تكطكيط اليسار :السخرية من الدين والبيظان والبدو

ثلاثاء, 08/20/2019 - 19:56

" تكطكيط " التقدمية  : السخرية من  الدين و البيظان و البدو 

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين..

في العام 1989 كنت طفلا هادئا وخجولا ، و نتيجة لذلك كانت لي حماقاتي الخاصة والعصية على التتبع .
كان أحد الأشهر الأخيرة من ذلك العام هو شهري الأول في البلاد التي قدمتها للتو مع عائلتي ، حيث استضافنا أخوالي في قعر بادية "أفله" .

وفي أحد أيام ذلك الخريف الرائع ، كان خالي حفظه الله يعد باكرا للرحيل ، لتغيير " لمراح " .
وما إن بان قرص الشمس حتى كانت الأمتعة على ظهور الجمال والحمير وكان الجميع على أهبة الإنطلاق .
مازحني خالي متسائلا إن كنت أستطيع تثبيت خزامة الجمل تحت قدمي كي تركب والدة زوجته المسنة ، فأومأت بالإيجاب .
وضع الخزامة تحت قدمي ، وما إن همت المرأة بالركوب حتى بدأ الجمل - كالعادة - بالرغاء كما لو كان أحدهم داس على موضع مؤلم في جسده .
لم أبد خوفي الذي بالكاد استطعت مداراته ، لكنني فعلت ما هو أسوأ من ذلك .

ففي الأيام السابقة ليوم رحيلنا ذاك ، كان خالي حفظه الله يستدرج خيله ويهدئها بإصدار صوت يعرف عندنا ب" اتكطكيط " .
فتبارد لذهني أن أصدر ذات الصوت لتهدئة الجمل ، ولسوء الحظ كان لهذا الصوت استخدامات متعددة بتعدد المهام ، فهو يصدر للجمل - على عكس الخيل - كي يقوم إن كان باركا وليتحرك إن كان واقفا ، وليسرع إن كان ماشيا .

وبسرعة خاطفة حاول الجمل الوقوف كما  لو  كان مستنفرا لذلك ، ولسوء الحظ أيضا كانت المرأة قد وضعت رجلها للتو على مقدمة غاربه ولم تستقر في هودجها بعد ، وبعيدا عن تفاصيل المشهد ، وصل رأسها للأرض قبل أرجلها ، وأغمي عليها نصف إغماءة ، وتعطل الركب ساعة حتى تستقر الأمور .

لكن الله ستر ، واستفدنا من تلك الحادثة أن " اتكطكيط " أنواع رغم أنه واحد .

***

موجبه أن الخطاب قد يكون واعيا وواضحا ومؤصلا لكنه يؤدي لنتائج في بلد غير التي يؤدي لها في آخر ، وذلك راجع للنمط الإجتماعي والثقافي .

***
مرت سنوات وأنا أتابع هذا الفضاء معوضا غربتي بمعايشة إفتراضية ، متحسسا روح وطني وهناته ، ومنصتا لأصواته الخافتة وتلك التي تصم الآذان ، على حد سواء .

ولا أنكر أني حين قررت كتابة هذا المنشور ، وضعت نصب عيني تعقيد اللغة التي يمكن أن أكتبه بها دون أن أثير حفيظة اللماحين .

لكن المصلحة الوطنية تقتضي بعض المكاشفات المرة وذلك لإستباق بعض الشر بأهون منه .

لذلك سأتحدث حديثا للعقلاء، متحسسا أدوات الكياسة والرصانة عن يميني وناظرا بطرف عيني للمجنحة عقولهم بصفحة أو إثنتين من تاريخ النضال العالمي .

***

في هذا البلد مكونات عرقية مختلفة ، وحاقت بها عوامل الدهر فحدت حولها حدودا سياسية أصبحت بكل واقعية هي وطنها الحصري دون كل العالم .

وهذا يقتضي أن يتحمل الجميع مسؤولياته في إيصال مخاض الدولة إلى حيث يخرج مكتمل النمو خال من الهنات والعيوب الخلقية .

