هذه سيناريوهات مستقبل الإرهاب بعد انهيار "داعش" في 2020

خميس, 12/26/2019 - 12:31

قُتل زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي في غارة أمريكية بإدلب شمال غرب سوريا؛ لكن بقاياه ما زالت مستمرة في مختلف فروعه الخارجية، خاصة محوري سوريا والعراق، الأمر الذي يطرح مستقبل التنظيم بشكل عام، والظاهرة الإرهابية بشكل خاص، في مطلع سنة 2020.

في هذا الإطار، يأتي كتاب "ما بعد الخلافة: تنظيم الدولة الإسلامية ومستقبل الشتات الإرهابي" للكاتب كولن كلارك، الأستاذ المساعد في جامعة "كارنيجي ميلون"، من أجل وضع تصور مستقبلي لما يمكن أن تؤول إليه الأحداث، وتحديد فرص نجاح التنظيم في التكيف وإعادة تجميع صفوفه بعد السقوط الفعليّ للخلافة المزعومة.

وينطلق كبير الباحثين في مركز صوفان الاستشاري للشؤون الأمنية، تبعا للورقة البحثية المنشورة في مجلة المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، التي صاغها عبد الله عيسى الشريف، الباحث في العلوم السياسية، من فرضية أن تجربة "الخلافة" في تنظيم "داعش" تمثل ذروة تطور غير مألوفة في نشاط التنظيمات الإرهابية العالمية، وتعد ظاهرة مبتكرة من جوانب عديدة.

وحسب الورقة، المعنونة بـ"ما بعد الخلافة.. مستقبل الإرهاب في 2020 بعد انهيار داعش"، فإن "الخلافة" في التنظيم الإرهابي بمثابة "ظاهرة ذات أبعاد فكرية ومادية من خلال ما تبنته من أفكار وأيديولوجيات مُتطرفة، انعكست على الشق المادي باستباحة الدماء والحُرمات والأوطان والحدود".

ويتابع صاحب الكتاب: "لقد تحولت من فكرة إلى واقع ملموس، إذ لم يعد على الإرهابيين أن يستندوا إلى ماضٍ تاريخي مثالي للخلافة الأصلية؛ بل يمكنهم أن يستندوا إلى أن ثمة "خلافة حديثة" مزعومة قد تحققت في الذاكرة الحيّة للجميع، وستظل مُتوقدة لعقود مقبلة".

ويشير الكاتِب إلى أن "محاولة تنظيم داعش إقامة خلافته المزعومة في سوريا والعراق سيظل مصدرًا للإلهام لفترة طويلة في المستقبل، مما يعني أن بإمكان الإرهابيين أن يحفزوا عناصرهم وقواتهم على مواصلة أنشطتهم استنادًا إلى إمكانية تحقيق الخلافة المزعومة وسردية التنظيم".

ويعرف كلارك ماهية الظاهرة الإرهابية، عبر أسئلة عديدة حول أصولها وتطورها، وأيديولوجيتها، وإستراتيجيتها وأهدافها، فضلًا عن هيكلها. وفي هذا الصدد، يشير إلى فتوى عبد الله عزام (من أوائل منظري الإرهاب والأب الروحي للجهاد الأفغاني)، التي تحمل عنوان "في شأن الدفاع عن الأراضي الإسلامية"، التي صدرت في عام 1984، والتي كانت بمنزلة حجر الزاوية الأيديولوجي للنزعة الإرهابية الحديثة.

ويتساءل الكاتِب حول ماهية تنظيم "القاعدة" في شكله الحالي: هل هو منظمة؟ أم حركة؟ أم أيديولوجيا؟، حيث يُفرق بين "القاعدة" كتنظيم مركزي، والتنظيمات المرتبطة بالقاعدة، والأفرع المحلية لها، وشبكة القاعدة. ويتطرق أيضا لأوجه الاختلاف بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش".

ويخلص كولن كلارك إلى أن تنظيم "القاعدة" يختلف اختلافًا كبيرًا عن تنظيم "داعش"، عبر العديد من الفروق الجوهرية، نورد منها ما أسماه بـ"الهيراركية الصارمة"؛ قائلا: "في حين كانت القيادة المركزية للقاعدة تضم هيكلًا تنظيميًّا شديد البيروقراطية، وله العديد من اللجان والإجراءات، فإن فروعها والأفراد الملهمين كانوا يتصرفون في كثيرٍ من الأحيان باستقلالية عملياتية كبيرة".

