قيس في قصر ليلى.. هل استعادت ثورة تونس بوصلتها؟

ثلاثاء, 10/15/2019 - 09:46

من بين أشهر قصص الغرام في التاريخ العربي تمثل قصة قيس وليلى رحلة الحب والألم، فقيس العاشق المغرم بليلى انتهى به المطاف مجنونا يسجل مشاعره في قصائد مثلت أيقونات الحب والغرام العربيـ وفي تونس قصة أخرى بين قيس وليلى لا تقوم على الحب ولا الغرام، وإنما على التضاد والصراع، فقيس هذا المرة، يحمل على عاتقه تحقيق أهداف الثورة التي أطاحت بليلى وزوجها بن علي.

فاز قيس بأكثر من ثلثي أصوات الناخبين التونسيين، وبدأ مرحلة جديدة سيضاف فيها إلى لقبه الأستاذ لقب جديد وهو رئيس الجمهورية، ومن قصر قرطاج سيبدأ الأستاذ قيس عمله كرئيس للجمهورية في محاولة لاستعادة بوصلة وأهداف ثورة الياسمين التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وقضت على سلطة ومكانة زوجته ليلى الطرابلسي التي قبضت على مفاصل الحكم في تونس لعشرين سنة.

في الحرم الجامعي

الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد هو ابن عائلة مثقفة ينتمي إليها عدد من الشخصيات العلمية والثقافية من بينها عمه هشام اسعيد أول جراح أطفال في تونس.

ولد قيس سعيد في 22 من فبراير/شباط 1958 في عائلة من الطبقة الاجتماعية الوسطى من أب موظف وربة منزل.
درس بالجامعة التونسية وتخرج فيها ليدرس لاحقا القانون الدستوري قبل التقاعد قبل سنة.

حصل على دبلوم في سن 28 عاما من الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري في تونس ثم باشر تدريس القانون في جامعة (سوسة) وأشرف لفترة وجيزة على قسم القانون العام لينتقل إثرها ومنذ العام 1999 إلى حدود 2018 إلى جامعة العلوم القانونية والسياسية في تونس العاصمة.

لم يحصل سعيّد الذي يلقبه أنصاره بـ"الأستاذ" احتراما لشخصه، على شهادة الدكتوراه وكانت كتاباته ومنشوراته نادرة.

لسعيّد بنتان وولد وهو متزوج من القاضية إشراف شبيل التي ظهرت لأول مرة برفقته خلال الأيام الأخيرة من حملته الانتخابية بشعرها القصيرة ونظارتيها الشمسيتين.

يعتبره طلابه شخصية تكرس حياتها لمهنتها وهي التدريس ويظهر في صورة الإنسان المستقيم والصارم ونادرا ما يبتسم.

أطلقت عليه تسمية "روبوكوب" من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لأنه دائما ما يتحدث اللغة العربية بطلاقة وبدون توقف.

قال عنه أحد طلابه في تغريدة على تويتر "يمكن أن يمضي ساعات خارج حصص الدرس مع الطلبة لتوضيح بعض النقاط بخصوص امتحان".

وصفه أحد طلبته نسيم بن غربية وهو صحفي كان تابع دروسه بين 2011 و2012 "بالأستاذ الجديّ والمسرحي أحيانا، لكنه دائم الإصغاء لطلبته".

 

مؤيدو قيس سعيد وهم يحملون صوره ولافتة خلال الحملة الانتخابية (رويترز)

الأسئلة المؤجلة

برز السياسي قيس السعيد من ركام الأسئلة المؤجلة في تونس أو تلك التي أخفقت القوى السياسية المتوزعة لتفاصيل ومفاصل الحكم في الإجابة عليها.

إنها أسئلة التنمية ومواكبة التغيير المتسارع في تونس ما بعد "الزين وليلى"، كانت الشغل الشاغل للشارع التونسي، ضعف المنظومة الأمنية، الصراع السياسي بين قوى السلطة، السير قدما نحو الحرية المفتوحة أو العودة إلى الجذور الأصلية، قضايا الشباب في التشغيل والتنمية وتوفير فرص العيش الكريم.

