف كانت صريحة في رفض الحوار مع ولد الطايع، وغير قابلة للتنازل عن هذه الممانعة.
لقد اضطرنا بعد أن اقترب موعد الانتخابات البلدية والنيابية سنة 2001 إلى أن أتقدم بعريضتنا المطلبية إلى الرئيس معاوية ولد الطايع، وطلبت منه أن يعين لي فريقا للتفاوض حولها، سواء كان الوزير الأول أو وزير الداخلية أو أي جهة يفوضها للتوقيع والحوار باسمه، لأن الانتخابات على الأبواب، وقد كان هدفنا الأساسي هو إحداث إصلاحات جوهرية في النظام الانتخابي حتى يكون التناوب على السلطة ممكنا.
وقد رد علي ولد الطايع قائلا: أنا أستغرب من كلامك هذا، أمامك رئيس الجمهورية وهو مستعد للتفاوض معك، وأنت تطلب التفاوض مع الوزير الأول أو وزير الداخلية.
وجلسنا في يوليو 2001، وتناولنا النقاط واحدة بعد الأخرى، وقد قبلها ولد الطايع كلها، باستثناء بطاقة التعريف الموحدة، معتبرا أنها ستربك المصوتين، كما رفض إنشاء لجنة مستقلة للانتخابات، معتبرا أنها لعبة من ألاعيب فرنسا تريد من خلالها تفكيك الدول الإفريقية، في حين أنه لا توجد لجنة مستقلة للانتخابات في فرنسا، بل تتحكم وزارة الداخلية في تسيير العملية الانتخابية.
وقد قبل ولد الطايع خلال هذا الحوار: تخفيض الكفالة المالية للترشح للبلديات والنيابيات، فتم تخفيضها إلى مبلغ زهيد، كما قبل إدخال النسبية في الدوائر الانتخابية، وتقرر أن تكون البداية في مقاطعات نواكشوط، كما قبل تعديل تمويل الأحزاب من خلال تحديد مبلغ ثابت محدد ينضاف إليه عدد الأصوات المتحصل عليها لاحقا.
كما قبل ولد الطايع تطبيع تصويت الجيش، بعد أن كان عبارة عن لوائح بيد كبار الضباط، ينتقلون بها بين مكتب وآخر، وهكذا أصبح الجنود والضباط مواطنين مسجلين على لوائح الانتخابات، كما قبل أيضا حصول ممثلي المرشحين على نسخة من المحضر، إضافة إلى تسليم نسخة من المصوتين لكل ممثلي المرشحين في مكتب التصويت.
ولاحقا قبل لنا قضية أخرى أكثر أهمية، وهي نشر اللائحة الانتخابية بشكل تام على الانترنت، وقد قاوم هذا المطلب وزير الداخلية المرحوم لمرابط سيدي محمود ولد الشيخ أحمد متذرعا بأنه لا يمكن نشر أسماء الجنود لأسباب أمنية، وقد رفضنا هذه الحجة، وتفاوضنا حولها كثيرا قبل أن أعلن لهم – عشرة أيام – قبل الانتخابات النيابية أننا سوف نصدر بيانا للإعلام نعبر فيه عن عدم ثقتنا في العملية الانتخابية برمتها، وأنها لن تكون نزيهة ولا شفافة، لأننا ممنوعون من رقابة اللوائح الانتخابية، وطلبت من وزير الداخلية إبلاغ ذلك لمعاوية.
وأذكر أن المرابط سيدي محمود رحمه الله كان يحاججنا بأنه لا يوجد بلد في العالم ينشر لائحته الانتخابية، وكنت أرد عليه بأنه لا ضير في أن تكون موريتانيا أول بلد يقوم بذلك.
وأذكر أنني أبلغت المرحوم لمرابط سيدي محمود تهديدي بالتصريح للإعلام يوم الجمعة، وفي يوم الإثنين اتصل بي قائلا: لقد خرجت للتو من مكتب رئيس الجمهورية، وهو يخبرك بأن اللائحة الانتخابية سوف تنشر على الانترنت غدا الثلاثاء عند الساعة العاشرة صباحا، وقد تم الأمر في نفس التوقيت.
وقد كانت هذه النقطة بالذات، بالغة الأهمية لأنها سهلت لنا وللناخبين معرفة مكاتب التصويت، ومنع تكرار الأسماء، وقد كان هذا بالإضافة إلى بطاقة التعريف الرقمية إنجازات مهمة جدا لصالح العملية الانتخابية والسير نحو تحديث وتطوير منظوماتها.
لقد خضنا من خلال هذه الإصلاحات الانتخابات البلدية والنيابية في 2001، وحصلنا فيها على ثلاثة نواب، وهم نائب من اللائحة النسبية في العاصمة نواكشوط، ونائبا مقاطعة بوكي.
وقد خرجنا من هذا الحوار دون أي مصالح خاصة للحزب، فلم يعين منه وزير ولا أي مسؤول آخر، ولم يستفد أي استفادة خاصة به، لكن الاستفادة العامة والأساسية كانت لصالح الديمقراطية وتحديث المنظومة الانتخابية، وتوسيع مساحة الشفافية والرقابة المشتركة على العملية الانتخابية.

