القادرية ام الطرق الصوفية ..ماذا بقي من القها في موريتانيا

أربعاء, 02/27/2019 - 20:33

محمد سالم - تمثل الطريقة القادرية إحدى أهم وأوسع الطرق الصوفية انتشارا في العالم، ومنذ أن وضع الشيخ عبد القادر الجيلاني أسس المنهج التربوي والروحي للطريقة، باتت أبرز إطار للانتماء الروحي لملايين المسلمين عبر الحقب، وإليها ينسب عدد هائل من العلماء والأمراء والقادة المؤثرين في تاريخ المسلمين

وبالنسبة لإفريقيا فقد مثلت القادرية البوابة الأوسع لانتشار الإسلام ومعارفه وكياناته السياسية والاجتماعية في الغرب الإفريقي عموما، أما في موريتانيا بخاصة فقد دخلت القادرية إلى الفضاء الشنقيطي عبر المشرب الكنتي الذي نقله الشيخ سيد أحمد البكاي الكنتي وابنه سيدي أعمر، ومنهما انتقلت القادرية إلى حالة من التوسع والانتشار في مختلف أرجاء البلاد.

 

أهم مراكز القادرية في موريتانيا

 

يمثل الشرق الموريتاني المنطلق الأول للقادرية، وخصوصا في المنطقة المحاذية لأزواد حاليا، حيث ضربت حضرة الشيخ سيدي المختار الكنتي – وهو المجدد الثاني للطريقة القادرية في موريتانيا – أطنابها ومدت إشعاعها إلى مختلف الأنحاء المجاورة في موريتانيا وفي دول إفريقية عديدة.

وإضافة إلى المركز الكنتي للقادرية والذي انتشر في مختلف المناطق التي تسكنها قبيلة كنتة فإن للقادرية البكائية فروعا وامتدادات أخرى نقلها إليها تلاميذ ومريدو الشيخ سيدي المختار الكنتي ومن أبرزها

  • مركز الجنوب والوسط : حيث تمثل أسرتا أهل الشيخ القاضي وأهل الشيخ سيديا قطبين أساسين للقادرية في منطقة الترارزة والبراكنة، وقد امتد إشعاع الأسرتين أيضا خارج موريتانيا.

وقد مثل الحضور السياسي الفعال لحضرة الشيخ سيديا وأبنائه من بعده حالة من حالات الفعل السياسي الناشئ في ظلال التصوف، وترك بصمات قوية على مراحل متعددة من التاريخ السياسي لموريتانيا

  • مركز الشمال : ومن أبرز الأقطاب القادريين في المنطقة حضرة الشيخ محمد المامي والتي تداخل فيها التصوف والموسوعية المحظرية بشكل كبير، حيث يمثل الشيخ محمد المامي ظاهرة علمية تركت بصمات قوية على التاريخ العلمي ومدت إشعاعا وتأثيرا قويا على الشمال الموريتاني بشكل كامل وحتى ضمن الحزام البيظاني القديم الذي يشمل الآن أجزاء واسعة من المملكة المغربية والأراضي الصحراوية.

أم الطرق الصوفية

خرجت من رحم الطريقة القادرية طرق متعددة، من بينها الفاضلية ذات الانتشار الواسع، وكذا الطريقة المريدية الواسعة الانتشار في السنغال ولكنها شهدت أيضا حالات كبيرة من التجديد والتشذيب، وخرج من رحمها كثير من دعاة "تسليف التصوف".

حيث كان للشيخ التراد بن العباس بن الشيخ محمد فاضل، ثورة تجديدية في التصوف محاربا كثيرا مما يعتبره بدعا وغلوا في التصوف ومن بين ذلك ظاهرة البناء على المقابر

كما مثل باب بن الشيخ سيديا حالة سلفية خرجت من رحم القادرية، وحملت بقوة على كثير من مبادئ وأسس التصوف.

ماذا بقي من ألق القادرية

يمكن اعتبار القادرية حالة صوفية صامتة، تملك الأسبقية التاريخية على مختلف الطرق الصوفية، إضافة إلى كونها تمتلك استقطابا اجتماعيا واسعا جدا، خصوصا أن الطريقة الصوفية تتحول غالبا إلى فصيل اجتماعي، ينتظم أفراده بحالة من الولاء للطريقة ورموزها حتى وإن لم يؤدوا الأوراد أو يترقوا في الرتب الصوفية، وبهذا المعنى الاجتماعي فإن للقادرية حضورا أساسيا في مختلف مفاصل السلطة والمجتمع والنفوذ في موريتانيا، وإن بدا حضورا متشتتا ومتضاربا في بعض الأحيان

يملك القادرية خزانا بشريا واسعا يمكن تنظيمه وإعادة توجيهه والتأثير فيها، كما تملك قدرة فائقة على تجديد الرموز، نظرا للحالة العلمية المصاحبة لها، وعمليات التجديد والتشذيب التي تطالها بين الحين والآخر، إضافة إلى كونها أكثر الطرق الصوفية قدرة على مد العلاقات مع مختلف الجماعات الإسلامية الأخرى، نظرا للمرجعية الأصولية التي يمثلها مؤسسها عبد القادر الجيلاني باعتباره أحد "رموز التصوف المنضبط" وفق كثير من دارسي الحالة الصوفية.