كابر هاشم : بلاد المليون شاعر لقب تدليلي لم يجانب الصواب

أربعاء, 02/14/2018 - 13:09

في مقابلة سابقة نشرتها صحيفة العرب القطرية تحدث المرحوم الشاعر محمد كابر هاشم عن شجون مختلفة من قضايا الأدب في موريتانيا

موقع ريم آفريك يعيد نشر المقابلة

اجرى المقابلة : محمد سالم

 

مصطلح القصيدة النثرية مماحكة وعبث لفظي لأن الشعر والنثر خطان منفصلان

 

عندما يخرج النص عن الموسيقى الشعرية وعن النظم فأنا أعتذر عن قبوله ضمن فن الشعر العربي

 

تقديم

يعتبر الشاعر الموريتاني محمد كابر هاشم رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب الموريتانيين أن الرواد المشارقة الذين أطلقوا على موريتانيا لقب بلاد المليون شاعر لم يكونوا مجانبين للصواب لأن الشعب حينئذ كان إما " شاعر إنشادا " أو شاعر إنشاء"

محمد كابر هاشم الشاعر الموريتاني لايزال يرى في القصيدة العربية الأصيلة حصنا من حصون الممانعة العربية وخندقا من خنادق الثقافة والهوية وتحقيق الذاتية وهو لذلك يعتبر محاولات الخروج على تلك الأصالة والشموخ جزء من محاولات المسخ والهمينة التي تتعرض لها الأمة العربية، من أجل ذلك يقف محمد كابر موقفا صلبا تجاه القصيدة النثرية التي يعتبرها مصطلحا عبثيا لايمكن تصوره افتراضا لأن الشعر خندق والنثر خندق آخر والجمع بينهما كالجمع بين الليل والنهار على حد تعبير الأستاذ الشاعر.

الشاعر كابر هاشم في لقائه مع العرب الثقافي يشرح ملامح المشهد الأدبي في موريتانيا ويكشف للقارئ العربي عن ملامح هذا المشهد الذي يعتبره جزء من كل هو الأدب العربي المعاصر، حيث اعتبر أن الأدب العماني هو الأقرب إلى الأدب الموريتاني من حيث البنية والمضمون، وعن حضور السرد في المشهد الأدبي الموريتاني يرى الشاعر كابر هاشم أن " ذلك الفن الذي لايتجاوز عمره عمر الدولة الصهيونية وجد له صدى في الأدب الموريتاني وأن الكاتب الموريتاني أبدع فيه إبداعا مهما"

فضاءات مختلفة كشفها الأستاذ كابر هاشم في حواره مع العرب فإلى نص الحوار

 

 

العرب  : لو أراد الشاعر محمد كابر هاشم تقديم الأدب الموريتاني إلى القارئ العربي بعيدا عن تلك الصورة الخيالية التي رسمتها العبارة الشائعة بلاد المليون شاعر كيف سيكون التقديم.؟

 

محمد كابر هاشم : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على النبي العربي الكريم، أعتقد أنه من المهم التذكير بأن الأخوة المشارقة الذين أطلقوا على بلادنا لقب بلاد المليون شاعر لم يكونوا مجانبين للصواب وذلك لجملة أسباب منها أنها هذا اللقب هو لقب تدليلي والألقاب التدليلية لاتقاس بالواقع ليعرف مدى مطابتقتها له، وإلا لكان علينا أن نتوقف عند تسميات مثل مصر أم الدنيا وهبة النيل وباريس مدينة الأنوار وأم كلثوم كوكب الشرق، أو أن نتوقف عند الكلمة الذائعة التي أطلقها ابن رشسق القيرواني عندما قال " ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس "

هذا من جهة،أما ما نظنه سببا لانبهار المشارقة بأدب هذه البلاد وبأدبائها فهو في اعتقادي راجع إلى أن الذين زاروا موريتانيا مفتتح الستينيات وهي إذاك لم تحدد من هي وماذا تريد،وكانت حينئذ مجهولة في المشرق وفي المغر ب أيضا،إضافة إلى أن المستعمر الفرنسي الذي خطط منذ القرن التاسع عشر لاقتطاع بلاد شنقيط عن امتدادها العربي والإسلامي واستخرجوا لها من أحافير الرومان اسم موريتانيا ليكون علما على هذه الصحراء كالثور يضرب لما عافت البقر ، هذا زيادة على بحر الرمال الذي يطوقنا ويحول بيننا وبين جيراننا الشماليين كل هذه الأسباب جعلت إخواننا المشارقة لايتوقعون أن يوجد خلف هذه الرمال القاحلة وفي كل هذه السياقات شعب يتمتع بما تمتع به الشعب الموريتاني من اهتمام باللغة والأدب وبحفظ للشعر وإنتاج له وبجودة في هذا الانتاج، فلذلك لاحظ الإخوة المشارقة أن الشعب الموريتاني حينئذ كان ما بين شاعر إنشادا أو شاعرا إنشاءا.