 

ريم آفريك : في 2005 كنتم ضمن وفد القوى السياسية إلى بروكسل من أجل إقناع الأوربيين بجدية العسكر الموريتانيين في تسيير مرحلة انتقالية، رغم أن الأوربيين كانوا متحفظين جدا على التعاطي مع الانقلابيين؟

محمد ولد مولود: نحن لم نذهب إلى بروكسل، إلا بعد الاتفاق مع المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية على آليات تسيير المرحلة الانتقالية، وذلك بعد الأيام التشاورية الكبيرة التي نظمت في نواكشوط، وحضرها مختلف الطيف السياسي.
وبفضل الأحزاب السياسية التي أقنعت الأوربيين بأن المرحلة الانتقالية قد حررت بشكل جماعي وتوافقي، تحول الموقف الأوربي إلى داعم للانتقال عبر الانتخابات إلى نظام مدني.
طبعا حصلت بعض الاختلالات بسبب تدخل بعض العسكريين في توجيه الناخبين خلال رئاسيات 2006، ومع ذلك كانت مرحلة انتقالية ناجحة في العموم.

 

ريم آفريك: حاورتم نظام سيدي ولد الشيخ عبد الله، ودخلتم رفقة تواصل إلى حكومته، قبل أن تخرجوا جميعا فترة قليلة قبل الانقلاب العسكري في 2008 ماهي أبرز ملامح هذا الحوار؟

 

 