لأننا في هذه الفترة من تاريخنا نقع في محز قلق ويحتاج منا لإنتقاء اللغة التي نتحدث بها والكياسة في وضع آرائنا حيز النظر قبل أن نستميت في نظرية الحرية وحدودها .

فالناحية الأخلاقية لا تتجزأ بحيث يمكننا تعريف حريتنا دون تعريف مناطاتها وسقفها المصلحية ، ومعرفة ما إذا كنا تجاوزنا مرحلة الأمان الإثني داخل سجن الوطن الأزلي هذا .

من الملاحظ أن هناك موضة من التقدمية لم تتشكل رؤيتها للوجود بشكل واضح ، ولا زالت تقدم نفسها بتعاريف فضفاضة وقاموسية وشكلية .

تطرح لنفسها أمارات لم تتجاوزها بعد لفلسفة مدنية أصيلة وصلبة ، وتلتبس على هذه التقدمية التوجهات الفكرية والفلسفات السياسية .

فهي يسارية كادحة باعتبار  وليبرالية  فردية بآخر  وإشتراكية عند إقتضاء وعلمانية عن عند آخر .

ولا حرج في موسوعية المعرفة وابتكار العارف لمخارج مبتكرة ، لكن ذلك يقتضي سلفا أن يحدث إلمام موسوعي بالتفاصيل والإختلافات الدقيقة بين المدارس الفكرية والفلسفية ، ناهيكم عن تطورات هذه المدارس وتفرعاتها لمذاهب شتى .

فقضية هذا الوطن متمركزة حسب قاموس التعريف لهؤلاء في محاور ثابتة :
- الدين ورجاله 
- مجتمع البيظان 

ويتفاوت التعبير عن هذين الملمحين بين التصريح المنمق بأدوات الحياد ، والتلميح الراكن خلف تقية التعبير .

فالدين يمكن نتف ريشه بعد الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم وتحييده عن القضية باعتبارها قضية مسلمين لا قضية نبي .

والبيظان مادة دسمة للتندر الرمزي والمباشر ( حسب المقام ) .

فحين تكون الجرعة قوية  يتم القفز على العرب ليتم تعويم السخرية وإبطال مفعول العنصرية شكليا ، ويتم بذلك الهروب من ضريبة التهمة والنقد .

وحين تكون الجرعة متوسطة يتم الإكتفاء بالقبيلة لنتف ريش الحاضرين والسامعين باعتبار ضيق زاوية الرد ، فلا أحد يتحمل وزر الدفاع عن القبيلة وإن كان تم سلخه في حضرته بتعويمة كتلك .

أما إن كانت الجرعة خفيفة فالتوجه للبيظان بالإزدراء ليس سوى لعبة " هيت " في فضاء لا يعتقد هؤلاء أن من يعيشون به لهم آذان يسمعون بها أوأعين يبصرون بها  أو حتى عقول أو قلوب تفقه .

والغريب في الأمر أن الحديث لا يتم عن الأعراق إلا في إطار التكريم والتبجيل ( إخوتنا لكور ، إخوتنا لحراطين  .. الخ ) 
لكن السور من جهة البيظان بدى لتقدميي هذا المنكب هو الحيز الذي تفقد فيه العنصرية تعريفها ، وتستحيل المدنية والتقدمية إلى خراب ريثما يتم التخلص من سواخن العصبية ويستريح المحاربون .

وبعدها يكملون سهراتهم في الحديث عن إحترام الآخر والوحدة الوطنية والمساواة والمدنية والتعايش السلمي .

لن أضطر للقول بأني لا أتحدث كبظاني ، فأنا مصاب بعمى الألون ولا تخذلني حاسة النفاذ للإنسان ولا أتكلس على جلود البشر ، فدماؤهم كلها حمراء وأمعاؤهم بذات الأطوال وخلف أدغتهم مادة واحدة لكل منها نصيب .

***

لننطلق من منهجية عامة وذلك لتعليق النقد من أهداب عينه أمام محكمة العقل ..

