خوسى الويس وقان النوع الموريتاني

أحد, 05/10/2020 - 21:11
سيدي محمد ولد أحمد طالب

أثناء فترة دراستي في مدريد أقمت سنتين في غرفة في حي "أنسانتشه" بمدينة القلعة، في مسكن يملكه رجل إسباني متقاعد، اختار بدل البقاء وحيدا في بيته الواسع المؤلف من طابقين  أن يؤجر بعض غرفه للطلاب ليساعدوه في دفع أقساط البنك وربما ليستأنس بهم من وحدته القاتلة.

كان السبعيني خوسى يكثر الثرثرة وكنا نشترك معه أحيانا  "الكوميدور" حيث يسهب في ذكر تفاصيل ماضي حياته متأسفا على ما آل إليه حاله ، بعد أن أُكره على مغادرة شقته لتبقى فيها أسرته السابقة و تأخذ معها جزءاً كبيرا من راتبه الشهري، ليضطر لشراء مسكن جديد ويعيش مابقي من حياته في الحسرة و الألم.

كان خوسى الويس يصب جام غضبه على الحكومة و السياسيين لوضعهم قانونا يعتبره منحازا للمرأة و يساهم، أكثر من ذلك، في تحريضها على زوجها و يجعل مجرد ادّعاءها التعرض لعنف "لفظي" أو تهديد بالضرب كافيا لمنع الرجل من الاقتراب من أولاده وبيته مسافة أقلها خمسمائة متر ، ليخلو لها الجو وتُدخله من تشاء. كما أنه يُحمّل القانون السيء انتشار ظواهر اجتماعية يراها غريبة عليه وعلى أسلافه ... و حينما كنا نتعجب من ارتفاع عدد النساء اللاتي يفقدن أرواحهن كل سنة في إسبانيا على أيدي أزواجهن كان خوسى الويس يؤكد أن وزر ذلك يتحمله من صوتوا على القانون سيء الذكر الذي يرفع  واضعوه شعار حماية المرأة والتمييز الإيجابي لصالح الطرف الأضعف، مؤكدا أن عدد الضحايا ارتفع كثيرا بعد سن تلك القوانين التي لم تكن في مصلحة الأسرة الإسبانية، حسب رأيه.

تذكرت صديقي خوسى الويس حينما علمت بإعداد الحكومة الموريتانية نسخة جديدة من قانون يرجى منه أن  يوفر الحماية للمرأة على غرار قوانين حماية المرأة في الدول الغربية

.  

لا يمكن أن يدّعي أحد منا أن المجتمع الموريتاني، رغم مايتميز به من تبجيل للمرأة ، يخلو من  وجود حالات اعتداء على كرامتها و نقص لحقوقها،  وتواجه الأسرة والمجتمع في موريتانيا تحديات ومشكلات ليست قليلة، بعضها جديد وبعضها قديم، وكلها تستحق الدراسة والاهتمام والعلاج. إلا أن الحلول الناجحة هي التي تأخذ في الاعتبار طبيعة المجتمع و يعدها العارفون به و بنقاط قوته و نقاط ضعفه، وهم الموريتانيون وحدهم، وليس منهم المنظمات ولا الهيئات الغربية بكل تأكيد. فالمجتمع الموريتاني مختلف كثيرا عن المجتمع الفرنسي و المشاكل التي تواجه المرأة والأسرة في البلدين مختلفة كذلك، ولذا فالحلول لايمكن أن تكون متطابقة.

 

ويتعين على سياسيينا وبرلمانيينا و علماء الاجتماع وخبراء القانون عندنا أن يبادروا إلى ابتكار الحلول المناسبة لإشكالات مجتمعنا، لا أن يظلوا مكتوفي الأيدي حتى يقترح علينا الآخرون قوانين لحل مشكلاتنا فينتفضوا لرفضها حتى تسقط ثم يرجعوا إلى سباتهم في انتظار مقترحات أخرى وانتفاضة جديدة.

 

وإن كانت الأمم والشعوب يستفيد بعضها من بعض، ولاضير في ذلك، بل لاغنى عنه لأمة توقفت عن التفكير منذ قرون، إلا أن الأسرة وقضاياها يجب أن تبقى ضمن الخصوصيات التي تحتاج ابتكار حلول محلية ولا ينفع معها "النسخ واللصق" كما قد ينفع في نظام تسيير إدارة أو شركة أو مصنع.

 

دون الخوض في تفاصيل مشروع القانون الجديد ، فإن عنوان نسخته الأولى التي رفضها البرلمان "قانون النوع" يُظهر جليا أنه كتبته أياد أجنبية لا علاقة لها بالمجتمع الموريتاني ، و يبدو أن بعض الجهات  اوعزت للحكومة بتقديمه مرة ثانية، وتسعى لفرضه بطريقة أو بأخرى. فهل ستستطيع حكومة موريتانيا الصمود ورفض أوامر أسياد عالم اليوم ؟!

 

علينا أن نعترف بواقع بلادنا ونأخذه في الحسبان ، وأن نركز جهودنا على مكان الداء الحقيقي و لا نتعب كثيرا في  الانشغال بالمعارك الجانبية. و داؤنا الأكبر هو التخلف، هو الفقر والحاجة إلى غيرنا.

 

 إن موريتانيا دولة لا تنتج غذاءها ولا دواءها ، ولا تنسج لباسها ولا تصنع سلاحها ، و دأبت حكوماتها على استجداء المعونات الأجنبية وتتراكم عليها ديون الصناديق الدولية، ولذا فلايمكنها أن تحافظ على خصوصيتها الثقافية أو أن تفرض استعمال لغتها الرسمية أو تكتب قوانينها بأيديها أو تنظم شؤونها الداخلية دون تدخل أجنبي، في عالم لا يرحم الضعيف.

 

 إن المانحين في الغرب والشرق لايعطون أموالهم لوجه الله أو حُبّاً لسوادِ عيون الموريتانيين ، والدول التي تعتز بسيادتها وتسعى لاستقلال قرارها لا تمد أيديها ولاتقبل المساعدات الأجنبية. 

إننا يجب أن نترجم الغيرة على استقلالنا ورفض التدخل في شؤوننا إلى ميدان العمل من أجل النهوض ببلادنا وأن نجعل تتميتها في مقدمة اهتماماتنا.  فهي أم المعارك. فلا خصوصية دون استقلال، ولا استقلال دون تنمية شاملة