محمد ولد مولود: لقد دعونا إلى الحوار مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية، ودعونا إلى حكومة وحدة وطنية، في مارس 2007، وذلك بعد اتفاق مشترك بيني والرئيس أحمد ولد داداه، وذلك تقديرا منا للوضع المعقد، وأن الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله شخصية وطنية مهمة، لكنه قادم على وضع وتشكيلات سياسية لا يعرفها.
وقد اعتذر الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، معتبرا أنه قرر تشكيل حكومة تنكوقراط لا تضم الأغلبية الداعمة له، ومن ثم لن يكون منطقيا أن يشارك فيها أعضاء من المعارضة.
وقد قلت يومها للرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله أن أي حكومة تكنوقراط تفتقد لسند سياسي ستكون ضعيفة جدا، وتحت سيطرة وتأثير الطرف الأقوى وهو المؤسسة العسكرية.
كما أن الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله كان يواجه يومها أزمة أخرى وهو تعدد واجهات القوى الداعمة له، والتي كانت تطرح مطالب وإشكالات متعددة ومتضاربة، مما دفعه في النهاية إلى تأسيس حزب يضم هذه الرؤوس والفعاليات المتعددة، وهو حزب عادل.
وبعد تأسيس حزب عادل في فبراير 2008 التقيت معه في مارس 2008، وأبلغني أنه أصبح مستعدا لحكومة وحدة وطنية، وبعد ذلك بشهر تم تعيين حكومة يحيى ولد أحمد الوقف، ودعا المعارضة إلى المشاركة فيها، وقد قبلنا نحن وحزب تواصل المشاركة في هذه الحكومة بعضوية ثلاثة وزراء لكل من الحزبين.
لكن مشاركة المعارضة أغضبت الجنرال محمد ولد عبد العزيز بشكل لا يتصور لأنه رأى أن ولد سيدي ولد الشيخ عبد الله وجد مساحة للتحرك، وسيتحرر من التكبيل الذي وضعه فيه العسكريون.
وبدلا من أن يكون صريحا وواضحا، ويطالب بإبعاد وزراء المعارضة، انتهج ولد عبد العزيز سياسة التمويه، وأعلن أنه ضد مشاركة" المفسدين" في الحكومة.
وبعد أن رضخ سيدي ولد الشيخ عبد الله لمطالب المعارضة، وأقال الحكومة، فرض ولد عبد العزيز شرطا واحدا، وهو عدم مشاركة المعارضة في هذه الحكومة، واعتبر أن هذا الشرط نهائي وغير قابل للتنازل عنه، وقد كان هذا مقدمة للانقلاب.
ولقد صرحنا بذلك بشكل واضح وعلني، وقلنا في مؤتمر صحفي، أن هنالك انقلابا عسكريا يتجه إلى التشكل والقضاء على النظام المدني، وقلنا بصراحة أن هنالك عملية انقلاب جارية بقيادة الجنرالات، وقد ظللنا نرفع هذه التحذيرات بوضوح مدة شهر قبل الانقلاب.
وفي الأيام الخمسة الأخيرة قبل الانقلاب بدأ بعض قادة الأغلبية يؤكدون لنا بشكل سري أنهم يدعمون موقفنا الرافض للانقلاب لكنهم لا يمكن أن يعبروا عن ذلك صراحة، طبعا باستثناء بيجل ولد هميد الذي عبر بشجاعة عن استعداده للتصدي والوقوف ضد الانقلاب العسكري.
وقد كانت هذه أهم نتائج الحوار مع سيدي ولد الشيخ عبد الله، وقد جمعتنا ظروف ما بعد الانقلاب العسكري معه في معسكر واحد.

 

ريم آفريك: بعد الانقلاب العسكري في 2008 كنتم في قيادة الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية المناوئة للانقلاب، وتوليتم رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في الجبهة، فماذا عن مسار هذه الجبهة الذي أفضى إلى اتفاق داكار؟

 

محمد ولد مولود: لقد كانت تجربة رائعة وغير مسبوقة في التصدي على للانقلاب العسكري، وكان الصراع الفعلي هو على التمثيل والاعتراف الدولي بالانقلاب العسكري، وقد نجحنا بقوة في الحصول على ندية تامة للعسكر، باعتبار الجبهة الوطنية هي الطرف الممثل للرئيس الشرعي سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
ولقد كان عمل لجنة العلاقات الخارجية بشكل خاص رائعا ومركزيا في عمل الجبهة، بل كان أداؤها أحسن وأكثر جدوائية من عمل اللجان والأذرع الدبلوماسية للانقلابيين
وعموما كان للموقف الدولي دور أساسي في مسيرة التصدي للانقلاب العسكري، خصوصا بعد تراجع فرنسا عن إدانة الانقلاب، وذلك بعد أن تمكنت الاستخبارات العسكرية الفرنسية من تعديل موقف الإليزيه الرافض للانقلاب عند بدايته، وقد أكد لنا هذا الرفض السفير الفرنسي في نواكشوط يومها.
ورغم أنه من الصعب فهم موقف المخابرات الفرنسية من الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، لكن يمكن تفسيره بأن وجود رئيس يملك هامشا من حرية وقراراه، ويملك رصيدا وطنيا وقيميا قد يمثل تهديدا لمصالح فرنسا في البلد، كما أن الانقلاب لم يكن الخيار بالنسبة للمخابرات العسكرية الفرنسية، بل كان الخيار المخطط له بالنسبة لهم هو حراك جماهيري أو سياسي يرغم سيدي ولد الشيخ عبد الله على الرحيل، ليحدث فراغ دستوري يمكن سده عبر مشروع الانقلابيين.
لقد نجح موقفنا ونضالنا في الشهر الثاني بعد الانقلاب، في إدانته بشكل قاطع وصارم من الاتحاد الإفريقي، الذي هدد بفرض عقوبات صارمة على الانقلابيين إذا لم يعيدوا السلطة إلى الرئيس الشرعي، كما كان الموقف الأمريكي صارما وواضحا ضد الانقلابيين، خصوصا أن فرنسا غالطت الأمريكيين في البداية، عندما كان ساركوزي رافضا للانقلاب قبل أن يعمل بذلك على تثبيت وترسيخ أركان نظام الانقلاب.
لقد أجهضت فرنسا للأسف الشديد العقوبات الإفريقية على الانقلابيين، وأسست ما سمته المجموعة الاتصال الدولية، واستدعتنا للحوار في باريس، حيث كنا طرفين موريتانيين طرف الشرعية الدستورية الذي تمثله الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، وطرف الانقلابيين، وقد كانت القدرات المادية للجبهة ضعيفة جدا إلى أقصى درجة، لكننا قررنا أن لا نغيب عن أي مؤتمر أو محفل دولي يمكن أن نؤثر فيه ضد الانقلاب