يمكننا نقد تاريخ الأمم بحرية تامة ، وذلك لدافع المعرفة لا لدافع التأبيه ولا التسفيه ، والعرب ككل الأمم فيها من حافل ما يقال ،همجية وتحضرا  ، فضيلة ورذيلة ، معرفة وجهلا وإنسانية ووحشية ... الخ
لكن ذلك منطبق بكل أسف على كل الأمم .
ففرنسا الحضارة والجمال والعطور هي ذاتها التي أبادت القبائل في الجزائر وأغلقت عليهم منافذ الكهوف بالحطب والنار وقتلهم خنقا وحرقا ورميا بالرصاص والخوزقة والقصل ، واغتصبت النساء ومثلت بالاطفال ودقت رؤوس الحوامل بالمرزبات إمعانا في الترعيب والتركيع .

كل ذلك ليس من تاريخ الأمم الغابر وإنما قبل عقود أربع لا يزال شهودها يبصرون  .

وكذلك فعلت أمة الإنجليز العظيمة بشعوب الشرق وقبائل الهنود الحمر في الغرب .

تماما كما فعل الإيطاليون بأثيوبيا وليبيا والأستراليون بسكان غينيا القديمة والبرتغاليون والإسبان بأمم شتى . 

أما عن الدكتاتوريات العربية فليست بدعا جينيا ولا طفرة خزي في أطراف التاريخ ولا بمنكب حصري من الأرض .
فما قتله الجبارة العرب في العصر الحديث مجتمعين لا يساوي يوما من أيام هتلر ولا موسوليني ولا ستالين ، والمتنافسون فيه لا يجرون في قفر منفدرين .
فأمريكا الحريات هي ذاتها التي أبادت ما يقارب ثلث مليون من البشر في دقيقتين بعد أن اعتلت عرش الحضارة الحديثة ، وكذلك فعلت أوروبا بأكثر من عشرة ملايين آدمي خلال الحرب العالمية الأولى وبأكثر من 60 مليون في الثانية .

كل ذلك حدث بعد السيادة الحضارية الكاملة ودخول عصر التقنيات الرقمية وتجاوز عصر التنوير وبعد أن تم شنق القسيس بأمعاء الملك .

أما اليابان المنظمة والمتألقة علميا وإقتصاديا فقد حفل تاريخها الحديث بأبشع أعمال البشرية وحشية ودناءة في حربها على الصين وكوريا ، حيث حرقت القرى على رؤوس أهلها ، وحقنت الأسرى بالفايروسات وأطلقتهم في أوطانهم ناقلين للعدوى بالتنفس والجنس والإحتكاك ، كما دقت أعناق المزارعين بطرق تشعر الكاتب عنها بالغثيان .

أما إفريقيا الفقيرة فقد أخذت من القسوة ما يخصها دون غيرها ، ففي تسعينات القرن الماضي حيث ولد أغلب المتسكعين هنا ، أفاقت القرى على أشلاء الأخرى وخرابها ، وأطلق الشباب والمراهقون بالسواطيل والمطارق على أترابهم وجيرانهم وشركائهم في الوطن والتاريخ وزمالائهم في المدرسة .

وأشهرت الفتيات النواعم مداهن لبقر الحوامل وهن يضحكن في وجه العالم المتحضر الصامت .

هل ضاق تاريخ الهمجية والدكتاتورية عن كل هذه الويلات حتى  لم يكد يبين عن غير حكام العرب ؟

***

كثر الحديث عن أصول البيظان في هذه البلاد ، فهم أمازيغ بربر تارة وعرب تارة أخرى ، وفي ثالثة لا أصل لهم .

فهل كان العرق الأمازيغي من سقط متاع أحدكم حتى يتنكر له مفاضل بين نسبين ؟
وماذا يترتب على أمازيغية البيظان أو عروبتهم ، حين تتحدثون عن الدولة المواطنة الحديثة؟
وما علاقة ذلك بفلسفة اليسار والعلمانية والتقدمية والحداثة ، أو ليس منكرا من منكراتها  كالذي تلوكونه ميتا ؟

أما الحديث عن قطع الطريق فهو مما تم سكه إمعانا في التقدمية ، لأن التقدمي إذا لم يتحدث عن رجعية الدين أو همجية البيظان ، لا يمكن تقبله عضوا في هذا النادي البغيض .