وأضاف بما معناه: "ينطوي التنظيم على نوع من المفارقة، حيث "يخضع لإشراف مُحْكَم في القمة وانتشار رخو في القاعدة"، على خلاف تنظيم "داعش" الذي تبنى منذ البداية هيكلًا تنظيميًا صارمًا من القيادة العليا إلى الصفوف الدنيا عبر سلسلة من الإجراءات البيروقراطية الشديدة".

الفرق الثاني يكمن في خلفيات الإرهابيين، إذ يرى الكاتب أن "خلفية مجندي "داعش" تختلف كُليًّا عن مقاتلي تنظيم "القاعدة"؛ فقد استقطب "داعش" ما يقرب من 43 ألف مقاتل أجنبي من أكثر من 120 دولة، ومع ذلك، ووفقًا لوثائقه، اعتبر التنظيم أن 5% فقط من المجندين الوافدين لديهم معرفة مُتعمقة بالإسلام، في حين وصف 70% منهم بأنهم لا يملكون سوى فهم "أساسي" للدين".

الفرق الثالث، وفق المرجع عينه، هو الاختلاف التكتيكي. ويورد المقال ما يلي: "يرى المؤلف أن دوافع هذه التنظيمات العنيفة ذات التطلعات العالمية، وأهدافها وهياكلها التنظيمية وأساليب عملها، واستراتيجيات التعامل والقواعد الحاكمة لتحرك تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، تختلف جذريًّا فيما يتعلق بالعنف والتكتيكات".

كما أشارت الورقة إلى التمويل الاحتياطي للتنظيم، حيث يرى الباحث أنه "على الرغم من خسارة مناطق خلافته وما ارتبط بها من مصادر دخل مربحة، لا يزال تنظيم "داعش" يتمتع بموارد جيدة، فحجم ما حققه "داعش" يُعتبر أمرًا صادمًا؛ حيث حقق في ذروة سيطرته الميدانية عام 2015، وفرة مالية تجاوزت 6 مليارات دولار".

توجد ثلاثةِ مصادر رئيسية هي: النفط والغاز، وهما اللذان وفّرا له قرابة 500 مليون دولار، من خلال مبيعات محلية بالأساس، والضرائب والابتزاز، وهما اللذان وفَّرا قرابة 360 مليون دولار، ونهب الموصل في عام 2014، حيث سرق التنظيم خلال تلك العملية ما يناهز 500 مليون دولار من خزائن البنوك، بالإضافة إلى إيراداتٍ أخرى"، تضيف الورقة.

وبشأن مستقبل التنظيم، يحلل كلارك مستقبل الحركة الإرهابية العالمية عبر ساحات القتال الجديدة، سواء بالانضمام إلى حروب أهلية قائمة، أو نشوء ملاذات آمنة ومحمية بديلة، بما في ذلك ليبيا، وأفغانستان، وجنوب شرق آسيا، وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ويخلص إلى أن "تجربة التنظيم في سوريا والعراق لا يمكن تكرارها في مكان آخر؛ فالظروف التي جعلت الخلافة ممكنة من خلال دول فاشلة ذات احتياطيات نفطية ضخمة، وهيمنة عربية على عناصر التنظيم، وإرث المؤسس أبي مصعب الزرقاوي، والطبيعة الجغرافية السهلة لسوريا، والحدود التي يسهل اختراقها، التي سمحت بتدفق المقاتلين الأجانب؛ كلها ظروف فريدة من نوعها، خاصة في تضافرها وتزامنها معًا".

ويضيف الكاتب أن "التنظيم لا يزال ينعم بالتمويل الكافي، الذي، إلى جانب استمرار أيديولوجيته المتطرفة، يجعله خطرًا إرهابيًّا دائمًا في شكل هجمات الذئاب المُنفردة"، مردفا: "هنالك ثلاثةَ سيناريوهات مستقبلية للعلاقة المحتملة بين القوتين الإرهابيتين الرئيستين (تنظيم القاعدة، وداعش)".

الأول، حسبه، أن "يستمر الوضع الراهن على ما هو عليه، حيث تتواصل حالة الصراع بين داعش والقاعدة، ومع ذلك يظل كل منهما قائمًا. الثاني أن تحدث عملية مزايدة، حيث يتم تدمير هذا أو ذاك. السيناريو الثالث هو أن يحدث تقاربٌ بين الاثنين"؛ وهو الأمر الذي يعتبره كلارك أمرًا غير وارد، دون نفي إمكانية التعاون التكتيكي بين التنظيمين، فأي تعاون من هذا القبيل من شأنه أن يكون على المستوى التكتيكي وليس على المستوى الأيديولوجي، بتعبير المصدر عينه.