 

ريم آفريك: تتهمون إذا المخابرات الفرنسية بالضلوع في الانقلاب الذي أطاح بولد الشيخ عبد الله؟

 

محمد ولد مولود: لا شك في ذلك، لقد كانت المخابرات الفرنسية راعيا وموجها للانقلاب العسكري على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، وقد وفرت الحماية والاحتضان للانقلابيين، وأقنعت ساركوزي بدعمه، رغم أنه استمر في رفض رئاسة محمد ولد عبد العزيز من بداية الانقلاب في بداية أغسطس 2008 وحتى ديسمبر من نفس السنة، وبعدها تغيرت توجهاته.
ولم تدخر فرنسا أي جهد من أجل دعم الانقلاب العسكري، وقد نجحت في النهاية في تحييد الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبحت تكرر بأن موريتانيا تقع ضمن النفوذ الفرنسي.
وفي النهاية بدأ الموقف الدولي يتحول لصالح النظام، كما أن الموقف الداخلي بدأ يضعف، خصوصا أن الانقلابيين استغلوا عددا من الأزمات التي ظهرت في حكم سيدي مثل أزمة انقطاع الكهرباء، وأزمة الجفاف، وبعض العمليات الإرهابية، ليظهر النظام الجديد وكأنه منقذ، ومع الزمن ضعف التضامن الجماهيري بشكل كبير.
وعندما توجهنا إلى دكار، كانت فرنسا قد استطاعت كسب المجموعة الدولية لصالح الانقلابيين، وسلمت ملف الانقلاب إلى رئاسة الاتحاد الإفريقي برئاسة المرحوم معمر القذافي الذي كان كان يخاطبنا قائلا: كيف ترفضون الاعتراف بالنظام، لأنه جاء بانقلاب، وكلنا جاء بانقلاب" وكان القذافي يحاول إقناعنا بقبول الأمر الواقع، ويؤكد أنه ضامن بعد لتلبية مطالبنا
لقد حددنا ثلاثة أهداف في مفاوضات دكار وهي إفشال انتخابات 6/6/2009، ثم إفشال الانقلاب مبدئيا برجوع الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، وثالثا إطلاق سراح الوزير الأول ورفاقه.
وقد نجحنا في تحقيق هذه المطالب الأساسية، والحصول على رابع وهو فتح مرحلة انتقالية قصيرة جدا، رغم أن ولد عبد العزيز راوغ كثيرا وظل مصرا على رفض كل هذه المطالب لكنه رضخ لها في النهاية، ولكنه كان رضوخا شكليا.
لقد حصلت المعارضة بعد اتفاق دكار على ثلثي اللجنة المستقلة للانتخابات، وعلى نصف الحكومة، وكان من المفترض أن لا تمر أي قرارات غير توافقية لأنها تحتاج أغلبية الثلثين، لكن ولد عبد العزيز عاد من جديد وانقلب على مضامين اتفاق دكار.
ورغم ذلك فقد كان عدم تقديرنا لمناورات ولد عبد العزيز وسعيه إلى التنصل من الاتفاق نقطة ضعف بالنسبة للمعارضة، فقد رفض في البداية توقيع الاتفاق بنفسه، وطلب أن توقعه مستشارته كمب با، كما حاول التنصل من اتفاق إطلاق سراح الوزير الأول، كما حاول التملص بند حل المجلس الأعلى للعدالة، وفي النهاية استجاب لكل ذلك بسبب الضغوط الدولية.
لكنه في المقابل أضاع عشرين يوما من الفترة الانتقالية القصيرة أصلا في التسويف والمماطلة، وانقلب وزيره الأول الدكتور مولاي ولد محمد الأغظف على الدستور باستدعائه للناخبين، رغم أن الدستور صريح في أن هذا الاستدعاء يكون من رئيس الدولة، وبتوقيع من وزير الداخلية، وقد اكمل مجلس الوزراء دورة من النقاش استمرت حتى الرابعة فجرا، تحت رئاسة رئيس مجلس الشيوخ المرحوم با امباري، دون أن يحسم في شأن استدعاء هيئة الناخبين، فما كان من الجنرال ولد عبد العزيز إلا أن أمر وزيره الأول بإصدار مرسوم الاستدعاء، دون أن يكون له أي صفة دستورية تخوله ذلك، والمخجل في الأمر أن يستجيب الوزير الأول الدكتور مولاي ولد محمد الأغظف، لذلك الأمر الصادر من الانقلابي في خروج على النصوص الحاكمة.
وعندما أبلغنا شركاءنا السياسيين في المعارضة بهذه الخروقات الخطيرة، كان الجميع يدعو إلى التهدئة وعدم الانشغال بها، مؤكدين أن هزيمة الرئيس عزيز مسألة وقت، وأن علينا أن نتوجه إلى الأهم وهو خوض الانتخابات الرئاسية مباشرة، وأن أسبوعا واحدا من الحملة يكفي لهزيمة عزيز، فيما كان عزيز ضامنا للفوز وبنسبة 52% في الشوط الأول كما كان أنصاره ومقربوه يتحدثون قبل الانتخابات.
وبعد الانتخابات، طالبنا بتطبيق مضامين اتفاق دكار التي تنص على الشراكة في تسيير السلطة لما بعد اتفاق دكار، إضافة إلى إصلاح الجيش فكان رد ولد عبد العزيز في قمة التشنج والرفض، وأصبح يكرر أن على ما يريد تطبيق ذلك الاتفاق أن يتوجه إلى دكار، كما أن المجموعة الدولية الراعية للاتفاق تنصلت هي الأخرى من أي متابعة له، وقررت التوجه إلى دعم وترسيخ نظام ولد عبد العزيز
والخلاصة أن الدور الفرنسي مهد الطريق في تلك الفترة، والمجموعة الدولية بشكل عام، مسؤولة عن تعقيد الأزمات السياسية التي واجهتها الدول الإفريقية، وقد ظل التدخل الدولي عنوانا دائما لزيادة الأزمة وتعقيدها وسير الحل في اتجاه ترسيخ مصالح الأطراف الدولية بشكل أكبر من تحقيق مصالح الشعوب والأطراف المحلية.