هذا من جهة أما بالنسبة للشعر الموريتاني فهو ككل الشعر في كل الساحات العربية بمعنى أنه جزء من هذا الأدب العربي الكبير، وإن كان الأدب العماني أقرب وأكثر تقاطعا مع الأدب الموريتاني حيث يشتركان في الاحتفاء بالأنموذج الأصيل للقصيدة العربية،وبالتالي فمن خلال اطلاعنا على الأدب العماني ولقاءاتنا مع رموز الحركة الشعرية في البلد لاحظنا أنه الأقرب في الصور والمضامين إلى الشعر الموريتاني، ولعل ذلك عائد إلى أن الأطراف غالبا ما تكون أكثرتشبثا بشخصيتها وأصالتها خصوصا إذا ما جاورتها ثقافات تخشى أن تتسرب إليها أو أن تنصهر في بوتقتها.

 

العرب : ماذا عن سؤال الحداثة وحضورها في الأدب الموريتاني المعاصر خصوصا أن الذائقة الشعرية الموريتانية لاتزال تقليدية بحكم المرتكزات الثقافية للمحظرة  الموريتانية؟

 

محمد كابر هاشم : عليك أن تعرف أن كل المعارف الإنسانية إذا ما استثنينا الجانب العقدي لاتزال نسبية في العموم، وبالتالي فإن مفهوم الحداثة أيضا هو مفهوم نسبي.

وعموم فإن الشعر بالنسبة للعربي هو خدنق والنثر خندق آخر، والقرآن خاطب مجتمعا عربيا سليم الذائقة وألح كثير على أنه ليس شعرا ولاينبغي له أن يكون كذلك وبالتالي كان من الصعب أن نتعايش مع من يخلط بين الشعر والنثر، هذا من جهة، إما إذا كانت الحداثة تعني إدخال المضامين والصور والأخيلة الجديدة إلى القصيدة العربية والانتقال بها من المنابت البدوية إلى واقع المجتمع المدني ومن هموم الفصيلة والقبيلة إلى هم القضية والأمة، فأعتقد أن عليها أن تدخل إلى الشعر ما يمكن أن يصنف من جنسه،أما الحداثة التي تحاول المروق من القصيدة العربية بكل مقاييسها فأعتقد أن ساحتنا الشعرية بحمد الله لاتزال عصية عليها.

 

 

العرب : عموما هذا سيحيلنا إلى موقفكم من التجديد في عمود الشعر أعلم أنكم تقفون موقفا متشددا من قصيدة النثر خصوصا وتلحقونها بنظرية المؤامرة ماهي منطلقات هذا الموقف؟

 

محمد كابر هاشم : عموما الأمر ليس على إطلاقه، لكني أعتقد أنه عندما تتجه إلى قصيدة أمة عمرها أكثر من ثلاثة آلاف سنة وبنت عليها كثيرا من مرتكزاتها الذهنية والثقافية ثم تطالبها بأن تتجه إلى هذه الاتجاه النثري فليس من المستغرب حينئذ أن يثير هذا الأمر عدة مواقف متباينة.

نحن أمة يتداخل عندها الأدب بالبنية العقدية والدينية ويفسر القرآن لأنه كان جزء من تفسير القرآن والحديث واستجلاء مختلف مكنوناتهما، وبالتالي عندما تدعو هذه الأمة التي صاغت رؤيتها وتقاليدها الشعرية إلى الانتقال إلى هذه القصيدة النثرية فهو أمر غير سائغ إطلاقا زيادة على أنه الجمع بين المتناقضات فمصطلح قصيدة النثر يشبه كلمة الليل النهار أو السماء الأرض أن الشعر والنثر خطان منفصلان والجمع بينهما من عبث الكلام ومن المماحكة اللفظية.

 

العرب : لكن ألا يمكن الحديث عن شعرية النثر في بنيته الفنية ودلالته؟

 

محمد كابر هاشم : تلك أشياء لا أول لها ولا آخر، صحيح أن في النثر بعض الصور والمفردات الشعرية وفي الشعر كذلك بعض الصور النثرية، لكن من المهم أن نعرف أن الشعر استطاع احتضان قصيدة التفعلة لأن العرب أباحوا للشاعر نهك البحر وهو حدف تفعلة من البيت ذي التفعلات المتفقة وبالتالي تجد قصائد التفعلة في اغلبها تنحو نحو البحور ذانت التفعلة الواحدة.

أما عندما يكون هذا النص أوامنتج خارجا عن التفعلة وعن عمود الشعر وعن النظم وعن المو سيقى الشعرية فأنا أعتذر عن أقبل تصنيفه ضمن فن الشعر العربي.