ترددت تلك الأسئلة وغيرها في خطابات قيس سعيد، ونالت من التفصيل ما جذب إليه مئات الآلاف من التونسيين الذين صوتوا له وصفعوا بقية القوى السياسية بنتائج مخيبة لآمال الطامحين.

حملة نظيفة

استطاع قيس أن يربك الأطراف السياسية المنافسة له من خلال خطاب سياسي يمجد الثورة وينطلق من ثوابتها ويعلي من قيمها، وانحياز إلى قيم الحرية التي ينادي بها الشباب التونسي.

أيضا مغازلته للجمهور الإسلامي والمتدين في تونس عبر خطاب ومواقف ذات بعد إسلامي، وحملة نظيفة بدون تكاليف مالية حيث رفض الدعم الحكومي من السلطة، وأقام حملته بدون بهرج إعلامي من خلال مكتب متواضع.

في مواجهة ميراث ليلى

قبل ثمانية أعوام أو أقل بقليل، ثار التونسيون على الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، استطاعوا منتصف يناير 2011 إسقاط الرجل الذي حكم تونس لأكثر من 23 سنة، بالنار والحديد والقمع وسطوة مقربيه وخصوصا زوجته ليلى الطرابلسي.

تحولت ليلى بعد أن كانت معشوقة السلطة إلى رمز للاستبداد النسائي واستغلال النفوذ.

رفع التونسيون الشعارات المناوئة للطرابلسية وسعوا جاهدين لتتبع منافذهم واجتثاث نفوذهم الذي غرسوه بمخالب السلطة في كل شرايين الاقتصاد التونسي.

نالت ليلى وأسرتها من شتائم الشارع التونسي ما لا يمكن حصره، فيما نال زوجها الراحل زين العابدين بن علي نصيبا مماثلا مع أحكام قضائية بالسجن والغرامات الباهظة، لكن منفاه السعودي مكنه من حماية قبل أن ينتقل إلى عدالة السماء.

لم يكن قيس عاشقا لليلى التونسي ولا متباكيا على عهده مثل ما حصل في قصة قيس وليلى المشهورة في التراث العربية، لكنه كان مناضلا من أجل القضاء على مخلفات حكمه التي لم تنسلخ من جسد الثورة التي أسقطت نظامها ونظام زوجها ابن علي.

انتقد قيس إخفاقات الأطراف الحاكمة في السلطة، وانشغالها بتقاسم السلطة وتدبير العلاقة بين أطرافها، حيث كان كل طرف يغني على ليلاه التي لا تتجاوز نصيبه من كعكعة السلطة.

انتهج قيس خطابا جديدا تناغم مع مختلف دوائر الجماهير في تونس، حيث نال نصيبا وافرا من أصوات التونسي المتحرر، كما تفاعل معه المثقفون والنخبة في تونس الخضراء، زيادة على اختراق نوعي للدائرة الإسلامية التي توزعت جماهيرها بين أسماء متعددة، كان من بينها قيس سعيد.

بوصوله إلى قصر قرطاج، يبدأ قيس سعيد مرحلة جديدة من السير في "حب تونس" التي يريد منه التونسيون أن يجعلها ليلى، فيما يؤكد العارفون بالسلطة ومداخلها أن جراح "ليلى الطرابلسية" ونظامها لا تزال عميقة وغائرة وأن بعض ممارسات الفرق الحاكمة في تونس منذ 2011 زادت بعض الجراح عمقا.

وتبقى تونس استثناء عربيا في الثورة والانتخاب، والعصف بالطبقة السياسية الحاكمة إما بثورة الياسمين أو ثورة الصناديق، وضمن الاستثناءات التونسية.. سعي قيس لكنس ما بقي من آثار ليلى.

 

الجزيرة مباشر