 

ريم آفريك: في مؤتمره الصحفي الأخير قال ولد عبد العزيز أن قيادات من قوى التقدم زارته في مكتبه وطلبت منه امتيازات متعددة؟

محمد ولد مولود: لم أسمع حديث ولد عبد العزيز مباشرة، وأستبعد جدا صحة ما قال لأن لقاء الرئيس وطرح أي مطالب عليه، لا يمكن أن يتم إلا من رئيس الحزب أو من يخوله، وبتفويض من مكتبه التنفيذي وهو ما لم يقع أبدا، ولذلك فإن حديث ولد عبد العزيز غير صحيح، وآخر لقاء جمعه معنا كان سنة 2008 بعد الانقلاب بقليل.
وقد التقيت ولد عبد العزيز مرتين، وكل واحدة منهما بطلب منه، وقد رفضت في الأولى طلبه أن يكون اللقاء في مكتبه بقيادة الحرس الرئاسي، قبل أن يكون اللقاء في منزل صديق مشترك لنا، وكان لقاء تعارفيا، قدمت فيه تحليلي للوضع السياسي في البلاد، ولم يبد هو أي تعليق مناقض لما قدمته وانتهى عند ذلك الحد.
وأثناء أزمته مع المرحوم اعل ولد محمد فال سنة 2006، بشأن حياد المجلس العسكري أو دعمه لأحد المرشحين طلب لقائي مرة أخرى، ورفضت مجددا أن يكون في مكتبه بقيادة الحرس الرئاسي، واعتذر هو أيضا بأنه لا يمكن أن يغادر مكتبه لأنه في حالة استنفار ومتابعة، ونتيجة لذلك لم يحدث هذا اللقاء.
أما اللقاء الثاني فقد كان في القصر الرئاسي بعد انقلابه في 2008 حيث بدأ يدعو قادة الأحزاب لكي يشرح له أسباب انقلابه، وقد طالبته بأن يدخل التاريخ من بابه الواسع بإعادة الشرعية، وقلت له إنه سيكون مثل اعل ولد محمد فال في الزخم السياسي والرمزي الذي ناله، وقد رفض هذا الطرح رفضا قاطعا جدا، وكان هذا آخر لقاء بيننا.