دعوني أخبركم شيئا ..

إن من يتحدث عن التعايش ويضرب جود  المطالع وكرم المقالع في نموذجية الأمة الفلانية أو العلانية ، عليه أن يتذكر أن من يباهي بهم ، هم أول من سيزين معصميه بالأصفاد حين يتحدث حديثا كهذا في دولة من دولهم .

لأن الفروسية الإنسانية لا تجتمع في جمجمة واحدة مع التبعية للتعصب .
والحديث عن الحقد الطبقي يكاد يفر من أفواه كهذه إلى القبور ، لان الصمت أنفع للفتى من النفاق .

نحن شعب  بين تاريخين 
نريد أن نتمسك بقيم تحمي وجودنا كمجتمع حديث ونتخلى عن أخرى أرهقتنا ، وإما أن نتقدم خطوة إلى الأمام أو نرجع للتي مازلنا نعرفها .

هذا البيظاني الأدخن الذي أصبح مادة للتندر والسخرية ، وسقط متاع يستباح كبيظاني وكابن قبيلة وكعربي ، لا أريدكم أن تجعلوه جيفة التتار يوم سبقهم، يتنافسون أيهم يحملها من عرقوبها أطول وقت على جواده .

فهناك تعريف يجمعه باللقطاء عند بوابة الوطن سواسية لا فرق بينه وبينهم ، ولا أحد عليه أن يستبح عرض أحد ولا ينحت من أصله عمارا لمجالس السخرية  والتندر .

أقول قولي هذا حبا في كرامة لا تستثني منا أحدا وحقا لا يتقاصر دون أحدنا للآخر واستشرافا لمستقبل سنصطلي ناره أو نجني ثماره سويا ولن ينفع أحدنا الفرار من الآخر إلا إليه .
هذا الوطن هو جنتنا إن كبحنا سعار الحقد والطبقية والعنصرية أيا كان مصدرها ، وهو نارنا إن جعلنا من آذاننا طينا وأعيننا عجينا ، حتى نقع في الفاجعة لخوفنا من بوادرها .

فهذا النوع من الآراء والتلميحات والتصريحات لا يختلف عاقلان على سفهه ولا على مستوى إيذائه للمعنين به .

و إجتهاد الأمم في نخر تاريخهم للبحث والعبرة ، يختلف عن " تكطكيط " التقدمية في بادية الصحراء الكبرى لإثارة النعرات وتنعات لعلب للصائمين على لأواء أعراضهم حفظا للحياة .

في هذا البلد ينبغي ان تنشأ تقدمية تحترم وعدها 
تترك للمريد شيخيه الذي يعتقد ببركته 
ولإبن القبيلة قبيلته يكفر بها أو يؤمن 
وللعربي عروبته فهو المؤتمن على نسبه وليدخله جنة أو يوديه لنار 
والكل أمام الوطن سواسية لهم ما يشاؤون من معتقداتهم وأعرافهم وثقافتهم .
وعلينا أن نحسن الفصل بين الحدود الوطنية العامة والخيارات الثقافية المتنوعة .

دعوها "يخياتي" فإنها منتنة 

أنا محمد ول أفو ولا أهتم لأي عرق أنتمي ففي كل الأحوال لن يمنحني أي عرق أكثر مما أنا عليه ولن يسلبني آخر مما أحوز .

لنكن أمازيغا أو تتارا... لا يهم ..
و أنتوم ذوك ال مانكم من ذرية آدم 
عليكم أن تكونوا إنسانيين بلا نخل ولا فرز ولا إزدواجية ، أو أن تعودوا إلى حظيرة حقيقتكم ( عيل من موريتان باقيين يعودو مثقفين وسابقين لعصرهم ، وهوم ما فيهم واحد يكد يسهدي كلمتين إلين تلحق ليد رجلها ) 

سلام على أمتنا وأعراقنا ولغاتنا وتاريخنا ومستقبلنا وسلام على كل موريتاني حالم بالعدل والإخاء.

محمد افو
#المشروع_الوطني_أملنا