 

العرب : لننتقل إلى السرد في الأدب الموريتاني ومدى حضوره في المنتج الأدبي المعاصر في موريتانيا.؟

 

محمد كابر هاشم : كما تعلم فإن لفنون السردية هي فنون حديثة طارئة على الأدب العربي ولم تكن إذا ما استثنيا المقامات ضمن دائرة الوعي الثقافي العربي وقبل ما يقارب المائة عام لم يكن العربي يفهم الأدب إلا في تفسيره الأخلافي أو أنه الشعر، وعموما فإن عمر التجربة السردية من رواية وقصة وأقصوصة إلى غيرذلك لايزال حديثا في عالمنا العربي ربما لايتجاوز عمره عمر الدولة الصهيونية حيث تزامنت تلك الخضات التي تعرض لها الأدب العربي من الشعر الحر وشعر التفعلة إلى الرواية والقصة مع إنشاء ذلك الحاجز الدخيل الذي أقيم ليفرق بين حدود العالم العربي وفصل ماهو إفريق يمنها عما هو آسيوي،وشخصيا أعتقد أن المبدع العربي قد قدم إسهامات جليلة في هذا المجال وأنه توجد في عالمنا العربي أسماء لامعة تركت بصماتها على تاريخ الفن السردي في الأدب العربي المعاصر.

أما فيما يتعلق بتجربة الفن السردي في موريتانيافنحن أمام أسماء كثيرة في هذا المجال من مختلف أجيال الأدب الموريتاني المعاصر وجيلنا في السبعينيات كتب القصة كتبها أستاذنا الخليل النحوي وأنا كتبتها وكتبها ناجي محمد الإمام ومحمد فال ولد عبد الرحمن ومحمدي ولد القاضي رحمه الله واسلم ولد بيه رحمه الله مع أن هؤلاء في الأساس كانوا شعراء.

 

 

العرب  : شهدت الساحة الأدبية في البلد ميلاد عدد من الهيئات الأدبية هنالك نادي الشعراء الشباب وجمعية النقد الأدبي وهناك حمعية الأدب الموريتاني أين أنتم في الاتحاد العام للأدباء الموريتانيين من هذه التعددية؟

 

محمد كابر هاشم : أعتقد أن الساحة الثقافية هي وحدها ما يوحد الفاعلين إذا ابتدعت عن السياسة والمتسيسين والناقمين والشخصانيين، فهي ساحة واحدة توحد الجميع، وعموما الساحة الثقافية تحتاج إلى كل تلك الأصوات والجهود خصوصا في ظل تضييق الخناق الذي تشهده الساحات الثقافية العربية خصوصا من الهجمة الفرنكفونية، وعموما نحن نوجه الدعوة لكل من يتكلمون بالعربية حتى ولو كانوا ممن يتكلمون باللغة الفرنسية نوجه لهم دعوة لخدمة الثقافة العربية، لأن من الأخطاء البنيوية للمجتمعات أن تعيش عمرا دون أن تحدد من هي وماذا تريد.

 

العرب : ماذا عن جيل الشعراء الشباب وهل هناك من أسماء أصبحت تمثل وجودا شعريا شبابيا في هذه البلاد؟

 

محمد كابر هاشم : من دون شك وكذلك كل جيل لابد أن تكون فيه  مبدعون وماكان عطاء ربك محظورا وبالتالي هناك من دون شك أسماء شعرية لامعة ومؤثرة، وعموما في جيل الشباب مستويات متفاوتة منهم السابق والمبدع ومنهم من هو في طريق الإبداع والتألقفهم كالنخيل الذي يسقى من ماء واحد ويتفاوت في الأكل والثمرات.

 

 

العرب : يحزم كثيرا من الشعراء الآن حقائب الشعر متوجهين إلى الدورة الثانية من مهرجان أمير الشعراء ماذا قدم الاتحاد العام لمساعدة هؤلاء في رحلتهم الشعرية هذه؟

 

محمد كابر هاشم :  في الواقع أن الاتحاد العام للأدباء والكتاب الموريتانيين وحتى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب له ظروفه الخاصة التي جعلته في البداية لم ينفتح على هذه المسابقة ،نظرا أن الهيئة المنظمة وهي هيئة أبو ظبي للثقافة والفنون والتراث قررت منذ البداية أن تكون الترشيحات فردية وستبقى كذلك، وبالتالي فإن ما يمكن الاتحاد أن يقوم به هو النصيحة والترشيد لمن أراد.

 

العرب : على ذكر الاتحاد العام للأدباء العرب هناك من يرى وربما محقا في ذلك أن هذا الاتحاد لم يعد ذا دور محوري في مسيرة الثقافة العربية كما كان هل تشاطروننا هذا الرأي ؟

 

محمد كابر هاشم :الاتحاد العام للأدباء العرب جزء من أمة والثقافة واللغة تقوى بقوة أصحابها وتضعف أيضا بضعفهم، بمعنى أننا الآن في برزخ لم يعد فيه الخطاب العربي الذي تعودت عليه الاتحادات الثقافية العربية مستساغا عند عامة الناس.

والاتحاد عموما مازال متمسكا بجميع قضاياه وبخطابه ونظامه الأساسي والداخلي عدلا باستحياء وهو لايزال يسعى إلى تذكير الأمة بماضيها وحاضرها وأن تشعرها أن في الدنيا من يحاول التشبث بذاته وهويته ولايفرط في بصمته.

 

العرب : هل من كلمة ختام

 

محمد كابر هاشم : لك الشكر على هذه السوانح الكريمة، وأتمنى لكم مزيد التقدم .