 

ريم آفريك: تبدي المعارضة تفاؤلا كبيرا تجاه سنة من حكم الرئيس الغزواني، ماهي دوافع هذا الارتياح وما هو تقييمكم لما مضى من مـأمورية الرئيس؟

 

محمد ولد مولود: يظهر لي أن موريتانيا تواجه مشكلات كبيرة جدا، منها ما يتحول إلى آفاق مستقبلية إيجابية إذا تمكننا من حلها، أو عواقب سلبية مؤلمة إذا أخفقنا في ذلك، ومن أبرز هذه المشكلات أزمة الوحدة الوطنية، بأبعادها المختلفة، وخطر هذه الأزمة أنها قابلة للتأجيج بسبب خلاف الأطراف السياسية، أو بسبب ظروف طارئة أو خارجة عن الإرادة مثل الأزمات الاقتصادية والكوارث.
ويمكن أن يتم معالجة هذه الأزمة بحلول استباقية، تتطلب توافقات سياسية تنهي عهود الحرمان والتهميش، وسيطرة طرف واحد على المشهد الانتخابي بسبب تحكم الدولة وتوجيه مقدراتها لخدمة الأحادية.
ولذلك فإن استمرار تجاهل قضية الوحدة الوطنية، أو ترسيخ الاستقطاب السياسي، سيكون الطريق الأسرع للانفجار، ولذلك قررنا أن نمنح النظام الحالي فرصة انتظار من أجل أن يقطع الصلة مع النظام السابق، ومع ممارسات الفساد، وأن يطلق مؤشرات إيجابية تجاه الوحدة الوطنية، ولم يكن هذا الموقف أكثر من استيراتيجية سياسية قائمة على المصلحة الوطنية، حتى 
ولذلك نرى أن حصيلة سنة من حكم الرئيس الحالي كانت مشجعة حيث وجه النظام رسائل وإشارات إيجابية تجاه المعارضة تخدم التقارب المنشود، كما قام بخطوة غير مسبوقة وهي السماح بإطلاق واستمرار عمل لجنة التحقيق البرلمانية، وهي سابقة مهمة جدا سواء في عملها أو في مخرجاته.
كما أن التنسيق الإيجابي في مواجهة حائجة كورونا، كان مؤشرا مهما على تغليب مؤشر التفاهم والتكامل حول القضايا الوطنية، كما تكسر جليد كثير بين المعارضة والنظام، وأصبح من الممكن نقاش القضايا الجوهرية، ولذلك اتفقنا على أن الوقت مناسب لنقاش كل القضايا الجوهرية بما فيها قضية الوحدة الوطنية، وقضايا الحكامة، ووقعت على بيان هذا الاتفاق كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، ومع ذلك لم تهتم به الصحافة رغم أنه حدث مهم، أعربت فيه السلطة عن استعداداها لنقاش القضايا الجوهرية للبلد، ولذلك فإننا على أبواب تنظيم تشاور واسع، وإن كان شكله وتوقيته، لم يناقش بعد، لكننا أخذنا الطريق إليه، وهذا الحوار والنقاش ضرورة جدا لإعادة التأسيس والبناء، خصوصا أن جائحة كورونا أعادت طرح الأسئلة الجوهرية، ودفعت العقلاء إلى العودة إلى الذات والاعتماد على الموارد والقدرات الذاتية، وما دمت ستعتمد على نفسك فلا شك أن ستعتمد على شعبك، وفي هذه الحالة ينبغي أن تتفاهم معه، حتى يكون شريكا أساسيا في تحمل أعباء النهوض المطلوب، خصوصا أن هذه الحائجة أثبتت فشل الليبرالية الاقتصادية في مهدها وفي دولها المنافحة عنها، فما بالك بموريتانيا التي لم تكن تعاني من غياب القطاع العام مقارنة مع القطاع الخاص، وإنما باستشراء الفساد في مفاصل القطاع العام.

 

ريم آفريك: هل أنتم واثقون من جدية النظام في محاربة الفساد؟

محمد ولد مولود: واجب التسيير الفعال وتأطير الاقتصاد وتوزيع الثروة الوطنية، أصبح اليوم ضرورة ملحة، ولا بد أن تضطلع الدولة الآن بمهمتها الاجتماعية، في بناء قوة اقتصادية عادلة، وفي إنصاف الطبقات المهمشة، وضمن بناء هذه القوة الاقتصادية، تكون محاربة الفساد ضرورة مهمة، وأظن أن ما قامت به لجنة التحقيق البرلمانية، يمثل أرضية ينبغي أن تتعزز وتستمر، وأن تصل إلى نتيجتها في استعادة الأموال المنهوبة، وتحقيق التوازن والعدالة، التي تقضي على محاضن الفساد ومن أبرزها السلطة المطلقة، مثل النظام العسكري، ولذلك فإن تمتع كل سلطة بصلاحياتها التامة، سيؤمن المصالح الوطنية الأساسية، مما سينتج عنه مع الزمن ثقة المواطن في وطنه، وإحساسه بأنه يستحق أن يدافع عنه، وسننطلق إلى نهضة وطنية في مختلف المجالات، لأن وجود الأمل كفيل بتفتق المواهب الوطنية التي كانت مكبوتة تحت ظل الأحادية والظلم، وسينطلق الناس في تنافس تام من أجل بناء وطنهم، وكل ذلك مشروط بالعدالة والتوازن، ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض؟

 

 

ريم آفريك: تداول الإعلام أن السلطات القضائية جمدت لحد الآن 20 مليار هل فاجأكم كمراقبين حجم هذا المبلغ بيد أشخاص محددين؟

محمد ولد مولود: لم يفاجأني هذا الرقم، ولا أظن أنه فاجأ من قرأ تقرير لجنة التحقيق البرلماني، الذي يتحدث عن أكثر من 109 صفقة تراض بقيمة تناهز 430 مليار أوقية، توجهت إلى شركتين أو ثلاث شركات مقربة من النظام السابق، من بينها 45 % عبر التراضي المباشر، أما البقية فقد جاءت عن طريق التراضي غير المباشر، ولذلك فإن تجميد 20 مليار ليس مفاجئا بل هو مبلغ زهيد مقابل ما نهب في الفترة المنصرمة.

 

ريم آفريك: هنالك حديث متواصل عن نية موريتانيا التطبيع مع الكيان الصهيوني أو جرها من طرف دول خليجية إلى هذه العلاقات؟

 

محمد ولد مولود: لقد أًصدرنا بيانا انتقدنا فيه بشكل لاذع، بيان الخارجية الموريتانية بشأن تطبيع دولة الإمارات مع الكيان الصهيوني، وأعربنا فيه بوضوح عن رفضنا في ائتلاف قوى التغيير للعلاقة مع الكيان الغاصب، ونعتقد أن الإقدام على هذه الخطوة سيكون خيانة للشعب الموريتاني، وأي حكومة تقدم عليه، فإنها تقدم على خطأ قاتل، وستكون في قطيعة مع الشعب الموريتاني، كما أن الصدقات التي تحاول بعض الحكومات الحصول عليها من خلال التطبيع مع الكيان الصهيوني لن تجدي في مواجهة الغضب الشعبي، وستكون أيضا نشازا في المحيط المغاربي الرافض للتطبيع.
ولذلك فإن على القوى الوطنية كلها أن تعبر للحكومة الموريتانية عن رفضها التام للعلاقة مع الكيان الصهيوني، ومن يزين للحكومة التطبيع، فإنه يدفعها إلى كارثة لا يمكن أن تنجو منها.

 

ريم آفريك: شكرا لكم